قرار جمهوري بتعيين 3 عمداء جدد بكليات جامعة المنيا    تعرف على مواعيد امتحانات الفصل الدراسي الثاني في الأقصر    جامعة مصر للمعلوماتية تشارك في المؤتمر العاشر لمنظمة المرأة العربية لمناقشة العنف السيبراني    خلال زيارته لصربيا.. البابا تواضروس: الكنيسة القبطية بيت للجميع ورسالة حب وسلام    الاحتياطي الأجنبي لمصر يتخطى مستوى ال 48 مليار دولار بنهاية أبريل لأول مرة    أستاذ قانون مدنى يطالب النواب بتوفير بديل لوحدات الإيجار القديم لغير القادرين    المنطقة الاقتصادية تكشف تفاصيل اتفاقية تطوير وتشغيل منطقة "كيزاد" الصناعية اللوجستية    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بنهاية التعاملات بدعم مشتريات عربية وأجنبية    استشهاد 4 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على دير البلح وسط قطاع غزة    بعد إخفاق "فريدربش" بالانتخابات.. "البورصة الألمانية" تهبط بنحو 1.1%    ABC News: القبض على أكثر من 25 محتجاً سيطروا على مبنى جامعة واشنطن    رابطة الأندية تعاقب الأهلي بمنع الحضور الجماهيري مباراتين    مجلس الزمالك يجتمع لحسم مصير بيسيرو والبرتغالى يقود المران الجماعى    أجواء تنافسية في اليوم الأول لبطولة العالم العسكرية للفروسية بالعاصمة الإدارية الجديدة    سقوط لصوص التليفونات في قبضة مباحث شبرا الخيمة    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    رئيس الأوبرا يكرم عددا من الفنانين والإداريين بمناسبة عيد العمال    بالفيديو.. ريهانا تعلن عن حملها الثالث في حفل Met Gala 2025    قصور الثقافة تطلق العرض المسرحي «منين أجيب ناس» لفرقة الزيتيات بالسويس    المخرج جون وونج سون يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    رافينيا يُرشح محمد صلاح ورباعي آخر للفوز بالكرة الذهبية    الكرملين: بوتين وبزشكيان اتفقا على تعزيز التعاون العملي بين البلدين وتنسيق السياسة الخارجية    "الخارجية" تتابع موقف السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    مسيرة طلابية بجامعة الزقازيق للمطالبة بكشف ملابسات حادث طالبة كلية العلوم    تأجيل إعادة محاكمة 4 متهمين في «أحداث شغب مطاي» بالمنيا    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    وزير المالية الإسرائيلي: سيتم تركيز سكان غزة في محور موراج جنوبا    شوبير: الشرط الجزائي لكولر أكبر من ديون الزمالك بس الأحمر معاه فلوس يدفع    ظهر في 3 أفلام وصاحب رقم قياسي.. محطات عن صالح سليم في ذكري وفاته    بدء استقبال طلبات الأفلام للمشاركة في الدورة 5 من البحر الأحمر السينمائي    تفاصيل التصعيد الإسرائيلى الأخير فى غزة بعد توسيع العمليات العسكرية    لمناقشة فرص توطين اللقاحات وتعزيز التصدير، رئيس هيئة الدواء يستقبل وفد فاكسيرا    جزاءات رادعة للعاملين بمستشفى أبوكبير المركزي    ننشر توصيات اجتماع وزراء السياحة بالدول الثماني النامية بالقاهرة    ضربة موجعة لستارمر.. رفض طلب لندن الوصول لبيانات الجريمة والهجرة الأوروبية    نصيحة وزير الشؤون النيابية لابنته بشأن العمل التطوعي    61.15 دولار للبرميل.. تعرف على أسعار النفط بالأسواق العالمية    كلية التمريض جامعة قناة السويس تنظم ندوة حول المشروع القومي لمشتقات البلازما    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    السيسي يؤكد ضرورة التركيز على زيادة احتياطي النقد الأجنبي وخفض مديونية الموازنة    عقب التوتر مع باكستان.. حكومة الهند تأمر الولايات بتدريبات دفاع مدني    تعليم السويس يعلن جدول امتحانات الشهادة الإعدادية    محافظ أسوان يترأس اجتماع المجلس الإقليمى للسكان    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 6-5-2025 في محافظة قنا    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    «العربية للتصنيع» تتعاون مع شركة أسيوية لتأسيس مشروع لإعادة تدوير الإطارات المستعملة    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    فاضل 31 يوما.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    صور حديثة تكشف أزمة بسد النهضة، والخبراء: التوربينات توقفت وإثيوبيا تفشل في تصريف المياه    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    ضبط (18) طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    وزير الري يتابع خطة التكيف مع التغيرات المناخية ودراسات حصاد مياه الأمطار    ما علاقة الشيطان بالنفس؟.. عالم أزهري يوضح    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    تشغيل وحدة علاجية لخدمة مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا في مستشفى السنبلاوين العام بالدقهلية    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتضار فيلسوف
نشر في المصريون يوم 19 - 06 - 2011

كانت الرُّحَضاء تَعْلو جَبِينَه، وصدْرُه يرتفع وينخفض بشدَّة، والآهَات التي تَخرج منه لها صوتٌ عالٍ مسْمُوع، لكنْ لا أحدَ معه، لا أحد يُحاول التخفيفَ عنه ولو بالكلام، كمْ نحن مُحتاجون إلى النَّاس، وإِنْ زعَمْنا أنَّنا مسْتغْنُون عنهم تمامًا!
