عندما عرفت أمينة زكى بحبس علاء عبدالفتاح بعد مثوله أمام النيابة العسكرية، لم تجد أمامها سوى استخدام دمية تمتلكها وتسميها الأراجوز «بوروروم بن سكوتة» لتصور فيديو على اليوتيوب وتعبر عن رأيها من حيث رفضها لما حدث ورفضها للمحاكمات العسكرية. لم تعد أمينة خريجة كلية الفنون التطبيقية نصا لتعبر به عن رأيها، وإنما حاولت أن ترتجل من خلال الأراجوز لتعبر عن انفعالها بالحدث. لم يكن فيديو اليوتيوب هو أول تجربة لأمينة زكى مع الأراجوز، فحلمها القديم بأن تكون لاعبة أراجوز، والذى كانت تعبر عنه على صفحتها بالتويتر، لفت نظر مكتبة «البلسم» إليها لتوفر لها فرصة إقامة أول عرض فيها. كانت قد أعدت سيناريو لتقوله، وإلى جانب الأراجوز «بوروروم» استخدمت دمية أخرى وأسمتها «حوستى».
نجاح العرض الأول هو ما جعل المكتبة وأمينة يكرران التجربة، لينتقد الأراجوز «بوروروم» المحاكمات العسكرية، وسط الكبار والأطفال الذين تستضيفهم المكتبة، وعن طريق سرد حكايات الراحل عصام عطا والناشط علاء عبدالفتاح (الذى تم الإفراج عنه مؤخرا)، وبعد انتهاء العرض تدور أمينة بما يشبه الدلو لتحصل به من الحاضرين على سعر التذكرة، وهو جنيه واحد فقط، بما يحيل الجمهور القليل الحاضر لأصحاب العروض الشعبية فى المقاهى.
حلم أمينة بالأراجوز يرتبط بحلمها بالثورة، فهى كانت تعتبر الأراجوز أحد الأحلام التى يجهضها النظام السابق، والتى يتاح لها التحقق حاليا. وهذا الحلم يعبر كثيرا عن شخصيتها إذ تقول: «ربنا خلقنى أراجوز، فأنا آخذ كل الأمور بسخرية». وروح السخرية تلك هى سمة تدويناتها على مدونتها الشخصية وعلى موقع التويتر، وهى ترى أن تعبيرها المتحقق فى الموقعين يمتد ليشمل الأراجوز «بوروروم» الآن. عدم انفصال تجربة «بوروروم» عن تجربتى المدونة وحساب التويتر يتضح من الفاصل الخشبى «البارافان» الذى تختبئ خلفه أمينة لتعرض أراجوزها، وهو مكتوب عليه «Alien Zero» وهو الاسم المستعار الذى تستخدمه على المدونة وعلى تويتر.
تقول أمينة زكى: «بدأت علاقتى بالأراجوز بتأثرى ببقلظ وهو الدمية التى كانت تظهر فى برنامج للأطفال منذ السبعينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضى وهو كان الطفل المثالى بالنسبة لى لأنه كثير الخطأ»، ثم تضيف: «ومع الوقت تساءلت لماذا لا يعمل الواحد منا كبقلظ؟». ولكن البداية العملية بالنسبة لها كانت عندما أهداها أحد أصدقائها دميتين جاهزتى الصنع لرجل وطفل. ولكنها مع ذلك تطمح إلى تصميم دمية خاصة ببوروروم، سألتها إن كان هذا لن يربك من اعتاد على الشكل الجاهز فقالت ببساطة: «لا، بوروروم سيصنع نيولوك New Look» أو صيحة جديدة.
أمينة قدمت عرضا آخر أشرف عليه «صالون تاء الخجل الثقافى» بالإسكندرية، ولكن رغم ذلك فحلمها لا يتوقف على إقامة العروض فى المكتبات والمؤسسات، إذ تقول: «الأراجوز ليست صفته أن يتكلم فى الأماكن المغلقة، فأنا أود أن أنزل بالعروض إلى الشارع، وأتوجه لمن لا يذهبون إلى المكتبات وغيرها».
وتقول أمينة: «اسم (بوروروم) نشأ كهاشتاج على تويتر»، ومصطلح «الهاشتاج» على موقع التويتر يعنى كلمة يتم اختيارها من قبل المستخدمين لتكون دلالة على الحوار الدائر بينهم. وتضيف: «أنشأت الهاشتاج لأستعيض به عن قول كلمة قبيحة».
