«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل حمودة يكتب: حرب تصفية الثورة بين المرشد والمشير!
نشر في الفجر يوم 22 - 12 - 2011

شعور الثوار بأنهم الذين أسقطوا نظاما ديكتاتوريا مثل نظام مبارك منحهم قوة نفسية هائلة جعلتهم لا يخشون سلطة عسكرية مهما كانت محصنة بالمدرعات ولا يهابون سلطة إخوانية
الإخوان استغلوا براءة العسكر وضعف خبراتهم السياسية ورسموا خريطة هلاك مصر

ما إن دارت الانتخابات حتى كشر الإخوان عن أنيابهم للمشير ورجاله وهددوا بصراع دموى فى الشوارع لوحدث مالا يرضون

مبارك يطلب مهلة نصف ساعة لاستشارة الهانم والأولاد قبل التنحى
قبل 40 دقيقة فقط من تنحى مبارك كان المشير حسين طنطاوى آخر من يتصور أن الرجل الذى يقبض على السلطة ثلاثين عاما يمكن أن يتركها بهذه السهولة.. وعبر عن ذلك بوضوح لنائب الرئيس عمر سليمان ورئيس الحكومة أحمد شفيق.


كان الثلاثة الكبار يجلسون فى الصالون الملحق بمكتب وزير الدفاع بينما توافد المتظاهرون على القصر الجمهورى بالمئات فيما عرف ب «جمعة الرحيل».. وفى الوقت نفسه كان مبارك قد وصل «شرم الشيخ» واستقر فى قصره المميز بمنتجع الجولف المطل على الخليج بعد أن حملته بمفرده طائرة اقلعت من مطار ألماظة فى الساعة الحادية عشرة صباحا.

عبر المشير عن تصوره بوضوح قائلا: «مستحيل يتنحي».. لكنه سمع من يقترح أن يتصل عمر سليمان بمبارك تليفونيا لإقناعه بترك الحكم.. وبالفعل قام النائب بهذه المهمة الصعبة.. الثقيلة.. لكن.. المفاجأة أن مبارك بدا متجاوبا.. وطلب منه أن يمهله نصف ساعة كى يستشير «الهانم والأولاد».. لحظتها وقف المشير قائلا: «ألم أقل لكم إنه لن يتنحى».

كانت مهلة استشارة «الهانم والأولاد» تعكس مدى الضعف الذى وصل إليه مبارك خلال السنوات الثلاث الأخيرة من حكمه.. وتؤكد أن القرار أصبح فى يد «الهانم والأولاد».. وهم بالقطع لن يقبلوا بأن يترك الحكم.. ويحطم آمالهم فى التوريث.. خاصة أنهم بقوا فى القاهرة يدافعون بكل ضراوة عن السلطة التى وضعوها بين أنيابهم، بينما «الرجل العجوز» يجلس وحيدا عاجزا يائسا على بعد ألف كيلومتر.. أو ساعة طيران.

كان مؤكدا أن «الهانم والأولاد» لن يقبلوا بقرار التنحى وأن ترك مهلة نصف الساعة لمبارك ستنتهى بعد استشارتهم بتقوية قلبه وتمسكه بالحكم.. فكان أن طلب من عمر سليمان بعد عشر دقائق أن يتصل به ثانية ليبلغه أن تنحيه هو الحل الوحيد لإنقاذ البلاد من كارثة محققة.. والمثير للدهشة أنه وافق على الفور.. وطلب من النائب أن يقرأ له صيغة التنحى التى كان قد صاغها المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية العليا.. وسمع مبارك الصيغة.. ولم يعترض سوى على كلمة واحدة.. جرى تعديلها.. وإن طلب عدم إذاعة بيان التنحى إلا بعد وصول «الهانم والأولاد» إلى شرم الشيخ.. وهو أمر أخذ جهدا من عمر سليمان تحمل فى سبيله الكثير من الجهد النفسى والعصبي.
المجلس العسكرى عفوا.. لم يبق فى رصيدكم الكثير.. احترس!
سجل عمر سليمان بيان التنحى فى طرقة المجلس العسكرى بكاميرا واحدة.. وبعدها صافحه المشير هو وفاروق سلطان.. وفكر فى النزول إلى ميدان التحرير.. لكن.. الحشود التى سدت الشوارع فرحا منعته من الوصول إلى هناك.. فاكتفى بمنطقة مصر الجديدة.

