المجلس الأعلى للقوات المسلحة ادعى منذ تسلمه السلطة -ولا يزال- أنه حامى ثورة 25 يناير العظيمة. وقد وثق به الشعب الذى قام بالثورة ضد استبداد وفساد نظام مبارك وعصابته فى وزارة الداخلية بقيادة حبيب العادلى. .. لكن لم يكن المجلس الأعلى، الذى فضل استخدام تعبير «أنه يدير شؤون البلاد» على قدر الثقة التى منحها الشعب له، ولف ودار على مطالب الثورة، واستخدم مستشارى السوء لحماية سيطرته على الحكم، لا لإدارة شؤون البلاد، وتغاضى عن المطالب الأساسية المتعلقة بوضع خريطة طريق لانتقال مصر من مجتمع استبدادى إلى مجتمع ديمقراطى مدنى حديث، ومرت 10 أشهر ولم يحدث أى إنجاز سوى قوانين سيئة السمعة، سواء قانون الانتخابات، أو مباشرة الحقوق السياسية، أو تقسيم الدوائر، ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.. وغيرها من القوانين التى لا تتناسب أبدا مع ثورة عظيمة مثل 25 يناير التى ألهمت كثيرا من الشعوب من أجل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. لكن جنرالات المعاش فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أعجبتهم السلطة، فمنهم من اعتبر نفسه الخبير القانونى والدستورى الأول، ومنهم من اعتبر نفسه رجل الإعلام الأول.. وهكذا وجدنا جنرالا آخر يستمتع بتعذيب وضرب وقهر المواطنين، لتقديم تجربة جديدة فى القمع أبشع مما كانت تقدمه عصابة حبيب العادلى فى وزارة الداخلية. .. واستمتع جنرالات المعاش بالسلطة وبنفاق القوى السياسية والشخصيات الإعلامية التى كانت نفسها تنافق نظام مبارك وعصابته. .. ولم يقدم جنرالات المعاش ومجلسهم أى شىء إيجابى من استحقاقات الثورة، بل إنهم أعادوا إنتاج نظام مبارك ولم يستعيدوا أى شىء من الأموال التى نهبها مسؤولو والمنسوبون إلى ورجال أعمال النظام المخلوع، والتفوا حول مطالب محاكمات رموز النظام السابق بمحاكمات هزلية لا تليق أبدا مع ثورة عظيمة كشفت فساد هؤلاء المسؤولين، وتحالفوا مع قوى سياسية أطلقوها من جحورها لإعادة المجتمع إلى الخلف، وبدؤوا فى تبريد الثورة كأن الأمر تغيير طبيعى فى حكومة، بدلا من حكومة أخرى، كما كان يجرى أيام مبارك المخلوع، وسيطروا تماما على الحكومة التى منحها الثوار الثقة لتكون حكومة الثورة، وحولوا الوزراء ورئيسهم إلى سكرتارية لهم فكانت عشرة أشهر امتدادا لنظام مبارك. .. واستمروا فى سلوكهم لتشويه الثورة والثوار بأنهم يعطلون الإنتاج، ومن ثَم ينهار الاقتصاد، واتهامهم الثوار بالعمالة والخيانة فى الوقت الذى لم يفعلوا شيئا لعودة الأمن إلى الشارع وتركوا الداخلية وضباطها الذين أهانت قياداتهم الشعب فى ثورتهم، مستمرين فى الانفلات الأمنى وعدم الالتزام بعملهم وبرعاية جنرالات المجلس الأعلى، الذين استمتعوا بأن يتحولوا إلى جنرالات فى القهر والتعذيب. إنهم يسرقون الثورة.. .. وهم الثورة المضادة.. وظهروا على حقيقتهم خلال الأسبوع الماضى، من مشاركتهم فى فض اعتصام مصابى ثورة 25 يناير فى ميدان التحرير، واستخدام العنف ضدهم بمشاركتهم قوات الأمن المركزى، التى أعادوها فجأة قوية وغير منكسرة عينها، بل أظهروا ضباطا «قناصة» يستهدفون أعين الثوار. .. وأشرفوا على مذبحة شارع محمد محمود، وتحالفوا من جديد مع قوى سياسية للالتفاف على حق الثوار ومستحقات الثورة. .. ومع هذا منحهم الثوار وميدان التحرير وميادين مصر الفرصة الأخيرة لاستعادة الثقة فيهم باستماعهم إلى مطالب الثورة والاستجابة لهم، بتسليم صلاحياتهم إلى أصحاب الثورة، من خلال تشكيل حكومة إنقاذ وطنى بقيادة شخصية متوافق عليها، على أن يكونوا حماة الثورة كما كان مطروحا من قبل.. لكنهم أضاعوا الفرصة واستكبروا ليعيدوا إنتاج النظام السابق، ويُخرِجوا مظاهرة فى العباسية من الموظفين وفلول النظام السابق ورجال الأمن. فهل يمكن أن يستمع إليهم أحد الآن أنهم مَن حموا الثورة وحماتها حتى الآن؟! فقد كانوا يحمون أنفسهم ويتحصنون بالثورة.. وقد ظهروا على حقيقتهم، بل إنهم أساؤوا إلى الجيش الذى هو منا ونحن منه. إنهم يسعون لمصالحهم الشخصية، كالقوى السياسية المتحالفة معهم والملتحف بعضهم ببعض. عيب عليكم!