يجرح الموقف الوطنى أن يختلط بالموقف السياسى.. الوطن مطلق فى مشاعره، بينما السياسة نسبية فى وسائلها. قبل نحو شهرين كان انطلاق واحد من التجمعات التى كانت نتاج ثورة يناير وهى جبهة الدفاع عن حرية الإبداع. جاء تشكيل الجبهة كرد فعل مباشر لحالة من الخوف انتابت الوسط الفنى والثقافى بعد سيطرة الإسلاميين على مقاعد الأغلبية فى مجلسى الشعب والشورى، مع انتشار تصريحات هنا وهناك تُنذر بمستقبل ضبابى ينتظر الإبداع فى مصر.. كانت زاوية الرؤية وقتها تنحاز فقط إلى الدفاع عن الحرية.
وأعلنت الجبهة عن وجودها الشرعى فى نقابة الصحفيين التى لا يمكن لأحد أن يغفل دورها فى الذود عن الحرية طوال السنوات الأخيرة وسلم النقابة شاهد إثبات على الكثير من تلك المواقف الشريفة.. الهدف الوحيد الذى من أجله أنشئت الجبهة هو الحرية التى لا تختار طريقا سياسيا محددا للتعبير، ولكنها تفتح مظلتها للجميع ومن كل الاتجاهات، وهكذا جاءت كلمات القَسم الذى ألقاه «محمود يس» فى نقابة الصحفيين وردده وراءه كل المجتمعين.
كان للجبهة أكثر من موقف عملى فى الدفاع عن الحرية.. مثلا دعمت عادل إمام من باب دفاعها أساسا عن الحرية، ولم يكن يعنيها من قريب أو بعيد مواقف عادل إمام الداعمة لمبارك والمبشرة بالتوريث قبل الثورة.. الهدف الأسمى هو الحرية وليس عادل إمام.. أيضا تتابعت مواقف الجبهة لملاحقة كل من يعتدى على حرية التعبير مثل تلك التى تعرض لها المخرجان أحمد عبد الله وكاملة أبو ذكرى.. إلا أن ما سوف يأتى ذكره بعد ذلك أحالها من جبهة للدفاع عن الحرية إلى مجرد برنامج توك شو فضائى، وذلك فى ظل إصرار عدد من أعضاء الجبهة على أن تدخل طرفا فى معركة اختيار رئيس مصر القادم.
أنا مثلا أضم صوتى إلى البيان الذى طرحته الجبهة، مؤكدة أنها تعتبر أن كلا من عمرو موسى وأحمد شفيق من الفلول ولا يجوز لمصر القادمة بعد الثورة أن تمنح صوتها لأى منهما، نعم هما من الفلول وتقدُّم كل منهما لانتخابات الرئاسة يحمل فى عمقه تطاولا على الثورة، ولكن فى نفس الوقت أرى أن الجبهة لا ينبغى أن تتحول إلى حزب سياسى يعلن تأييده لمرشح ما ويطالب الأعضاء فى نفس الوقت بالالتزام بهذا الاختيار.. دور الجبهة هو أن تظل بمنأى عن اللعبة السياسية حتى لا تتفتت قراراتها ما بين مؤيد لرئيس ورافض لرئيس، وبالتالى سوف ينشق عن الصف.
الجبهة كما هو معلن بعد استبعاد موسى وشفيق حائرة بين حمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح، مثلا خالد يوسف ومحمد العدل يؤيدان حمدين، ولكن ماذا لو أن هناك أعضاء آخرين لديهم قناعات مغايرة ولديهم أسبابهم للحماس إلى مرشح آخر؟ لماذا تتفتت إرادة الجبهة فى لعبة السياسة؟ دور الجبهة القادم أراه أخطر، ومن صالحها أن لا تتورط فى مثل هذه الخلافات المجانية، وهى تفاضل بين مرشح وآخر ثم إنه ما المقصود من تلك اللقاءات التى من المنتظر إقامتها تحت إشراف الجبهة للمفاضلة بين المرشحين؟ أن يعلن مثلا كل مرشح أنه سيمنح الحرية للفنانين ولن يسمح للرقابة بالتدخل. سوف يعلنها أغلبهم بمن فيهم الفلول، فلا يعتقد أحد أن شفيق أو موسى لو وجدا فى هذا الاجتماع، فليس إلا أن يزايد كل منهما على الحرية المطلقة للإبداع من أجل الحصول على أصوات الفنانين، وذلك لما يمثله الفنان باعتباره قائد رأى يستطيع أن يضيف إلى كل منهما أصواتا أخرى من معجبيه.
لا أدرى من الذى حرك المؤشر بعيدا عن القضية المصيرية التى تتبناها الجبهة؟ وكيف يوافق الأعضاء المؤسسون على أن يوجهوا إليها تلك الطعنة القاتلة؟
هل هو الإحساس بأن هذه هى الحالة العامة التى تسيطر الآن على مصر، حيث إن السؤال لمن تمنح صوتك فى الانتخابات بات هو السؤال الدائم، بل ويكاد يكون هو السؤال الوحيد الذى لا تستمع لغيره فى الشارع وانتقل بدوره إلى كل الفضائيات، فقررت الجبهة أن تغير نشاطها الوطنى وتتحول إلى برنامج «توك شو» سياسى يتبادل تقديمه خالد يوسف ومحمد العدل