فى هذه اللحظة فقط صدق المشير أن مبارك يمكن أن يتنحي.

ولاشك أن تصرف مبارك بهذه السهولة جنب المشير إعلان الانقلاب عليه.. فلم يكن هناك مفر من استخدام القوة البدنية للإطاحة به.. فقد وصلت العلاقة بين الرئيس ووزير دفاعه إلى طريق مسدود.. أحدهما كان لابد أن يتخلص من الآخر.. يا قاتل يا مقتول.

والحقيقة أن الجيش عندما صدرت أوامر نزوله الشارع كان بعض من قيادته فى المجلس العسكرى قد قرروا عدم العودة للثكنات إلا بعد الإطاحة بالنظام.. وكان ذلك سرهم الذى اقسموا على المصحف أن يحتفظوا به.. وأعفوا المشير من ذلك القسم.. تجنبا للحرج.. دون أن يتجاهلوا أن قرارهم يفجر مخاطرة قد تنتهى بإعدامهم رميا بالرصاص فى أحد معسكرات «دهشور».. وهى شجاعة وجرأة منهم تحسب لهم.. لا يجوز نسيانها.

وربما يؤكد ذلك ما سمعت من عمر سليمان فى اجتماعه مع رؤساء التحرير فى القصر الرئاسي: «إن البديل الوحيد للإصرار على رفض الحوار للخروج من الأزمة هو الانقلاب ونحن نحاول تجنبه».

ومنذ اللحظة الأولى لنزول الجيش كانت التعليمات الصارمة لضباطه وجنوده هى ضبط النفس وعدم التورط فى عمل من أعمال العنف ضد المتظاهرين مهما بلغت درجة الاستفزاز.. فرصيد القوات المسلحة لدى الشعب لا يجب السحب منه.. وحسب معلوماتى فإن المتظاهرين حرقوا أربع مركبات عسكرية بعد ساعات قليلة من نزول القوات إلى الشارع.. وأمسك قائد المنطقة المركزية اللواء حسن الروينى بأعصابه فى تحكم يصعب تخيله.

لكن.. فيما بعد.. فقد الجيش أعصابه.. وتعامل مع المعتصمين فى الشوارع بعنف لم يسبق له مثيل.. حدث ذلك فى ماسبيرو منذ شهور.. وحدث أيضا أمام مجلس الوزراء مؤخرا.. ومهما كانت الدوافع والمبررات فإن الجيش فقد جزءاً كبيراً من رصيده لدى الشعب.. ولو استمر فيما يفعل فإنه سيجد من يقول له على طريقة التسجيلات التليفونية: «عفوا.. لقد نفد رصيدكم».
لماذا عرض المشير على المجلس العسكرى ترشيح نفسه للرئاسة؟
والمؤكد أن المشير لم يفكر وهو يطيح برئيسه أن يتولى الحكم من بعده.. فالرجل كما نقل عن مقربين منه يريد أن يدخل التاريخ كأول «جنرال» مصرى يسلم السلطة لحكم مدنى ديمقراطي.. كان يرى أن ذلك يكفيه.. وهو تصور يستحق الاحترام.. ويستحق أن يكتب بحروف من نور فى سجلات الزمن.. بشرط أن يوصل البلاد إلى بر الأمان.. وأن ينجيها من حالة الفوضى التى تفرض نفسها من وقت إلى آخر.. فما حدث فيما بعد جعل الرجل يعترف بأنه لم يتخيل أن تكون المهمة التى حملوها ثقيلة وحارقة إلى هذا الحد.. بل إنه شعر فى كثير من الأحيان أن شخصيات باقية من نظام مبارك تلعب دورا سلبيا.. وتوقف المراكب السايرة.. وتتسبب فى توجيه اللوم للقوات المسلحة.

