نرى فى نهاية فيلم «حظ سعيد» لقطة لمصر بعد 30 عاما، حيث نجد أن حسنى مبارك لا يزال فى المحكمة، وقضية قتل المتظاهرين لا يزال يتداولها القضاء، بينما صور أبناء بطل الفيلم أحمد عيد على الحائط تشير إلى الرسالة التى يتبناها الفيلم، وهى أن مصر حائرة بين ثلاثة اتجاهات «الإخوان والسلفيين والليبراليين»، وهكذا اختار أسماء أبنائه الثلاثة فى السيناريو لتوحى بذلك، وهم «بديع» المرشد، و«بكار» المتحدث الرسمى لحزب النور، و«حمزاوى» المعبّر دراميا عن الاختيار الليبرالى، ولو امتد تصوير الفيلم إلى هذه الأيام لصعد على الفور اسم سعد الصغير كتوجه محتمَل يستحق أن يحمله الابن الرابع. كان أحمد عيد واحدا من شباب الفنانين الذين شاركوا فى الثورة المصرية مع الأيام الأولى، ولهذا فإن تقديمه فيلما يتناول الثورة لا يمكن اعتباره مثل عدد من النجوم مجرد شعبطة على أكتاف شباب الثوار، ولكنه موقف اتخذه مبكرا، وكان من الممكن لو لم تنجح الثورة أن يدفع الثمن. أصبحت الثورة المصرية أحد أهم المفردات التى يلعب عليها السينمائيون من أجل أن يصبحوا هم والجمهور على موجة واحدة.. دائما ما يتحرك السينمائى وفق الرهان على ما يريده الناس أو ما يعتقد أن الناس تريده. وجاءت محاولة أحمد عيد فى فيلمه «حظ سعيد» أكثر إيمانا بالثورة، إلا أنه، ومع الأسف، يعانى من الفقر الشديد إلى حدود الهزال فى الإحساس السينمائى البصرى والفكرى، كما أنه ينحاز إلى التوجه الإخوانى.. السيناريو كتبه أشرف توفيق فى أول تجربة، والمخرج طارق عبد المعطى فى ثانى أفلامه الروائية بعد «عجميستا» يتحرك من خلال خطين يتوازيان بين أحداث الثورة وحياة البطل «سعيد». الفيلم يمزج بين حياة عيد ومبارك، فى عدد من خطاباته التى يؤكد فيها أنه يقف دائما إلى جانب المواطن، ونرى ضابط الشرطة والمخبر وهما يتلذذان بضرب المواطن أحمد عيد، على قفاه كلما أتيحت لهما الفرصة، وهكذا كان صوت مبارك وهو يعلن انحيازه للمواطن يتم الرد عليه بتلك الصفعات التى تنهال على المواطن.. الخط الثانى هو بدايات الثورة التى انطلقت من ميدان التحرير.. يقدم المخرج لمحة توثيقية ويعقبها بحكاية «سعيد» التى هى حكاية ملايين من الشباب فى مصر، فهو يبحث عن أى وسيلة لكى يتزوج بمن أحبها، يعيش مع عائلته وشقيقه الكبير المتزوج فى نفس الشقة.. منعزلا تماما عما يعيشه الوطن، حتى ميدان التحرير يصبح بالنسبة إليه مجرد وسيلة تحقيق مكاسب مادية ببيع الكتب التى تتناول مختلف التوجهات الماركسية والرأسمالية والعلمانية والإسلامية، وفى نفس الوقت لم ينس الفيلم أن يفضح الثورة المضادة التى اتخذت ميدان مصطفى محمود مسرحا لها.
الخط التوثيقى فى بناء السيناريو يتابع خطابات مبارك التى واكبت الثورة والحسابات الخاطئة التى كان دائما ما يصدرها للناس، والتى تؤكد أن بينه وبين الشعب فروقا شاسعة فى التوقيت.. واستثمر الحوار الشهير الذى أجراه طلعت زكريا، وهو يدعو الشباب إلى العودة لمنازلهم، مؤكدا أن ميدان التحرير يشهد علاقات جنسية كاملة، وهو بالطبع من الحالات النادرة التى نرى فيها فنانا يفضح، ومع سبق الإصرار، زميلا له، ولكن كان عليه أن يفضح أيضا الآخرين، خصوصا المتحولين من مؤازرة مبارك إلى الهتاف للثورة. كل شىء تجده فى هذا الفيلم، ينقصه العمق، كأنك ترى رسما تخطيطيا لشخصيات لم يكتمل بناؤها النهائى بعد.. ترى فقط ملامحها العامة على السطح حتى أداء الشخصيات فى الفيلم أقرب إلى الحالة الميكانيكية.. النكتة والإفيه المباشر يسيطران على الكاتب، فهو لا يترك موقفا يمر دون أن يبحث عن أسلوب استثماره فى محاولة للعثور على ضحكة، أو إن شئت الدقة قفشة.. أحمد عيد يشعرنى فى العديد من مشاهد الفيلم كأنه يقف على خشبة المسرح، ويقدم شيئا أقرب إلى «استاند أب كوميدى» ليلقى بنكتة ارتجالية على الجمهور، ولكن لا يعنيه إحساس الأداء، المهم أن تصل كلمات النكتة إلى مستحقيها. يتباين مستوى عيد من فيلم إلى آخر، وهذه المرة شعرت بخفوت إحساسه أمام الكاميرا.. تضاءلت روح الكوميديا فى جنبات الفيلم، كأنه يقدم نشرة أخبار التليفزيون الرسمى تتخللها فقرة عن تامر بتاع غمرة!