أهكذا يموت وحْدَه بعد أن عاش حياتَه كلَّها للناس، ونذَرَ عمرَه كلَّه لتَثْقيفهم وتنْويرهم، فلم يتزَوَّج ولم يفَكِّر في تَكْوين أُسْرة؛ حتى لا ينْشغل بأي شيء آخر سِوى الكتابة والتَّأليف؟!
إنه لم يكُنْ يتوقَّف عن الكتابة حتَّى في أيام مرضه؛ بل لا بُدَّ أن يَكتب ولو مَقالةً صغيرة، ولكنَّ مرضه هذه المرَّةَ مختلِفٌ؛ فهو لا يقْوَى على مجرَّد النُّهوض، يَبدو أنَّه المرَضُ الأخير.
آهٍ لو مات في هذه الساعة! سيموت منفرِدًا لا يَسمع بموته أحدٌ، ولا يَبكي عليه باكٍ، حتى يأتي الخادِمُ صباحَ غد.
كيف سيكون وَقْع خبَر وفاته على الناس؟ وهل سيَحزنون لفِراقه بعد أنْ قدَّم لهم كلَّ هذا العطاء مُنقطِعَ النَّظير؟
هل ستقوم وسائل الإعلام بنَعْيه على الوَجْه الذي يَلِيق بمكانته في دنيا الأَدَب والفِكْر؟
ماذا ستقول عنه الأوساطُ الثَّقافية والفنِّيَّة بعد رحيله؟
تُرى كيف سيكون شعورُ خادِمِه المخْلِص "إدريس" عندما يجِدُه قد قَضى؟ هل سيَقوى على هذا الفِراق بعد عِشْرة بينهما دامت 30 سنةً؟
هل سيَغْلبه هوْلُ المفاجأة، ويذْهله عن المبادرة إلى إخبار الزَّميل الدكتور "أمجد" الذي سيتولَّى أمورَ التَّشْييع والدَّفْن على ما اتَّفقا عليه مسبقًا.
الألم يزداد، وآهاتُه المنبَعِثة مِن أعماقه تُحْدِث صدًى في الغُرفة الرطبة التي يَرْقد على السرير الذي بوسطها، لو يمكنه أن يتَجاوز هذا الألَم، وتَعود إليه قُوَاه مرَّةً أخرى، ولو لمدَّة نصف الساعة فحَسْب؛ لِيَكتب عن "الآم الموت" وكيف هي، أو ليدَبِّج كلمةً عن "فلسفة الموت"!
حالته تزداد سوءًا؛ النَّهَجُ يرتفِع بصورة حادَّة؛ نظرًا لازْدِياد الألَم، والعَرَق يتصبَّب مِن جَبينه، وليس يقْوَى على مجرَّد مسْحِه بمِنديله حتى لا يدخل إلى عينيه، كأنَّ روحه ستفارق جسدَه الآن.
فجأةً ينشَقُّ جدار الغرفة ويَدخل منه أشخاصٌ وُجوهُهم مرْعِبة جدًّا، كما أنَّ ملابِسَهم سوداءُ قبيحة، أحَسَّ برعْبٍ شديد يجْتاحه، يَكاد يُنسيه الألَم المرير الذي يُعانيه.
قال بصوْت مرتجِف:
- مَن أنتم؟ وماذا تريدون؟
قال أحدهم بصوت بَغِيض:
- نحن الذين كنتَ تُنكر وُجودَنا وتَسخر منه، وتَكتب في ذلك الكتُبَ والمقالات، وتُعطَى على ذلك الجوائز!
- أُنْكر وجودَكم؟!
- نعم! ألم تَكُ تسْخَر مِن وجود الملائكة والجنِّ والشَّياطين وتقول: إنها خرافات، لا يَنبغي التَّصديق بها في عصر سُفُن الفضاء؟!
آخَر:
- نحن الملائكة، ملائكة الموت، جئنا لقَبْض رُوحك!
- إلى أين تَذهبون بها؟
-إلى العذاب.
- العذاب! أنا مَصيري إلى العذاب؟!
- ولِم لا؟! ألم تَكُ تاركًا للصلاة، مصِرًّا على شُرْب الخمر، مقترفًا لفاحشة الزِّنا، إلى سيِّئات كثيرةٍ جِدًّا بجوار ذلك.
