ثورة 25 يناير العظيمة التى لا يريد العسكر الاحتفال بالذكرى الأولى لها بميدان التحرير وميادين مصر، هى التى أبهرت العالم، وكشفت عن حجم الفساد والاستبداد ونهب الأموال، الذى كان يجرى فى البلاد. هى الثورة التى أخرجت أفضل ما فى المصريين، فكانوا نموذجا للعالم كله، فى إصرارهم على تحقيق هدفهم بخلع النظام الفاسد.. وبطريقة سلمية، حتى فى ظل الانفلات الأمنى، الذى فرضه نظام مبارك وعصابته، وشارك فيه كل مؤسساته.. وهو خيانة عظيمة.. ومع هذا تحمل الشعب وأصر على أن يخلع مبارك ونظامه. هى الثورة التى حمت الجيش -لا العكس- ووثقت فيه، لتسلمه السلطة لإدارة شؤون البلاد، من خلال فترة انتقالية يجرى خلالها وضع أسس وأصول لبناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة. هى الثورة التى جعلت الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء «الأسبق» والحالى، يخرج عن صمته بعد ما يقرب من 12 عاما من الصمت والعزل فى منزله على يد حسنى مبارك. هى الثورة التى جعلت دول العالم تتسابق إلى مد يدها إلى مصر، وجاء الكثير من زعماء العالم لزيارة ميدان التحرير، الذى خرجت منه الثورة المصرية، وانتقلت منه الثورة إلى دول أخرى.. وكان يمكن لهذا الميدان أن يكون وحده مصدر دخل سياحى يضاهى أو يزيد على دخل مصر للسياحة فى أفضل حالاتها. هى الثورة التى تعهدت لها الدول الكبرى بمنحها المساعدات والدعوة للاستثمار فى مصر، لوضعها على بداية بناء مجتمع مدنى حديث. .. وقد وقفت هذه الوعود من الاستثمارات على الأبواب، انتظارا لما يحدث فى الفترة الانتقالية، التى يديرها جنرالات المعاشات بالمجلس العسكرى. ما إن تسلم المجلس العسكرى السلطة، بحث عما يمكن أن يطيل به الفترة الانتقالية التى تعهد بأن لا تزيد على ستة أشهر.. والتف حول تحقيق أهداف الثورة، اللهم إلا من بعض الأداء المسرحى الهزلى مثل محاكمة مبارك -التى جاءت أيضا بضغط شعبى- وبث جلساتها الأولى عبر التليفزيون، إلى أن تحولت فى ما بعد إلى جلسات سرية. واستمر الانفلات الأمنى.. واستمر الحكم بالطوارئ.. وأصدر المجلس العسكرى قوانين ومراسيم سيئة السمعة، بدءا من قانون الاعتصامات والإضرابات، حتى قانون الانتخابات والدوائر.. ولم يتغير شىء فى الحكم عما كان عليه أيام النظام المخلوع.. ظل رجال مبارك فى الحكم وإدارة مؤسسات البلاد.. ظل الفساد على ما هو عليه.. ولم تحدث أى محاربة له، اللهم إلا بعض المحاكمات لعدد قليل من رموز النظام السابق، وهى محاكمات طويلة ربما لن تؤدى إلى شىء فى النهاية. .. وأعجبت السلطة العسكر، فبدؤوا فى تنفيذ خطط للانقلاب على الثورة وإجهاضها.. فأطالوا الفترة الانتقالية.. ودخلوا فى تحالفات غريبة ومشبوهة مع قوى محافظة مثلهم للقضاء على الثورة، فى مقابل منح تلك القوى البرلمان عبر انتخابات، ربما تكون حرة، لكن ليست نزيهة، وليست عبر قواعد وأصول ديمقراطية. .. وفعلوا كل ما يملكون لتشويه الثورة والثوار. .. فأصبحت الثورة التى أبهرت العالم، التى كانت تجذب الاستثمارات والمساعدات، هى السبب فى عدم الاستقرار والخطر الأكبر على الاستثمار. .. وأصبح الثوار خونة وعملاء.. واستخدم «العسكرى» نفس أساليب النظام المخلوع ورجاله فى الإعلام وأمن الدولة لتشويه الثورة والثوار. .. واستخدم العنف ضد الثوار فى أحداث السفارة الإسرائيلية وماسبيرو ومحمد محمود، ليسقط الشهداء من جديد.. ويستمر عنف المجلس العسكرى ليصل إلى أعلى درجاته فى الانتهاكات التى لم يكن يقدر عليها نظام مبارك وعصابته، إلى أن تقوم قوات من الجيش بانتهاكات فظيعة تصل إلى القتل وتعرية الفتيات والسيدات فى الشارع وفى ميدان التحرير.. وشاهد العالم كله هذه الانتهاكات التى لا يمكن أبدا أن يفعلها إلا إذا كان طالبا للسلطة بانقلاب على الثورة، ولا يريد وجودا للثوار، فقد انتهى الأمر.. ومن أجل ذلك دخل فى تحالف.. ليحكمنا «من الآخر» تحالف عسكرى فاشى مع دينى فاشى.. وهذا واضح للجميع الآن. فيا د.الجنزورى، هل تنتظر من العالم أن يوفى بمساعداته إليك وهو يرى بوضوح هذا الانقلاب الفاشى على الثورة؟ .. يا د.الجنزورى، أنت رجل قديم وخبير وتعرف جيدا أن ما يحدث الآن ليس ثورة، بل إنه انقلاب عليها، أو أن ما يحدث الآن ليس حفاظا على الثورة من جانب «العسكرى»، بل إنه ينقلب عليها.. فلا يمكن أبدا أن يقف معك العالم ويمنحك مساعداته.. فقد أبهره «العسكرى» أيضا بتشويه الثورة وسرعة الانقلاب عليها.