وحسب ما عرفت من مصادر قريبة من الرجل أنه رفض أيضا أن يرشح أحد من أعضاء المجلس العسكرى نفسه للرئاسة القادمة.. وبعد أن تناثرت شائعات عن نية البعض لتجاوز هذا الاتفاق دخل عليهم متسائلا عن رأيهم لو هو رشح نفسه.. وما إن وجد من يؤيد ومن يبتسم ومن ينتظر اتجاه الريح حتى أفصح عما فى نفسه قائلا: «ألم نتفق على أن لا أحد منا يتقدم للترشح؟».. وفهم الجميع الرسالة الواضحة.
الجنرالات نادمون على عدم تسليم السلطة لرئيس الدستورية العليا
لكن.. لو لم يكن المشير راغبا فى السلطة فلماذا وضع مقدرات البلاد فى يد القوات المسلحة وكان أمامه البدء فى إجراءات تسليم السلطة للحكم المدنى من اللحظة الأولي؟

كان أمام المجلس العسكرى وضع السلطة ولو إلى حين بين يدى رئيس مجلس الشعب الدكتور فتحى سرور ليصبح رئيسا مؤقتا للبلاد لمدة ستين يوما يجرى بعدها انتخاب رئيس جديد للبلاد يضع الدستور ويحدد باقى خطوات عملية الانتقال للحكم المدني.. لكن فتحى سرور بجانب أنه رمز بارز من رموز النظام السابق اتهم أمام الكسب غير المشروع بتضخم ثروته.. واتهم أيضا فيما عرف بموقعة الجمل.. فجرى التراجع عن فكرة توليه منصب الرئيس مؤقتا حسب الدستور.

وكانت الفرصة سانحة للمضى فى نفس الطريق باختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا لتولى الرئاسة مؤقتا قبل أن تستكمل باقى الخطوات المعروفة.. ولكن.. هذا لم يحدث.. فقد تصور المجلس العسكرى أنه قادر على إدارة شئون البلاد.. وهو ما لم ينجح فيه بسبب ضعف خبرته السياسية لعزلته عن الحياة المدنية.

لقد سمعت من أعضاء فى المجلس العسكرى أنهم كانوا يخشون الصلاة على شيء خشن حتى لا تظهر زبيبة الصلاة فيتهموا بأنهم إخوان.. كما أنهم كانوا محرومين من قراءة الصحف المعارضة علنا.. خشية المراقبة التى كانت عليهم.. بل إن هناك من تحرج من الحديث معى بأكثر من كلمات عابرة عندما جمعتنا مناسبات اجتماعية صدفة قبل الثورة.. خوفا من اتهامه بالاتصال بالمعارضة.

ويمكن القول إن المجلس العسكرى يشعر بالندم الآن لأنه لم يسلم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية.. ومشى فى طريق سينتهى بتسليم البلاد للتيارات الإسلامية.. وهو أمر يثير مخاوفهم بقدر ما يثير متاعبهم.
الإخوان استغلوا براءة العسكر ورسموا خريطة هلاك مصر
كان المجلس قد سلم نفسه للإخوان الذين استغلوا براءته السياسية فى رسم خريطة المستقبل بما يحقق لهم مصلحتهم وحدهم.. ولعب المستشار طارق البشرى الدور الأكبر فى هذه الخدعة.. مستغلا احترام باقى التيارات الوطنية له.. لكنه خذلها بوضع العربة أمام الحصان.. والقبول بالانتخابات التشريعية قبل وضع قواعد اللعبة التى ستجرى عليها عملية انتقال السلطة.. أو تداولها.. وهى القواعد التى يتضمنها الدستور.

وما يدعم براءة الجنرالات أنهم قدروا قوة الإخوان بما أوقعهم فى الفخ.. فهم تصوروا أن عدد أعضاء الجماعة من دافعى الاشتراكات الشهرية لا يزيد عن 800 ألف عضو.. بجانب خمسة ملايين متعاطفين معهم.. ليكون هذا الرقم هو ما سيحصلون عليه من أصوات فى الانتخابات.. وسمعت من بعضهم تهوينا من القوة التنظيمية للجماعة.. قائلا: «لن يحصلوا على أكثر من 15 % فى أسوأ الأحوال».. وهو تقدير جانبه الصواب.. وغاب عنه سيطرة الإخوان على بنية الخدمات الاجتماعية فى غالبية القرى والمناطق الفقيرة التى نسيتها الحكومة المركزية فى القاهرة.

يضاف إلى ذلك تجاهل العسكريين للقوة السلفية التى كانت مختفية تحت الأرض.. ولم يقدر حجمها أحد.. ففاجأت الجميع بما أحرزته من تقدم مذهل ومرعب فى الانتخابات.

