لا يمكن أن تكون محاربة الفساد نتيجتها حرمان المرضي الفقراء من العلاج، وهذه بدهية. وهل يتمتع المرضي الفقراء بعلاج حقيقي؟ هذا سؤال يحمل وجهة نظر. بمقاييس من؟ هذا سؤال آخر يهدف إلي تحديد المسألة. والإجابة هي: بمقاييسي.. ومقاييسك يا من تملك ثمن هذه الجريدة، أو تقرأها علي الموقع.. لا. لكن بمقاييس المرضي المعدمين ومقاييس المسئولين عن العلاج في مصر.. نعم. كيف؟ لو أصبت- أنا- بفشل كلوي واحتجت إلي غسيل كلي 3 مرات أسبوعياً، لن أعتبر أنني أتلقي علاجاً حقيقياً. لو أصابني فيروس «سي» بعد شهر من الغسيل. ثم أصابتني أنيميا حادة بعد 6 أشهر ثم أصُبت بهشاشة عظام والتهاب رئوي بعد سنة. سأعتبر أنني أتلقي عقاباً وليس علاجاً، لكن مريض الفشل الكلوي الفقير منتهي أمله أن يظل محتفظاً بمكانه.. وموعده علي ماكينة الغسيل القديمة بكل فيروساتها وأعطالها لأنه لو حرم من هذه النعمة سيموت.. ببساطة سيموت.. والحياة بفيروس «سي» والأنيميا أجمل في وجهة نظره من الموت. قال لي د. محمد حسن خليل- منسق حركة «الحق في العلاج» وطبيب القلب- الذي أعطي عمره لمرضي التأمين الصحي الفقراء: الدور اللي بيعمله العلاج علي نفقة الدولة هو الدور الذي كان يجب أن يقوم به العلاج المجاني. فمثلاً مرضي الفشل الكلوي منهم 9 آلاف يغسلون في التأمين في حين أن 27 ألف مريض بالفشل الكلوي يغسلون «قومسيون» الواحد منهم يحصل علي قرار علاج ب 17 ألف جنيه قيمة 150 جلسة في السنة. لو اتلغي- يقول د. محمد حسن- يموتوا. نفس الحكاية- يكمل د. محمد حسن- مريض القلب الذي يحتاج جراحة قلب مفتوح أو قسطرة لو لم يحصل علي قرار العلاج علي نفقة الدولة سيموت. معهد القلب مثلاًِ بيعمل 10 آلاف قسطرة 94% منها علي حساب التأمين أو القومسيون. في الأيام الماضية.. بدأت المستشفيات ترفض التوقيع علي تقرير يثبت احتياج المريض لعمل قسطرة أو جراحة موجه إلي المجالس الطبية المتخصصة لاستخراج قرار العلاج.. مديرو المستشفيات يقولون إن الوزارة أصدرت أوامر بعدم التوقيع وختم هذه التقارير. لا أحد يعرف إذا كان هذا القرار شفوياً أو مكتوباً. لكن المرضي يعرفون أن حياتهم مهددة. هؤلاء المرضي أنفسهم كانوا بعد الحصول علي القرارات ينتظرون قائمة انتظار حتي يحصلوا علي موعد. قائمة الانتظار من وجهة نظرهم أفضل كثيراً من الرفض النهائي. قائمة الانتظار معناها أمل في الشفاء، أما الرفض النهائي فمعناه انتظار الموت. ألا يمكن محاربة الفساد بطريقة أخري غير طريقة قتل المرضي الفقراء؟! ألا يمكن تنفيذ خطة التمهيد لقانون التأمينات الجديد دون منع قرارات العلاج علي نفقة الدولة أو تقليلها؟!