وكيل تعليم الوادي يستأنف جولاته لمتابعة جاهزية المدارس للعام الدراسي الجديد    وزير قطاع الأعمال ومحافظ الإسكندرية يجريان جولة بالمعمورة ويبحثان تحويلها لوجهة استثمارية مستدامة    بالصور.. طفله تحتفل بعيد ميلادها داخل مستشفى أورام الأقصر    وزير الخارجية والهجرة يشارك في جلسة حوارية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن    حركة فتح: الحملات ضد مصر تقودها أصوات مارقة تنسجم مع مشروع الاحتلال المجرم    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    وزير خارجية ألمانيا: إسرائيل تواجه خطر العزلة    مقتل شخص وإصابة 11 آخرين في هجوم روسي على مدينة كراماتورسك الأوكرانية    منتخب الشباب يواجه الأهلي وديا استعدادا لكأس العالم في تشيلي    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    مانشستر سيتي يعلن الاستغناء عن مديره الرياضي بعد 13 عاما    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    محافظ البحيرة تفاجئ الأسواق بدمنهور.. ضبط مخالفات وغلق محل لحوم فاسدة    محافظ القاهرة يقود حملة مفاجئة لرفع الإشغالات وغلق المقاهى المخالفة بمصر الجديدة    ماذا قالت دنيا سمير غانم عن مشاركة ابنتها كايلا بفيلم "روكي الغلابة"؟    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    فيديو.. أحمد كريمة: قائمة المنقولات ليست حراما.. والخطأ في تحويلها إلى سجن للزوج    حكم شهادة مربي الحمام ؟.. محمد علي يوضح    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    الجامعة البريطانية في مصر تسلم منحا دراسية ل15 من أوائل الثانوية العامة    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    دخلا العناية المركزة معًا.. زوج بالبحيرة يلحق بزوجته بعد 3 أيام من وفاتها    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    مصر توقع اتفاقية جديدة لتعزيز أنشطة استكشاف الغاز في البحر المتوسط    قرارات تكليف لقيادات جديدة بكليات جامعة بنها    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    تشغيل مجمعات حكومية بقرى المنيا لصرف المعاشات السبت    نيكولاس جاكسون يدخل دائرة اهتمامات برشلونة    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    «انصحوهم بالحسنى».. أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقيموا الصلاة (فيديو)    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    «صحة شمال سيناء»: زيارات مفاجئة للمستشفيات للارتقاء بصحة المواطنين    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    وزارة الداخلية تضبط طفلا يقود سيارة ميكروباص فى الشرقية    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    تعرف على كليات جامعة المنيا الأهلية ومصروفاتها في العام الدراسي الجديد    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    بالأسماء إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بصحراوى المنيا    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    الرئيس اللبناني في عيد الجيش: آلاف الانتهاكات الإسرائيلية ومئات الشهداء بعد وقف إطلاق النار    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    حنان مطاوع تودع لطفي لبيب: مع السلامة يا ألطف خلق الله    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كمال نشأت: الشعر فن جماهيري لا يكتب للنخبة فقط
نشر في القاهرة يوم 02 - 11 - 2010

خضع الشعر العربي في غضون الحرب العالمية الثانية وبعدها لمجموعة من المؤثرات التاريخية والفنية أدت إلي ثورته علي عمود الشعر الذي سار علي دربه هذا الفن منذ العصر الجاهلي في هذا التاريخ من أربعينات القرن الماضي خرج عدد من شباب الشعراء في أكثر من قطر عربي، في آن واحد، علي التقاليد المتوارثة في العروض، أو في العروض واللغة والمعاني.
عرف هذا الخروج في الدراسات والدوريات الصحفية باسم الشعر الجديد، أو الشعر الحر، أو شعر التفعيلة، لاعتماده علي التفعيلة الواحدة لا البحر الكامل، ولتحرره من القافية المرتبطة بنوع من البلاغة الخطابية أراد هذا الشعر أن يسقطه، ويطرح بدلا منه بلاغة مختلفة، يقترب فيها التعبير من اللغة الشعبية المألوفة، أو من الكلام العادي.
ولا شك أنه لولا اطلاع الشعراء علي الشعر الأوروبي لما كانت هذه الثورة في اللغة والوزن التي هوجمت بشدة لأنها لم تتبع ما استقر في الذائقة الشعرية.