وقد ارتكن المجلس العسكرى للإخوان فيما وصف بشهر العسل.. وأعطى الاثنان فى وقت واحد ظهرهما لشباب الثورة.. فالإخوان نسوا تضحيات الثوار.. خذلوهم.. تجاهلوهم.. وباعوهم بفطيرة السلطة المعجونة بدماء الشهداء.. ليأكلوها وحدهم.. دون أن يدركوا: أنه على موائد الطعام وموائد السياسة من يأكل لوحده يزور.. تقف اللقمة فى حلقه.

وفى الوقت نفسه دخل المجلس العسكرى فى حرب شرسة ضد الشباب.. اتهمهم بالعمالة.. وتدمير الدولة.. وهدم الجيش.. خلقوا عداء لم يكن هناك ما يبرره.. فلم يتردد الشباب فى رد الصاع صاعين.. والعداء كراهية.. وواجهت المظاهرات الغاضبة العسكريين برفض المحاكمات العسكرية.. وكشف عذرية البنات.. وسعوا جاهدين لتشويه سمعة الجيش.. وهو ما صب فى النهاية وبحسن نية فى صالح الإخوان الذين نافقوا فى ذلك الوقت العسكر إلى حد المهانة.. ولكن.. كان ذلك إلى حين.. فما أن دارت عجلة الانتخابات لصالحهم حتى كشف الإخوان عن وجه مختلف.. كشروا فيه عن أنيابهم للمشير ورجاله.. وهددوهم بصراع دموى فى الشوارع لو حدث ما لا يرضون عنه.

كانت شرعية صندوق الانتخاب هو ما يسعى إليه الإخوان.. لذلك فعلوا المستحيل للحصول على العدد الأكبر من الأصوات.. استغلوا حاجة السواد الأعظم من الفقراء.. البسطاء.. ليحصلوا على أصواتهم بكل الطرق المشروعة أو غير المشروعة.. وليس هناك ما يؤكد أنهم سينجحون فى توصيل من صوتوا لهم الجنة التى وعدوهم بها.. ولو كانوا قد أغروا الناس بمساعدات خيرية فإنهم برفع سقف التوقعات لن يحققوا لهم الكثير.. خاصة مع تدهور الاقتصاد وزيادة البطالة وخروج المليارات وجنون الأسعار.
خيرت الشاطر من التوكيلات التركية إلى الحكومة المصرية
وأغلب الظن أن الإخوان يتحمسون لاختيار خيرت الشاطر ليخرجهم من هذه الورطة.. وربما أقنعوه بأن يكون رئيس حكومتهم القادمة.

وخيرت الشاطر قيادة قوية فى الجماعة.. يؤمن البعض بأنه أقوى من المرشد العام نفسه.. يتولى تنمية استثماراتها فى مشروعات مختلفة.. منها مراكز اتصالات وتوكيلات لشركات أثاث وثياب تركية.. ويساعده فى ذلك حسن مالك الذى حاول تشكيل لجنة من رجال اعمال ينتمون للجماعة ومستقلين عنها لكنه لم ينجح.. رغم أن عددا من رجال الأعمال غير المنتمين للجماعة قد سعوا إليها بأنفسهم.. ربما وجدوا فيها بديلاً للحزب الوطنى الذى كانوا يتحمسون إليه ويمشون فى ركابه وينفذون سياساته.. فالبيزنس لا دين ولا وطن له خارج المكسب.

ولا يتحدث الإخوان طويلا ًفى الشريعة.. بمن فيهم خيرت الشاطر الذى نقل عن مقربين منه: «إن التكليف بتطبيق الشريعة لو تسبب فى خراب الأمة يجب تجاهله».. حسب سياسة عمر بن الخطاب فى عام الرمادة.. كما أنه يرى أن الإخوان وحدهم لن يستطيعوا بمفردهم علاج المشاكل التى أزمنت وأصبحت مستعصية.. وإن كانت الملفات الاقتصادية لها الأولوية بالقطع.. ولكن.. ليس من السهل على قوى وطنية أخرى أن تقبل بمساعدة الأغلبية الإخوانية اقتصادياً بما يجعلها مستمرة فى الحكم ودون أن تقتسم معها الغنيمة السياسية.. من الصعب أن يستولى الإخوان على المساحة العريضة من القرار السياسي، ويجدوا من يمد لهم يد المساعدة فى الدعم الاقتصادي.. هذه سذاجة من نوع مبتكر لم نسمع عنه من قبل.
الإخوان: ليست إسلامية إسلامية.. وإنما برلمانية برلمانية!
وسيقاتل الإخوان فى معركة الانتخابات البرلمانية الجارية حتى النفس الأخير كى يحظوا بحق اختيار أعضاء اللجنة التى ستضع الدستور.. حسب ما جاء فى الإعلان الدستوري.. وهم يصرون على ذلك ليس من أجل الشريعة.. وإنما من أجل أن يكون نظام الحكم القادم مناسباً لهم.. ومفصلاً على هواهم.. ومحققا لبقائهم.. لا يعنيهم كثيراً شعار.. إسلامية إسلامية.. وإنما يسعون إلى دولة.. برلمانية برلمانية.. أو فى أسوأ الأحوال يكون النظام مختلطاً.. حكومة تشكلها أغلبية البرلمان.. ورئيس محدود الصلاحيات.. يكتفى بالسياسة الخارجية.. وشئون الحرب.. والعلاقات الدولية.. وربما كان حماسهم لذلك مؤقتاً.. خلال الفترة الزمنية التى يتعلمون فيها ما ينقصهم.. ثم يغيرون النظام إلى برلمانى بالكامل.. حيث يكون الرئيس مجرد شخصية بروتوكولية لا تقدم ولا تؤخر.

