فيلمان عربيان يُدينَان الإرهاب المسلَّح باسم الإسلام.. والمغربى يحصل على أصدق وأطول لحظات التصفيق بالمهرجان منذ بدايته. ما زلنا بحاجة إلى رؤية أكثر طزاجة وعمقا وموضوعية لا تبيع نفس البضاعة كل عام فى المهرجانات العالمية. داخل قسم «نظرة ما» كان الموعد مع الفيلم المغربى «خيول الله» للمخرج نبيل عيوش بمجرد انتهاء العرض ضجت القاعة بالتصفيق.
الفيلم يدين الإرهاب المسلح الذى يرتدى زى الإسلام ويعيد إلينا أسلوب «غسيل الأدمغة» الذى تنتهجه الجماعات المتطرفة حيث يصبح أسامة بن لادن وأفكاره هو النموذج ونرى الإسلام مرادفا ومعبرا عن الإرهاب المسلح.
تلك هى العين الأجنبية التى ترى حال الإسلام فى العالم العربى، وأتصور أيضا أنها تريح المتفرج الغربى الذى يبدو وكأنه مهيأ لكى يتعامل بتلك النمطية مع الشخصيات العربية، حيث بات العديد من الأفلام وكأنها تُقدم ما يمكن اعتباره ستريو تايب أو «كليشيه» عن الإسلام.
تبدأ أحداث فيلم «خيول الله» فى مطلع التسعينيات والأطفال يلعبون فى الساحة، ونصل إلى رحيل الملك الحسن الثانى عام 99، بينما الجريمة التى رصدها نبيل عيوش وهى موثقة فى كتاب «نجوم سيدى مؤمن» حدثت عام 2003 فى كازابلانكا، عندما فجّر عدد من الشباب أنفسهم فى ملهى ليقتلوا كل من فى الملهى بدعوى الدفاع عن الإسلام.
مثل هذه الأفلام وغيرها تعيد إلى الأذهان فيلمًا بديعا قدمه المخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد قبل نحو عشر سنوات بعنوان «الجنة الآن» عن أسلوب غسيل المخ الذى تنتهجه الجماعات المتطرفة وقدم المخرج طقوس الاستعداد للتفجير، وكيف أنه فى اللحظات الأخيرة هناك من يتراجع عن التنفيذ وشجب المخرج فكرة اغتيال المدنيين.. كان فيلما محدد الهدف، وهو يتناول تلك القضية وحصل الفيلم على جائزة «الكرة الذهبية» وكان واحدا من خمسة أفلام رُشِّحت لجائزة الأوسكار فى ذلك العام.
فى الفيلم المغربى «خيول الله» يتابع المخرج نبيل عيوش شغفه بالتعامل مع الأطفال الذين يقفون أمام الكاميرا لأول مرة مثلما قدمهم فى واحد من أفضل أفلامه «على زاوا» فهو يستطيع أن يقتنص منهم أكثر اللحظات طبيعية ونرى العائلات المغربية الفقيرة التى تتحايل لكى تواجه الحياة وتعيش أيضا فى ظل مفهوم خاطئ يسيطر عليها عن طبيعة الدين، وكيف أن الاستشهاد هو الهدف وأن على المسلمين أن يعلنوا الحرب على العالم لإنقاذ الإسلام، لأنهم يعشقون رائحة الجنة، بينما الآخرون لا يعرفون سوى ملذات الدنيا. الإرهاب الذى تجسده مثل هذه الأفلام أراه فى جانب كبير منه يرسخ الفكرة الخاطئة التى يعتقدها الغرب عن طبيعة الدين الإسلامى الذى مع الأسف أسهم العديد من الفضائيات العربية بكثرة تقديمها لمَشاهِد الذبح التى يمارسها الإسلاميون على تأكيد تلك الصورة.
قبل أن أشاهد فيلم نبيل عيوش بساعات قليلة كان موعدنا مع الفيلم الجزائرى «التائب» أخرجه مرزاق علواش المشارك فى تظاهرة «أسبوعى المخرجين» وهو أيضا يتناول الإرهابيين فى الجزائر وكيف أن العفو الذى أصدره الرئيس الجزائرى بوتفليقة طالبا منهم العودة إلى بيوتهم لم يحقق الهدف وهو إيقاف الإرهاب فلا يزال الجبل محملا بهم وبطل الفيلم الذى عاد لم يتوقف عن ممارسة الإرهاب.
يتتبع علواش حكاية الشاب الذى من المفروض أنه تائب، ونكتشف أنه لا يزال يتواصل مع قياداته كما أن الناس لم تنس أبدا الجرائم التى ارتكبها هؤلاء فى حق المدنيين وحصدوا أرواح الأبرياء، ولم يبق لهم سوى البحث عن قبور مَن قتلوهم من أحبائهم.
شخصية الإرهابى المسلم تشغل بالتأكيد الثقافة الغربية وتحتل مساحة كبيرة داخل المهرجانات، وهناك بالتأكيد ارتياح غربى لهذه الصورة النمطية، ولكن يظل أننا ننتظر أيضا نوعيات أخرى تتغلغل أكثر وتحلل بعمق تلك الشخصيات التى لا نستطيع أن ننكر وجودها، ولكن حضورها السينمائى بات يميل لكى يصبح خيالا على الشاشة ينتقل من عمل فنى إلى آخر.
الناس تنتظر أن تشاهد ما تعرفه أو ما تسمع عنه وتخشاه، ربما هذا يفسر لك: لماذا صفقوا فى الصالة بكل تلك الحميمية لفيلم «خيول الله» وهى أصدق لحظات تصفيق، بل وأطولها أيضا فى المهرجان على الأقل حتى كتابة هذه السطور.
ويبقى أن هناك من المؤكد شيئا أبعد لم تلامسه هذه الأفلام.. علواش من الجزائر ولكنه يقيم فى فرنسا، وعيوش من المغرب لكنه أيضا يعيش فى فرنسا هى فى النهاية عيون غربية، حتى لو حملت فى دمائها جينات عربية.. الإرهاب المسلح باسم الدين بالطبع لم يختف فى العالم العربى، ولكننا بحاجة إلى رؤية أكثر طزاجة وعمقا وموضوعية لا تبيع نفس البضاعة كل عام فى المهرجانات العالمية!