- الشعب امتلك زمام حريته.. وعلى المثقفين أن يستمعوا لصوت الجماهير . - الثورة لم تنجب شعراءً مبدعين حتي الآن . - حكومة "شرف" بطيئة.. وهذا يخالف رغبة الثوار . الشاعر سيد حجاب، معروف عنه كتاباته العامية، حتي لقّب ب"سيد شعراء العامية في الوطن العربي".. يسبح دائمًا ضد التيار ويثور على الكلمات الهابطة، وعلى الجمل الركيكة.. حاول إصلاح أحواله لأنه عاصر جيل العمالقة وتتلمذ على يدهم ثم شق لنفسه طريقا خاصا بعيدا عن الآخرين. حجاب لم يبتعد عن السياسة؛ إذ التحق منذ شبابه بأشبال الدعاة مع الإخوان المسلمين، ثم انضم لحزب "مصر الفتاة" واصطدم بالعديد من التيارات الفكرية التي ساهمت في ثقل موهبته وأعطتها رونقا خاصا، وأعتقل خمسة أشهر في عهد جمال عبد الناصر كل هذا أثر على تجربته الشعرية.. وحول أوضاع الشارع الثقافي والسياسي المصري، كان لنا معه هذا الحوار. - سألته: ما تقييمك لما تم إنجازه خلال الشهور الخمسة الماضية منذ تنحي مبارك؟ فأجاب: ما حدث فى مصر شىء غير مسبوق، وفريد فى آلياته، وأهدافه.. الثورات مثلًا فى القرن الماضى كانت ثورات تحرر وطنى، كانت تطمح لبناء الدولة الحديثة على أساس من الديمقراطية.. أما الثورة التى انطلقت يوم 25 يناير فكانت فى البداية ثورة ثقافية حطمت مجموعة القيم والأخلاق التى كانت سائدة، قيم الاستهلاك والاستسلام باسم السلام والعبودية، وأسست لثقافة جديدة، هى ثقافة الحرية والمسئولية والوحدة الوطنية وروح الاستشهاد التى تفجرت فى الميدان وكنست بهذا كل منظومة القيم التى حاول النظام البائد إرسائها، وها نحن الان فى حاجة إلى استكمال الثورة الثقافية لتأسيس مجتمع تبنى ثقافته على أسس عقلية وعلمية من خلال سياسة ثقافية وتربوية وتعليمية وإعلامية جديدة. إلا أنني أعيب علي حكومة د. شرف التباطؤ فى محاكمة من أفسدوا الحياة السياسية ومن قتلوا الشهداء، هذه المحاكمة ضرورية وبسرعة حتى تهدأ النفوس قليلا، وندرك أننا سائرون فى طريق الثورة، وأنه لا تستر على مجرم من النظام القديم، وينبغى التعجيل أيضا بمحاكمة رأس النظام القديم الخائن العميل حسنى مبارك وأدوات سلطاته العادلى. إذ ليس معقولاً أن نحاسب حسنى مبارك على عدة مليارات سرقها هو وعصابته، وألا نحاسبه على إفساد الحياة السياسية، وخيانة النظام الديمقراطى وخيانة النظام الجمهورى، وخيانة العقيدة العسكرية المصرية التى كانت لا تزال ترى أن العدو الرئيسى هو إسرائيل، بالتحالف مع إسرائيل ضد الشعوب العربية.. فهذه جرائم أكبر بكثير وتفضى به إلى المشنقة.. خائنًا بتهمة الخيانة العظمى.. أما أن نكتفى بمحاكمته محاكمة بطيئة بدعوى أن هذا هو السبيل الوحيد لاستعادة الأموال المنهوبة فهذا تفريط فى حق الثورة وشهدائها وفى حق الشعب المصرى الذى خانه هذا العميل. - ثورة 19، وثورة 52 أفرزت جيلًا من الشعراء لا تزال أشعارهم عالقة فى وجدان الشعب المصري.. كيف ترى وتقيم شعر ثورة 25 يناير؟ أنا أري أن الاشعار المشاركة فى لحظات الثورة، وفى لحظات الفوران الشعبى هى أشعار بطبيعتها تحريضية ولا تنتمى إلى جوهر الشعر العميق.. فآداب وفنون الثورات فى حاجة إلى أن تختمر الثورة فى ضمير المبدعين قبل أن يبدعوا. - وكيف تقيم مشاركة المثقفين في الثورة؟ المبدعون الحقيقيون من أبناء هذه الأمة قد مهدوا لهذه الثورة عبر إبداعاتهم عبر عقدين أو ثلاثة، منذ صرخ أمل دنقل: "لا تصالح".. والشعراء الحقيقيون المرتبطون بنبض هذه الأمة يقاومون أنظمة الفساد والخيانة والعمالة التى تعاقبت على مصر.. فهذه الثورة ليس نبتاً شيطانياً. إنها تراكم نضالات المصريين وأحلامهم ربما منذ أيام رفاعة الطهطاوى حتى هذه الأيام. الطوفان جاي - وهل تعتبر "قبل الطوفان اللي جاي".. نبوءة بالثورة؟ "قبل الطوفان الجاى" صدر سنة 2009 أى قبل ثورة 25 يناير بعامين تقريباً، كنت أستشعر بقراءاتى المتعمقة لتاريخ العالم وللمرحلة الراهنة التى يعيشها الوجود الإنسانى أن البشرية على مشارف تغيير كبير حادث.. وكان هذا قبيل الثورة. وحين جاءت الثورة كنا كأنما - أنا والثوار - نقرأ فى كتاب واحد، كأنما كانا نحتضن كل أحلام شعراء هذه الأمة، وكل أحلام المستنيرين من هذه الأمة، حتي اكتشفنا الصيغة السحرية القادمة على جذب جماهير هذه الأمة إلى ميادين التحرير، صيغة التغيير: "الحرية.. العدالة الاجتماعية"، لقد فاجأ الشعب المصرى بمستنيريه وفاجأ المستنيرون العالم بكامله بالدعوة إلي هذه الثورة فى هذا الوقت، وفاجأ الشعب المصرى نفسه حين اكتشف أن بداخله هذه الطاقة الثورية وهذه الطاقة الإبداعية القادرة على التغيير. - جدلية العلاقة بين الشعر والسلطة، إشكالية أدبية تحتاج..؟ فقاطعني: ليس الشعراء فحسب، بل المثقفون بشكل عام؛ وموقفهم من الحياة الإنسانية؛ هم أولا: خارج دائرة الصراع الطبقى بشكل مباشر، لا هم يلجأون إلى قوة عمل يدوية ولا هم يملكون رأس مال أو أدوات إنتاج؛ وبالتالى فهم الأكثر تفرغاً للعمل الذهنى وبالتالى أسرع وصولا إلى الوعى الإنسانى والاجتماعى والاقتصادى ولأنهم ليسوا طرفاً فى الصراع بشكل مباشر فينتمى بعضهم إلي دوائر القرار وينتمى بعضهم إلي طبقات الشعب.. أما هؤلاء الذين يريطون مصائرهم ووعيهم بالطبقات الشعبية فهم دائماً ما يكونون إلى اليسار من المجتمع يقودونه فى اتجاه التقدم حتى لو لم يشاركوا فى السلطة. - وهل ترى أن السجن وسام على صدر المبدع.. ووصمة عار علي جبين النظم السياسية؟ من المؤكد السجن وسام على صدر كل مناضل ضد الظلم والفساد والاستبداد والاستعمار والخيانة والعمالة، ومن المؤكد أن كل الشرفاء الذين دخلوا السجن دفاعاً عن مبادئهم فى مواجهة هذه الأنظمة يستحقون وسام المحبة الشعبية ربما كان قبل أى وسام آخر، وفى الوقت ذاته حبس المفكرين والمناضلين والمثقفين الذين ينتمون إلى الطبقات الشعبية هو بقايا فكر فاشٍ ونازى وإرهابى معاد للإنسانية ومعاد للشعوب، وهو وصمة فى جبين كل من يمارسه وهو جريمة لا تسقط بالتقادم. مشاركة سياسية - وما تقييمك لمشاركة المثقفين في الحياة السياسية؟ وهل يجب على كل أديب أو مبدع أن ينضم لحزب سياسى يعبر من خلاله عن رأيه، أم الأفضل أن يكتفى بأن يضمن آراءه السياسية فى إبداعه؟ ليست هناك وصفة عمومية يمكن تسويقها، فكل مناضل وكل إنسان في الواقع المصرى عليه أن يحدد قدراته الحقيقية وقدرته على المشاركة في أى حزب أو فى أى منظمة من منظمات المجتمع المدنى كل ما عليه أن يقرر لنفسه ولا توجد وصفة سحرية تنطبق على الجميع.. فبعض الكتاب والفنانين يمكن أن يروا فى الحياة الحزبية قيدا على ابداعاتهم وأن إبداعاتهم تنتمى فى الأساس للأمة بكاملها لا لفصيل السياسى بعينه.. وبعضهم يرى أن حضوره فى الساحة السياسية يمكن أن يثرى إبداعه ويمكن أن يوسع من دائره المستقبلين للإبداع. وهذه مسألة أظنها فردية على كل إنسان فى الواقع المصرى وأن يحددها بنفسه؛ هل ينتمى لحزب أو نقابة أم لرابطة أم لأى من منظمات المجتمع المدنى، كل حسب طاقته وكل حسب رؤيته. - البعض يطالب بمحاكمة علنية لرموز الفساد.. فهل أنت مع أو ضد تلك المطالب؟ من المؤكد أن من حق هذا الشعب الذى ظلم طويلا والذى قهر طويلا أن يرى بعينيه - أو بأي وسيلة إعلامية - مجرى هذه المحاكمات لرموز الفساد والقهر والظلم والذل والعمالة والخيانة، ينبغى أن يشعر الشعب بعائد لهذه الثورة، عائد إعلامى واضح يكشف له ما يدور خلف الكواليس.. فهذا يقطع الطريق أمام أى مستبد قادم، أو أمام من يحلم بأن يقيم حكماً جديداً على الاستبداد. مستقبل مشوش - وكيف تري المستقبل السياسي والثقافى فى المرحلة المقبلة؟ أتصور أن هذه الثورة التي انطلقت لن يوقفها أحد، ولن يرضى الشعب مطلقاً، لما كان فيه من ظلم وفساد. لقد امتلك الشعب حريته وهو الآن قادر على تقرير مصيره بنفسه وعلى المثقفين المستنيرين أن يستمعوا لصوت هذه الجماهير الشعبية، وأن يتواصلوا معها وأن يتمسكوا بالتعبير عنها لا أن يتفرقوا بين اتجاهات مختلفة كل منها يسعي إلى نصيبه من التورته، فعلي مثقفينا أن يقلبوا بصوت الشعب، والذي يمكن بلورته فى هذا الشعار لتأسيس الوطن القادم، وأظن أن رؤى الشعب يمكن بلورتها فى هذا الشعار الشديد الوضوح الذى أعلنه في ميدان التحرير "التغيير.. الحرية.. العدالة الاجتماعية" بمعنى تغيير هذا النظام.. أي كنس هذا النظام وكل فلوله، والسعى فى اتجاه تأسيس الدولة المدنية، وعلى الدولة المدنية أن تسعى فى تغيير بنية الاقتصاد المصرى الذى هو اقتصاد ربحي يعتمد على دخل قناة السويس وبيع الغاز والسياحة. - كيف يمكن نشر الوعى الثقافى لدى المواطن المصرى؟ علينا أن نؤسس لدولة مدنية وأن نؤسس بالموازاة معها ثقافة عامة علمية عقلية رشيدة تستبعد الخرافة والجهل والتعصب من قاموس ثقافتنا.. وهذا لن يتم إلا بعمل مجتمعى جاد وطويل ومثابرة.. عمل يبدأ ربما بالمدرسة ربما فى البيت وفى المدرسة ومن خلال السياسة التعلمية والتربوية والثقافية والإعلامية الرشيدة التى ينبغى أن تملأ جنبات هذا المجتمع الثقافية والإعلامية والتربوية.