ويمكن القول إنه تفكير صائب.. فالنظام البرلمانى الخالص يحتاج إلى شعب لا يعانى من ارتفاع نسبة الفقر (65 %) والأمية (45%) مثل الشعب المصري.. يمكن استغلال ظروفه المعيشية والاجتماعية الصعبة فى توجيهه نحو قوى بعينها.. كما حدث مع القوى الدينية نفسها فى الانتخابات التى نشهدها.

يضاف إلى ذلك أن الإخوان يتمنون عدم الصدام مع المؤسسة العسكرية ويسعون على الأقل لتأجيله إلى ما بعد نهاية الانتخابات.. حيث سيفاوضون العسكريين ومعهم شرعية الأغلبية بكل ما تمنحهم من جرأة وسيطرة وحصانة.

وليس هناك ما يمنع فى هذه الحالة أن يتركوا للمؤسسة العسكرية ما يحميها وما يحصنها وما يحافظ على ميزانيتها وأسرارها ومصالحها.. بما يوصف بالخروج الآمن.. والعودة المطمئنة للثكنات.. ولكن.. ذلك لوحدث فإنه سيكون إلى حين.. فيما بعده.. سيستخدمون أغلبيتهم فى البرلمان فى تقليم أظافر العسكريين.. وكسر أنيابهم.. وإخضاعهم لقواعد المراقبة والمحاسبة.. وساعتها لن ينفع الجنرالات القانون الذى أصدروه منذ شهور وحصنوا به أنفسهم بألا يحاسبوا إلا داخل هيئة القضاء العسكرى بعيداً عن النيابة العامة فى الجرائم التى ارتكبوها أثناء الخدمة وبسببها وبعد تركها.

وبين العسكريين من يقبل بهذه الصفقة ويعتبرها مرضية وعادلة.. لكنه.. لضعف خبرته السياسية ولعدم استيعابه دروس التاريخ لا ينتبه إلى أن الإخوان لا يحترمون العهود التى يقطعونها على أنفسهم.. وهم أسرع من ينقض اتفاقياته.. ويخرح على تحالفاته.. دون أن يهتز له رمش.. هذه طبيعته ولن يشتريها.. ومن ثم ما أن يسلم لهم العسكريون حتى يخرج لهم من البرلمان من يطالب بحسابهم وعقابهم واتهامهم بأنهم من رجال مبارك الذين لم يقترب منهم أحد.. سينسى الإخوان للعسكريين أنهم هم الذين أجهزوا على النظام السابق.. كما سبق أن نسوا شباب الثورة الذى مهد لهم الطريق إلى السلطة.. ولولاه لبقوا فى السجون والمعتقلات.. لولاه ما ركبهم الغرور الذى كان أهم أسباب سقوط نظام مبارك.

لقد غرر الإخوان بالعسكريين وورطوهم فى خريطة التحول للحكم المدنى التى انتهت لصالحهم.. لقد أكلوهم لحماً والقوا بهم عظماً.. لكن.. العسكريين على ما يبدو مستعدون أن يلدغوا من نفس الجحر أكثر من مرة.