بين هؤلاء الشعراء الذين جمعوا في البداية بين الشكل التقليدي القديم والشكل الجديد، قبل أن يتجه بكل ثقله إلي الشكل الجديد، الشاعر كمال نشأت الذي رحل في صمت دون أن تفرد له في وداعه الصفحات والملفات والأعداد التي يستحقها رائد مثله، صاحب رؤية جمالية نطالعها بكل عمقها ورهافتها في انتاجه الشعري، كما نطالعها علي المستوي النظري في كتبه ومقالاته التي اهتم فيها بالنثر العربي اهتمامه بالشعر.
وشعر كمال نشأت شعر بالغ الكثافة والتركيز، شديد الارتباط بالطبيعة في كل فصولها، يتحرك في مجال الأسرة والمجتمع والعالم، ولا ينفصل فيه ماهو وطني وذاتي عما هو عام وإنساني، لأن خلاص الفرد مرتبط في نظره بخلاص المجتمع، وخلاص المجتمع جزء من خلاص الإنسانية ذلك أن الشاعر الذي يجيد التعبير عن ذاته لا تستغني عنه الإنسانية.
وفي غمار شعور هذا الشاعر بالغربة والحيرة والقلق، الذي تفيض به تجربته الشعرية، تتناثر صوره ولمحاته وأفكاره النابعة من الحياة الواقعية المختلطة المليئة بالمفارقات والمتناقضات التي يمتزج فيها الوهم بالحقيقة، والخيبة بالتطلع، ويتبدل فيها كل شيء، أو لا يبقي علي حاله: «الجماد والأيام والإنسان» وبداخل كل البدايات تنشأ وتنمو النهايات.
وكمال نشأت ككل المبدعين من أصحاب النفوس السامقة، يرثي لضعف الإنسان ولآلامه وانكساره وجراحه، ويرثي لآماله المحبطة التي لا تجد من يعزيه في افتقاد فرحة الحياة.
والأسطر التالية بقلم كمال نشأت، يعرض فيها بخط يده جوانب من حياته الشعرية، كتبها قبل سنوات من رحيله في الثاني من أكتوبر الماضي.
وهذا نصها:
«تتمايز آداب الأمم ولا تلتقي إلا في العناصر الإنسانية العامة، وكلما تحققت أصالة الأديب أو الشاعر القومية وعاش حياة أمته تراثا ومعاصرة كان الأقرب إلي نفوس معاصريه ذلك انه يعيش معهم نفس مشاكلهم واهتماماتهم العامة فضلاً عن المشاركة في التراث الحي الممتد من الماضي والصاعد أبداً إلي المستقبل وهو الذي يشكل حياة هذا المجتمع تشكيلاً خاصا خلال عادات وتقاليد وأنماط تفكير وفلسفة حياة «حياة» خاصة بهذا المجتمع، والأديب أو الشاعر الذي يتنكر لخصوصية كونه فرداً في مجتمع معين ويروح يهوّم ويعيش أزمته الخاصة منقطع الصلة بجذوره فاقداً لهويته «تكون» الهوة بينه وبين معاصريه كبيرة، وقد يكون السبب عدم الأصالة أو محاولة الإغراب والخروج علي الناس بجديد أي جديد وقد يكون تكلفه نوعاً من التقليد لنوعية خاصة من التيارات الأدبية الأجنبية أساء فهمها أو لم يهضمها تماما».
تأثر الفكر والأدب العربيين في العصر العباسي معروف وكذلك الحال في نهضتنا الحديثة ابتداء من خليل مطران ومدرسة الديوان وجماعة أبوللو حتي شعر اليوم فلا أحد يستطيع أن يمنع قانون التأثر والتأثير بين آداب الأمم ولكن ما ندعو إليه هو المحافظة علي روح الأدب القومي وروح الأمة في التعامل مع الحياة وهذا ما يدركه الأدباء والشعراء الأصلاء وما حدث في السنين الأخيرة دليل علي ذلك، فقد بهر جيل من الشعراء بقصيدة «القناع» وفتنوا بالمعادل الموضوعي الإليوتي الذي يستمد رموزه من الأساطير اليونانية غالباً فكثرت في شعرهم أسماء أبطال هذه الأساطير، والرجوع إلي التراث الإغريقي عند شعراء الغرب، أمر طبيعي إذ إن الثقافة اليونانية وتراثها الأسطوري أساس الثقافة الأوروبية ورموز هذه الأساطير اليونانية معروفة للمثقف الأوروبي وقد أصبحت جزءا من تكوينه الثقافي فإذا قال الشاعر الفرنسي أو الإنجليزي جملة شعرية فيها اسم «سيزيف» تلقف المتلقي الأوروبي اسم هذا البطل الاسطوري بوجدان متفتح وفهم عقلي ونفسي متعاطف ولكن الشاعر العربي المقلد الذي استخدم اسم «سيزيف» أو «بنيلوب» أو «تموز».. الخ، لم يجد مثل هذا التعاطف الوجداني حتي لدي النخبة من المثقفين المحدودة العدد «ولا أقول جمهور الشعر العريض» فتعاطفهم- إن كان- تعاطف عقلي بارد لأنهم قرأوا أن سيزيف هو الذي حكمت عليه الآلهة.. إلخ.
