كأنه وجدها فرصة لكى يضعنى فى خانة اليكّ: ألستَ أنت الذى قال إن فيلم «بوبوس» هو مجرد «بوس بوس»؟ ألستَ أنت الذى هاجمت قبل الثورة تهافُت عادل إمام على السلطة ودوره فى التمهيد لتوريث الحكم لجمال؟ ألم تعترض على عشرات من المواقف السياسية المخزية لعادل إمام كسفير للنوايا الحسنة؟ قلت له: كل هذه المواقف لا أنساها، واعتزّ أيضا بها لأنى كتبتها وعادل يحظى بحماية من مبارك، فلا شىء كان يمسّه، لا رقابة ولا ضرائب، لا أحد يجرؤ أن يقول له بمّ! ولكن هذه المرة نحن بصدد قضية أخرى، لا نُصفّى حسابات مع فنان ولكن نقف فى نفس الخندق معه، ندافع عن حرية الإبداع لا عن عادل إمام.. الذين يريدون شخصنة القضية فى عادل يسيئون إليها، وشعارات مثل «كلنا عادل إمام» وغيرها تدخل فى إطار النضال الحنجورى.
عادل نفسه لم يتحمس لتلك المبادرات التى قام بها أكثر من نقابة وتجمع ثقافى، حاولت «جبهة الدفاع عن حرية الإبداع» إقناعه بأن تتولى الدفاع القانونى عنه فكان رأيه أن الأمر لا يستحق إثارته على هذا النحو.
عادل حتى اللحظات الأخيرة هو عادل الذى لا يريد أن يثير غضب السلطة الحاكمة، هو بالطبع يعلم أن السلطة الآن لن تمنحه حماية، المؤكد أنه موقن أن رهانه الحقيقى على الناس هو الدرع الواقية التى تحميه، إلا أنه لا يأمن أن تنفلت من جهة تدعمه عبارات تمسّ السلطة العسكرية فتُحسب عليه، وهو لا يريد إلا أن يأمن على أقل تقدير غضب السلطة.
عادل هو العنوان الذى يتوجهون إليه، فلقد خسروا أول من أمس جولة قضائية، ولكن لا يزال رهانهم على عادل، مؤكدين أن العيّنة بيّنة وكله من ده، التيار المتشدد لديه كوادره فى المجتمع ومن الممكن التنسيق لكى تُصبح الضربات القادمة أشد إيلاما.. الانتصار الذى يعتقد الفنانون أنهم أحرزوه مؤخرا بهذا الحُكم القضائى هو فقط جولة كسبوها فى معركة طويلة الأمد سوف تستخدم فيها مدفعيات ثقيلة أشد ضراوة.
الموقف لا ينبغى أن يأخذنا بعيدا عن الحقيقة، وهى الشارع، وهل هو مع الفنانين أم يرى أنها قضية فئوية تعنيهم فقط؟ الشارع من الممكن أن تكون لديه آراء سلبية حول ما يراه على الشاشة ورأيه أن الأفلام التى يدافعون عنها مجرد جنس وعرى وإسفاف!
المعركة القادمة يجب أن تتوجه إلى الرأى العام لنعرف أين يقف وما قناعاته. لا يمكن للفنان أن يعيش فى معزل، ودور جبهة الدفاع عن حرية الإبداع أن تتوجه إلى الناس لتضمَّهم إلى صفوفها.
المحامى الذى أقام الدعوى الأولى ضد عادل إمام وجد فى فيلم «عمارة يعقوبيان» سخرية من الذات الإلهية، كما أنه فى مسرحية الزعيم اتهمه باستخدام نفس الإيقاع اللحنى لأسماء الله الحسنى. من حق المحامى أن يعترض على أداء عادل إمام فى «يعقوبيان»، وتحديدا على أسلوب التخاطب مع الذات الإلهية، إلا أن هذا لا يعنى أنه بالضرورة على صواب، لأن عادل فى «يعقوبيان» يؤدى دور رجل عربيد، ولكنه طمع فى المغفرة، بينما فى مسرحية الزعيم كان يسخر من الحاكم الذى صنع من نفسه إلها لا يُمسّ، واستخدام كلمات على غرار أسماء الله الحسنى الغرض منها هو أن تصل الرسالة بضرورة إسقاط الطاغية الذى يعتقد أنه الإله.
أنا لا أدافع عن عادل إمام، بل عن مبدأ الحرية وكيف نقرأ العمل الفنى. هناك تفاصيل متعددة والقضية شائكة جدا وتثير كثيرا من اللغط لأننا لم نتعود أن نفصل ما بين الخاص والعام. كثيرا ما انتقدت عادل إمام فنيا وهاجمته سياسيا، فهو مثل عشرات من النجوم والمثقفين الذين اختاروا مبارك ومهدوا للتوريث لحماية مصالحهم، وتراهم الآن حائرين بين شفيق وموسى باعتبارهما الأقرب إلى منهج مبارك.
صحيح عادل إمام كان ظلا وصوتا لعهد بائد، ولكن هذا لا ينفى أنه الفنان صانع البهجة الأول فى مصر والعالم العربى على مدى نصف قرن.. لا أتراجع عن مواقفى التى انتقدتُ فيها كثيرا من آرائه السياسية وعددا من أعماله الفنية، ولكن هذه المرة القضية ليست عادل إمام!