وبحساب المجلس العسكرى فإن مصر ستستهلك الاحتياطى الاستراتيجى من العملات الصعبة خلال ثلاثة أشهر.. وما أن نصل إلى شهر مارس وهو الوقت الذى ستكون حكومة الأغلبية الإخوانية قد شكلت حتى تكون البلاد قد سقطت فى هاوية الإفلاس.. وليبتلع الإخوان كرة اللهب التى حرقت ثياب الجنرالات.. وأخذت الكثير من رصيد شعبيتهم لدى المصريين خاصة فى الأحداث الأخيرة.

ولكن الإخوان يعرفون جيداً أن المؤسسة العسكرية تدير استثمارات مدنية هائلة بمليارات الجنيهات.. فى المقاولات والصناعات والزراعة والطاقة بما لا يقل عن 15 % من حجم الاقتصاد المصرى عبر صناديق خاصة غير خاضعة للرقابة المالية.. لن يترك الإخوان هذه المؤسسة تنعم بها.. وحدها.. كما أن هذه المؤسسة بحكم انتمائها الوطنى - لن تقف متفرجة والشعب يعانى من أزمات وفى يدها التدخل العاجل لحلها.
غياب الثورة عن معادلة السلطة سيحيل البلاد إلى فوضى
وطوال شهور ما بعد الثورة ظل العسكريون يخشون القوى الدينية ويحسبون لها ألف حساب بسبب قدرتها على حشد أنصارها والنزول إلى الشارع.. يخافون ما يسمونه «القوى الحرجة».. قوى استخدام ميدان التحرير والميادين الأخرى بالطبع فى الضغط والتهديد.. وهو ما حول الثورة على يد هؤلاء إلى عورة.. وهو أيضا ما جعل الجنرالات يقيسون كل قوة بمدى قدرتها على الحشد واللم.. ووضع بذلك قاعدة خطرة فى العمل السياسي.. فمن ليس لديه القدرة على الحشد يمكن أن تكون له قدرات أسوأ فى الحرق والنهب والقتل.. وهنا ظهر البلطجية سماسرة الفوضى على سطح الحياة السياسية.. وكانت الخسائر النفسية والمادية أكبر.

إن هذه النظرية الخاطئة هى التى أخرجت شباب الثورة غير المنتمى لقوى بعينها من حسابات العسكريين ودفعتهم للانقلاب على الثورة التى سبق أن ساندوها.. فقد عادوا دون مبرر الثوار الشباب.. وكالوا لهم الاتهامات.. وحفروا أمامهم خنادق امتلأت بجثث ودماء الذين فضوا اعتصاماتهم بالقوة البدنية المفرطة.. بما ضاعف من الهوة بين الطرفين بما لا يمكن علاجه أو ترميمه.. وفى الوقت نفسه خسر العسكر بنفس خسارة الثوار.. وربما أكثر.

صحيح أن جماعات هائلة من الشعب لم تعد تتعاطف مع الثوار بسبب وقف الحال وغياب الأمن.. لكن.. صحيح أيضا أن مصر لن تهدأ.. ولن تستقر.. ولن تنعم بنتائج الانتخابات وجزء رئيسى من المعادلة السياسية يمثله ويعبر عنه الثوار غائب ومضروب ومكسور.. من يتخيل ذلك يتمتع بحسن النية سيكون طريقه إلى جهنم.

إن هناك جدولا زمنيا معلنا لانتقال السلطة بترتيب واضح تحسمه خارطة طريق متفق عليها.. لكن.. رغم ذلك يتساءل الجميع «هو احنا رايحين على فين».. أو «مصر إلى أين؟».. ما حاجتنا إلى هذا السؤال إذا كان الطريق واضحاً ومحدداً؟.. الإجابة: إن الشباب الذى سرقت منه ثورته التى دفع ثمنها من روحه وعرقه ودمه لن يقبل بخارطة طريق لم يساهم فى رسمها.. وليس له مكان فيها.. هذا عبث من النوع الثقيل.. وجهل بطبيعة الثورات.