ولكن حين انتهت موجة الانبهار المقلدة أحس الأصلاء من الشعراء غرابة الأسطورة أو رمزها وبعدها عن الوجدان العربي فراحوا يختارون رموزهم وأقنعتهم من أساطير أمتهم ورموزها.. هنا تغير الحال وأصبحت تري «السندباد» مثلاً بدلاً من المسكين «سيزيف» ونجح رمز السندباد لأنه رمز حي انداح أثره في نفوس قراء الشعر العرب لأنه رمز أسطوري عايشوا قصته وهم أطفال صغار فامتزجت أسطورته بوجدانهم وعاشت بخيالهم وشكلت تصوراً وجدانيا خاصاً بالسندباد ولكن ذلك لم يتم إلا بعد زمن حين أصبح اسم «سيزيف» لشيوعه وابتذاله يثير الغثيان».
«أنا لا أعترض علي أية مدرسة شعرية أو أي لون من الشعر مادام وراء القصيدة شاعر صادق والمرفوض هو تعمد الاغراب الذي يجر إلي الافتعال وعدم الصدق وفي الساحة الشعرية الآن جيل من شعراء الشباب الممتازين جدير بكل احترام وتقدير وأنا أتابعهم بسرور بالغ وإن كنت أري بعضهم - وهم قليلون- قد قطعوا صلتهم بجمهور الشعر العريض والشعر أصلاً لا يكتب للنخبة فهو فن جماهيري في المقام الأول.. ويكفينا دليلاً علي ذلك ما شهدناه من إقبال خرافي علي الأمسية الشعرية التي خصصت لنزار قباني في معرض الكتاب منذ سنوات طويلة فهي بشهادة المنصفين حدث لم يتكرر في حياتنا الأدبية، لقد كانت «مظاهرة» حضرها عدد مذهل من الناس أدباء وشعراء رجال ونساء تجشموا الحضور إلي «مدينة نصر» الضاحية البعيدة.. امتلأت بهم القاعة والشرفات العليا وفاضت جموعهم حتي مداخل القاعة والشارع الذي تطل عليه القاعة مما دل علي انه «استفتاء» عام تم بدون قصد برهن علي رغبات الناس وما يريده الناس من الشعر علي الرغم من اختلاف بعض الشعراء والنقاد في الحكم علي نزار وعلي الرغم مما قيل من أن أثر «الأغنية» وراء هذا النجاح فالذين حضروا الأمسية- وأغلبهم من الشباب- لم يحضروا إلا لسماع شعر خالص بعيد عن التلحين والغناء!»
الشاعر الناجح هو الذي يكتب شعره لا حسب «المودة» الشعرية السائدة ولكن حسب فطرته وتكوينه النفسي اللذين يعرف من خلالهما بالتجريب انه يستريح إلي هذا اللون أو ذاك من أساليب التعبير المخلتفة، فالشاعرية الحقة تختار أسلوب تعبيرها الذي يظهر امكانياتها فالشاعر الغنائي بفطرته لا يمكن أن يكون شاعرا رمزياً ولو حاول كتابة الشعر الرمزي لفشل والعكس صحيح ولكن المصيبة أن بعضهم يرون شاعراً جهيراً مثل إليوت يكتب بمعادله الموضوعي فإذا بجيل كامل من الشعراء يتابعه دون أن يقف واحد منهم ليسأل نفسه بموضوعية ودون خداع للنفس: هل يتفق هذا الأسلوب التعبيري وطبعي الشعري؟
أما الذاتية فهي صميم الشعر و«المعادل الموضوعي» الخارج عن الذات ذاتي رغم أنف إليوت فاختياره من قبل الشاعر من ركام الثقافات العالمية موقف ذاتي وكذلك الشعر المسرحي الذي يوصف بالموضوعية لأن الشاعر يتحدث فيه عن آخرين لا عن نفسه، ذاتي هو الآخر لأن الشاعر يقوم بعملية «إسقاط» لا يحس بها وإذا به يخلع من ذاته علي شخوص مسرحه دون أن يدري والشعر السريالي الذي يبدو أنه أبعد أنواع الشعر عن الذاتية شعر ذاتي هو الآخر لأن الكتابة الآلية التي تحدث عنها منظر السريالية «اندريه بريتون» تعتمد علي اللاشعور الجمعي واللاشعور الفردي وهذا اللاشعور الفردي خزانة التجارب الشخصية الذاتية للإنسان.