بارتجاف شديد:
- لكني لم أَقْتل أحدًا ولم أسْرِق مالَ أحدٍ طوال عمري، وما اعتديتُ على أحد في حياتي.
- ولا حتى على الله؟
- الله؟!
- أجل! ألَمْ تَسخر منه ومِن دِينه في كتاباتك؟ ألم تعترض على أوامره في جُلِّ أعمالك؟ ألم تَبذل جهدك في تضييع هَيبته في النُّفوس وصَرْف النَّاس عن أحكامه وشريعته؟
- أنا كنتُ...
- مثلاً في كتابك "الحرية" ص 100: "لن يتحرَّر الإنسان حقَّ التَّحرُّر ما لم يَقتل في داخله كلَّ هَيْمنة خارجية تحت اسْم الإله أو الدِّين أو الأخلاق".
وفي روايتك "رباب" ص 200 قلْتَ على لسان بطَلِك: "الله والشيطان وجْهان لعُمْلة واحدة".
وفي أطروحتك "التُّراث" ص 70: "قطْعُ يد السارق ورجْم الزَّاني في القرن الحادي والعشرين همَجيَّة غير مقبولة".
وفي كتابك "رسائل تنويرية" ص 20: "الحديث عن الموت وما بَعده علم لا يَنفع، وجَهل لا يضُرُّ، ولن تتقدَّم أُمَّة أكثر علومها وكلامها فيما لا يَنفع".
وفي مسرحية...
آخَرُ مُقاطِعًا:
- كَفى، لَسْنا هنا لمحاسبته؛ بل لنَقْبض رُوحه، وسيُعرض عليه كلُّ ذلك أمَام الله - تعالى - يوم القيامة.
- أنا خدَمْتُ الناس، وأفنيتُ عمري في ذلك؛ ثلاثُ شهادات دكتوراه من جامعات مختلفة في حقول عِلميَّة متنوِّعة، عشرون كتابًا في الفلسفة وغيرها، تسْعُ روايات، خمسَ عشَرةَ مسرحية، عشرات البحوث، أُلُوف المَقالات!
- كل ذلك ذَهب هباءً منثورًا، ولا قيمة له عندنا؛ بل هو مِن أسباب شَقائك؛ فقد كنتَ تَصْرف الناس عن التفكير في آخرتِهم التي تنتظرهم، وعن الاستعداد لهذا الموقف الذي أنت فيه الآن، كنتَ تملأ حياتَهم بتفاهات ومُلْهيات دنيوية سافِلة، فيغرقون في الغفلة والاغترار بالدنيا وشهواتِها، ويُعْرضون عمَّا خُلقوا له، ويَنسون المصير الذي سيصيرون إليه حتى تباغِتَهم الحقيقة التي تَعيشها أنت الآن - يا حضرة الفيلسوف - فيندمُوا حيث لا يَنفع النَّدم.
- لكني كنتُ أريد بهذا السعادةَ للناس!
- قد أضللْتَهم وأهلكتَهم، وجنيْت عليهم.
...
- هيا الآن أَعْطنا رُوحك؛ لنهبط بها إلى سِجِّين، ثم لِتذوق عذاب القبر، وتَعرف بنفسك ما إذا كان حقيقةً أو خُرافةً، فأنت لا تؤمن إلا بالمنهج التجريبِي، أليس كذلك؟!
- مهْلاً مهلاً! صدَّقْتُ وآمنتُ، اتركوني أرجِعْ إلى الدُّنيا أُخْبر الناس بهذه الحقائق، وأعيش حياتي على ضَوئها.
- كلا؛ انتهت فُرصتك! أمهَلَك الله 75 عامًا، وكم قرأتَ واطَّلعت، وكم رأيتَ من دلائلَ على قدرة الله وحِكْمته وصِدق رسوله، وكان عندَك القرآن، فيه الهُدى والشِّفاء، وكان بإمكانك أن تراجع نفسك، وكم مرَّةٍ بَدا لك خلَلُ منهجِك؛ لكنَّك كنتَ تُكابِر، وتَرْكَن إلى الشَّهوات الحاضرة، والشُّهْرة العريضة التي حقَّقْتَها، والآن حان انتقالك إلى الدار الآخرة، فلا يُمكن أن تعود إلى الدنيا.
- فرصةً أخيرة!
- • كلا، هَاتِ رُوحَك!
- آه آه! اتْركوني اتركوني! رويْدًا رويدًا!! آه آه....
استيقظ الدكتور "ذكي" وهو يَنهج نَهَجًا شديدًا، وقد وَضع يدَه على حُلْقومه، رافعًا صوته بالتأوُّه حتى استيقظَتْ زوجته الدكتورة "نوال" منْزعِجة.
"- ذكي" ماذا أصابك؟
- لا شيء لا شيء، فقط "كابوس" مزعج جدًّا؛ ذلك أنِّي كنتُ أقرأ قُبيل نَومي في أحد الكتُب الرَّجْعية التي تتكلَّم عن الموت والآخرة!
علي حسن فراج
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.