إن شعور الثوار مهما كان تخيلنا لهم والتحولات التى مروا بها بأنهم الذين أسقطوا نظاماً ًديكتاتو ريا ًمثل نظام مبارك منحهم قوة نفسية هائلة جعلتهم لا يخشون سلطة عسكرية ولو كانت محصنة بالمدرعات.. ولا يهابون سلطة إخوانية ولو جاءت بشرعية صناديق الانتخابات.. ومن ثم فإن القوة التى خرجت من التحرير بكل التغييرات والانقلابات التى طرأت عليها لن تسكت.. ستواصل المقاومة على الطريقة الفلسطينية.. مرة بالحجارة.. ومرة بالمولوتوف.. ومائة مرة بالاعتصام.. وسيندس بينها بلطجية وأطفال شوارع ومدمنو مخدرات وأصحاب سوابق كى تظل الفوضى قائمة.. وربما ما نراه الآن بروفة محدودة عابرة لما هو قادم.. ما هو قادم حرائق لا تنطفئ.. وبحور من الدماء لا تجف.. واغتيالات تقوم بها ميليشيات خرجت من ميادين الثورة بلا حمص.. ولم تلعب الدور الذى تستحقه فى صياغة المستقبل.

لقد أخرج العسكريون الثوار من حسابهم.. وهو ما فعله الإخوان والسلفيون والوفديون واليساريون أيضا.. وسعى الجميع فى سباق الفوز بمقعد فى البرلمان أو مائة مقعد.. ونسوا أن الذين حرقوا المجمع العلمى يمكن أن يحرقوا مبنى مجلس الشعب.. ولو لم يقدروا فإنهم ربما قتلوا نوابه.. وأعيدوا قراءة تاريخ الثورات الفرنسية والروسية والأمريكية.

القوى الدينية هى المستفيدة من حرب العسكر على الثوار
وقد أخطأت الجماعات الثورية فى عدائها للمجلس العسكرى بنفس الخطأ الذى ارتكبه المجلس بعدائه لها.. فمهما كانت تجاوزات القوات المسلحة فإنها هى القوة الوطنية الوحيدة القادرة على حماية البلاد من الفوضي.. وهى قوة نحتاجها رغم فشلها فى الإدارة السياسية للبلاد.

يجب ترميم الجسور بين الثورة والمؤسسة العسكرية.. ويجب أن تكون المبادرة من المشير.. دون شعور بالتراجع.. أو إحساس بالضعف.. خصوصا أن مبادرة العداء بدأت من رجاله فى المجلس العسكري.. وتضاعفت بقسوة التعامل مع المعتصمين بما لم يحدث من قبل.

وفى نفس الوقت يجب أن يفهم الثوار أن استخدام براءتهم فى خراب البلاد أمر سهل الحدوث.. كى تصبح مصر صورة أخرى من الصومال.. ويجب أن يعترفوا بأنهم هم أيضا لم تكن خبرتهم السياسية كافية لفرز عدوهم من صديقهم.

لقد سهلوا بحربهم للمجلس الأعلى مهمة الإخوان الذين تفرغوا لترتيبات الانتخابات.. وسبق أن حارب الثوار معركة فلول الحزب الوطنى للإخوان.. فكان أن ذهبت أصوات أعضاء الحزب المنحل الذين يقتربون من الثلاثة ملايين إلى الإخوان والسلفيين.. وعندما ضغطوا لزيادة نسبة الانتخابات بالقائمة كانوا يخدمون الإخوان وحدهم.

لقد تفرغ الثوار والجيش لحرب أهلية دارت فى الشوارع بينما القوى الدينية تخطط وتدبر وتجهز للانقضاض على السلطة فى هدوء وبطريقة شرعية ولو صاحبها كثير من التضليل والتجاوزات.
دماء البشر التى تذهب هدرا أغلى عندى من قيمة الحجر
أعرف أن تاريخ مصر المحترق فى المجمع العلمى يستحق البكاء.. لكن.. الدموع الأكثر يجب أن تزرف على شباب فى عمر الورد قتل برصاصات مجهولة.. وتعجز سلطات الدولة عن التوصل للقاتل.. وهو ما يعنى أن دماء الضحايا فى عيوننا مياه.. وهى جريمة تهز الضمائر أكثر من احتراق مبنى أو كتاب مهما كانت قيمته.. البشر أغلى من الحجر.

وعندما ينتهك عرض سيدة محترمة على النحو الذى شاهده العالم فإنه يعد انتهاكا لعرض مصر كلها.. فالجيش الذى يهين المرأة على هذا النحو هو جيش فى حاجة إلى تربية رجاله.

وما لم نأخذ حقوق كل المهانين المتألمين فلا ثورة ستتوقف.. ولا برلمان سيجتمع.. ولا حكومة ستنقذ.. ولا جنرالات سيهنأون بما فيه.. ولا إخوان وسلفيون سيفرحون.. والأيام بيننا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.