الذاتية إذن هي أساس كل عمل فني وفقدانها يجعل العمل الأدبي عملاً لقيطا لا خصائص له، والأدباء والشعراء لا يمتازون إلا بما تحقق في أعمالهم من صفاتهم الذاتية التي تفرق بينهم وإلا أصبح الأدب نسخا واحدة متكررة متشابهة مثل قوله «السلام عليكم» التي يقولها كل الناس ولا تمتاز بخصوصية ترجع إلي قائلها، إن التعبير عن أية تجربة ما هو إلا تعبير ذاتي.. هو ترجمة عن موقف يستوي في ذلك التعاطف مع الطبيعة أو تجربة حب أو أي موقف نقدي للحياة، والشاعر يقف في صف كل ماهو وضيء وشريف وهو متطلع إلي مجتمع تسوده المحبة والمساواة والحرية».
لا شك أن جيلنا في مصر مع رصفائنا في الأقطار العربية الشقيقة كان لنا جميعاً فضل تمهيد الطريق لموجة الشعراء التي تلتنا.
أما وجودنا في لجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة فيرجع ذلك إلي أن يوسف السباعي سمع من أدباء وشعراء كثيرين كان منهم عبدالرحمن الشرقاوي أن القصيدة الجديدة قد أثبتت وجودها وأن كثيراً من محبي الشعر يتعاطفون معها وأنه يجب أن تمثل في لجنة الشعر ووقع الاختيار علي أنا وفوزي العنتيل ثم صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي بعد ذلك وجلسنا جميعاً إلي جوا كبار الشعراء العموديين أمثال أباظة ومحمود غنيم وعبدالرحمن صدقي وصالح جودت وأحمد رامي وغيرهم.
لقد بدأ الشعر الحر ممثلاً في اتجاه واقعي رومانسي هو ترجمة عن مجتمع متيقذ يريد الانطلاق وينوء بأحزان واحباط أجيال عديدة وكانت الروح الشعبية العامة واهتماماتها هي النبع الذي اغترفنا منه فكان الحديث عن الريف والفلاح، والتطلع إلي مستقبل سعيد في ظل الاستقلال السياسي والكرامة القومية فضلاً عن الاهتمام بالعروبة ووحدتها مما شكل مواقف وطنية وقومية.
لو كان الشكل هو الفاعل الأول في تكوين القصيدة لأسقطنا التراث الشعري كله ولفقدنا روائعه الخالدة، أما الشعر الفاتر الكاذب.. وشعر الألعاب اللفظية.. وشعر الإغراب فكله بعيد عن نفسك وعن التأثير فيك لأن أصحابه كاذبون أو صغيرو المواهب.. ان قصيدة «بريخت» المعروفة والتي يقول في بعض أبياتها:
«انتم يا من ستظهرون بعد الطوفان الذي غرقنا فيه فكروا.. عندما تتحدثون عن ضعفنا في الزمن الأسود الذي نجوتم منه كنا نخوض حرب الطبقات ونهيم بين البلاد.. نغير بلد ببلد أكثر مما نغير حذاء بحذاء يكاد اليأس يقتلنا.. حين نري الظلم أمامنا ولا نري أحداً يثور عليه..»
هذه القصيدة المترجمة التي فقدت إيقاعها الشعري الذي كان لها في لغتها الأصلية لم تصغ في شكل عمودي أو شكل حر، وترجمة الشعر - كما هو معروف- تفقد أقوي القصائد أهم ميزاتها ومع كل ذلك تهزك هذه القصيدة من الأعماق وذلك لأنها حملت جوهر الشعر المتوهج».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.