ورغم أنه فى السنوات الأخيرة، كانت عروض الأراجوز تتكرر فى مناسبات تخص الأطفال، إلا أن أمينة تصر على أن عرض الأراجوز الذى ستقدمه هو عرض سياسى يتوجه للكبار ولكن يهمها أن يحضره الأطفال. وتقول: «يعنينى الجدل الذى سيحدث بين الأطفال وأهاليهم بعد العرض».
هذا غير أن هزلية الأراجوز هى ما يوازى هزلية الأحداث الجارية فى رأيها: «سمعنا بعد أحداث ماسبيرو عن محاكمة علاء عبدالفتاح وكون مينا دانيال ضمن المتهمين، هذا كان إفراط فى التهريج، والتصريحات الرسمية كانت كوميدية، كل هذا كان يحتاج أراجوز». هذا يتكرر فى فيديو اليوتيوب حينما يذكر بوروروم أن تصريحات وزارة الداخلية أكثر إثارة للضحك منه كأراجوز.
بين التسلية والسياسة
ظل الأراجوز لعقود طويلة مصدر تسلية للمصريين، ولكن إلى جانب ذلك كان أيضا يقدم رسائله السياسية للمشاهدين، إذ يكتب الدكتور نبيل بهجت فى دراسته عن «الأراجوز» أنه على مدار التاريخ كان الأراجوز يعلق بصورة هزلية على الأحداث السياسية الجارية فى البلاد.
هذه الرسائل السياسية هى التى جعلت «الأراجوز» مستلهما حتى فى أعمال فنية أخرى، كأن يقوم بتوعية الناس كما كان يفعل «الأراجوزاتى» الذى قام بدوره عمر الشريف فى فيلم «الأراجوز» الذى أنتج عام 1989 أو قصيدة الشاعر فؤاد حداد عن الأراجوز الذى استدعاه الملك وطلب منه إضحاك ابنه، فإن بكى الابن فسيقطع الملك رقبة الأراجوز، فما فعله الأراجوز هو أن قطع رقبته بنفسه، فالذى حدث كما يحكى ابن الأراجوز فى القصيدة هو أن «راح الولد فى البكا.. وأنا والدى مات مبسوط».
الهم السياسى ليس غائبا عن تجربة مر عليها حتى الآن ثمانى سنوات مع فن الأراجوز، وهى تجربة فرقة «ومضة» التى أسسها الدكتور نبيل بهجت ليعيد إحياء فن الأراجوز بشكله التراثى، إذ يقول إن عروض الفرقة قبل الثورة تضمنت انتقادات لسياسة الخصخصة وفساد رجال الأعمال. ويشير إلى عرض لهم باسم «ملك ولا أراجوز»، يختار الحاضرون فيه من يحكمهم بين الملك والأراجوز فيميلون للأراجوز، وعرض آخر بعنوان «عرايسنا» تثور فيه العرائس على محركها.
يقول د. نبيل بهجت: «السياسة هى إدارة شئون الحياة، والأراجوز يعيش وسط الناس وهو يتحدث عن الموضوعات التى تخصهم، وينتقد السلطات السياسية والدينية والاجتماعية».
ولكن د. نبيل يفرق بين الأراجوز بشكله التراثى وبين استلهام فكرة الأراجوز، فوفقا لدراسته الأراجوز بالشكل التراثى يجب أن تكون ملامحه متسمة بالذكاء، يرتدى طرطورا وجلبابا باللون الأحمر. وليصدر لاعب الأراجوز صوته المميز، يضع فى فمه قطعتين من المعدن مشدودتين بشريط من القطن وهذا ما يسمى «الأمانة». ويصاحب لاعب الأراجوز غالبا شخص آخر وهو «الملاغى»، وكما يبدو من اللفظ العامى، فهو يساعد اللاعب على التأثير فى الجمهور، فهو يغنى مع الأراجوز ويشاركه الحوار، ويكرر الكلام الذى لا يكون واضحا عند الأراجوز بفعل «الأمانة».
بهذه القسمة تبقى طريقة أمينة زكى فى التعبير عن رأيها هى نوع من الاستلهام لتراث الأراجوز من أجل التعبير عن رأيها السياسى.