أنت لا شىء وسط كل هذا الصخب.. لا أحد يراك أو يهتم بأمرك.. يعتبرك البعض غير موجود وأنا منهم.. من أين أتيت أصلا؟ أنت طوال الوقت تعيش وسط مجموعة من الكذابين على اختلاف وظائفهم.. الرئيس السابق كان يكذب والمرشح للرئاسة يكذب، ومَن يعملون معك يكذبون.. حتى شيوخك يكذبون.. ولا شىء واضح سوى أنك غير موجود.. قل لي لو كنت موجودا.. هل كنت تتحمل كل هذا الكذب؟ وأى ديانة تؤمن بها قالت لك: كن كذّابا؟
أنت خائب ومصير مشروعاتك كلها الفشل.. حتى لما ربنا كرمك وقمت بثورة كنت تدافع قبلها عن حقوق الإخوان، فقام الإخوان وأعوانهم من المتحزلقين والمُدلِّسين بالقفز عليها -ليس ركوبا.. الركوب أهدأ من كده- وتحولت أنت للدفاع عن نفسك طوال الوقت وسط مجموعة من السياسيين يضعون كل ساعة شهيدًا تحت أقدامهم من أجل «قعدة» أو مكالمة هاتفية من «العسكرى»، تدّعى زورًا أنها تناقش حال البلد، بينما البلد تتركهم جميعا ورايحة فى ستين داهية.
كيف تفكر فى حال بلد أصلا قادتها يستمعون إلى مصطفى بكري؟ أنت طوال الوقت تسمع أخبارا سيئة عن الاقتصاد.. منذ أكثر من عام تقريبا وهم يقولون لك سينهار.. سينهار الشهر القادم.. سينهار اليوم.. غدا سنشحت.. البورصة تعيش أياما سوداء -أنت الذى لا تعرف للبورصة فائدة- لكنه لم ينهر، ولم نشحت، حتى تظن أنهم يتحدثون عن اقتصاد دولة أخرى، وأيضا هو لا يتقدم.. في الغالب لا يوجد هناك اقتصاد حتى ينهار أو ينمو.
أنت تعيش فى دولة مرفّهة.. يكفيك أن رئيس وزارئها لم يغير ملابسه الداخلية من أيام أحداث «محمد محمود»!
أنت تعيش مع المُجربين.. حيوان تجارب ليس إلا.. الداخلية تجرب معك الغازات السامة.. والسياسيون يجربون معك فن الكلام والردود الدبلوماسية -غالبا ما تصدقها-والمرشحون يجربون معك الخداع والتلون ومحاولات إرضاء الجميع.. أحدهم يؤيده عدد من الإخوان والسلفيين والليبراليين واليساريين، وربما زوجتك فى البيت.
أنت دائما اتصالاتك معلقة بالموت.. كل المكالمات تأتيك فقط لتخبرك أن أحدهم قد مات.. أصدقاؤك كلهم يموتون.. مَن كان يشجع الكرة مات فى بورسعيد، ومَن شجع الثورة مات فى مئة بورسعيد أخرى.. آخرهم كان فى طريقه للحصول على أنبوبة فدهسته سيارة رجل غبى وعشوائى لا يعرف كم كان يعشق الحياة.. و«العسكرى» يجرب معك الموت وبأكثر من طريقة.
تخيل أنت تقرأ الآن ما كتبته عنك.. وأنا أيضا أكتب كلاما آخر عن شخص غيرك.. ويضيع وقت طويل بيني وبينك.. بينما تضيع أعمار وأحلام وعلاقات وعلامات وكلام وصياح لم أره لا أنا ولا أنت.
أنت، أعرف أنك أصبحت لا تنتظر شيئا، وأؤكد لك: شىء لا ينتظرك. أنت تعيش واقعا متغيرا، لكنك ثابت على الإطلاق. أنت كئيب حد الموت.. لكنك للأسف لا تموت.