في أوبريت الليلة الكبيرة .. يسأل العمدة القادم من الأرياف "حضرة" الأراجوز الفهلوي العابث عن "طريق المتولي" .. فيبدأ الأراجوز الوصفة قائلا : "أذكر نبينا وصلي عليه" .. ثم يأخذ في وصف الطريق بطريقة غرائبية تكرس المتاهة والتوهان : "تكسر يمينك وشمالك شارعين وف الثالث تكسر .. على اليمين واخد بالك وتمشي على طول تتمخطر.. ولما تلقى مقلة لب تعرف بأنك تهت وضعت... متاهة أراجوز الليلة الكبيرة لا تقل غرائبية عن "خارطة طريق" المجلس العسكري الذي لف بنا ودار طوال 14 شهرا لنكتشف أننا وصلنا إلى "مقلة اللب" .. الطريف أن قطاعا في الشارع المصري يصر على التعامل مع خارطة طريق العسكري بنفس طريقة تعامل العمدة الريفي مع وصفة الأراجوز .. "دي وصفة سهلة .. ودي وصفة هايلة" .. ومع أننا نسمع فريق المطبلاتية وهم يزفوننا ساخرين : "مع السلامة .. مع السلامة .. مع السلامة يابو عمة مايلة" .. إلا أن هذا القطاع من الشارع المصري مازال يحسن الظن بهذه "الوصفة الهايلة" ولا يفطن ولو للحظة أنه يسير في سكة اللي يروح ما يرجعش
لم يكن عمنا صلاح جاهين يدرك وهو ينظم هذا الأوبريت الرائع أنه يقدم فن الكباريه السياسي الذي يتنبأ بتاريخ مصر القادم بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. فالحل العبقري الذي لجأ إليه المجلس العسكري وهو يضرب الثورة ويفرق كلمتها هو أن يحول كل حياتنا إلى ليلة كبيرة .. مولد وصاحبه غايب .. نتوه في الضجة والضجيج ومتاهة الأراجوز .. وفي كل مرحلة تدفع أجهزة أمن الدولة ب"شجيع السيما أبو شنب بريما" ليشغلنا بمعركة مفتعلة .. ثم نسمع وسط الحشود من ينوح مناشدا "ولاد الحلال" أن يبحثوا عن "بنت تايهة طول كده".. يتوه الأولاد في المولد لأسباب مختلفة بدءا من الإنفلات الأمني إلى المحاكمات العسكرية .. ويدوخ الأهالي السبع دوخات وهم يبحثون عن أبنائهم الذين سحقتهم بيادة العسكر ومحاكمهم وبنادقهم وغازاتهم المسيلة للدموع ..
مولد المجلس العسكري الذي أضاع الثورة جعلنا نتوه عن كل ما نادت به الثورة .. ليس فقط العيش والحرية والعدالة الإجتماعية .. ولكن حتى بيع الغاز والفساد ومحاكمة قتلة الثوار وحرامية الوطن .. كل المطالب تاهت في المولد ودار بنا العسكري وفات وفي ديله سبع لفات لنستيقظ بعد المولد على حقيقة أن كل شئ على ما هو عليه .. ضحكوا علينا الحرامية .. مبارك ورجاله وطبقة الفساد الغليظة التي استولت على كل مخارج ومداخل الأمن والسياسة والدين والإعلام في هذا الوطن .
في الوقت الحالي يحاول الجيل الذي صنع الثورة أن يعود إليها من جديد .. أن يفض المولد ويتمرد على وصفة الأراجوز وهمبكة شجيع السيما .. أن يخرس الريس حنتيرة ويخلق النظام من الفوضى .. يحاول المخلصون أن يعبروا حقول الألغام المزروعة تحت أقدامهم .. وسلفيي أمن الدولة المندسين بين صفوفهم .. يحاول المخلصون أن يستعيدوا ثورتهم من جديد ولكن بعد أن فقدوا زمام المبادرة ونجح "مولد سيدي العسكري" في إشاعة الفوضى والضجيج والزحام ليلتهم كل صياح الحناجر وهتاف القلوب وهي تهفو إلى العيش والحرية والعدالة الإجتماعية .
يسقط حكم العسكر .. ويسقط مولد العسكر .. وتسقط الإنتخابات والدستور تحت وصاية العسكر .. هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ الثورة .. ولكن هل يستطيع هذا الهتاف المخلص أن يرج الميدان ويهز عرش رجال مبارك الرابضين على صدر مصر وقلبنا .. أم سيرد علينا إعلام العسكر ورجال الفساد وتجار الدين ويزايدوا على أصواتنا بضجيج المولد : "طار في الهوا شاشي وإنتا ماتدراشي .. يا جدع "