النص الأتي هو نص الفقرة الثانية من المادة 189 من نصوص المواد التسع التي أقرها و وافق عليها الشعب المصري في استفتاء تاريخي يوم 19 مارس من العام الماضي ، هذا النص واضح المعني ، صريح العبارة ، قطعي الدلالة علي أن الشعب قرر انتخاب رئيس للجمهورية أولا ثم مجلسي شعب و شوري ثم أخيرا وضع دستور جديد و النص يقول: " و لكل من رئيس الجمهورية و بعد موافقة مجلس الوزراء و نصف أعضاء مجلسي الشعب و الشورى طلب إصدار دستور جديد و تتولى جمعية تأسيسية من مائة عضو ينتخبهم أغلبية أعضاء المجلسين غير المعينين في اجتماع مشترك إعداد مشروع الدستور في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها و يعرض رئيس الجمهورية المشروع خلال خمس عشرة يوما من إعداده على الشعب لاستفتائه في شانه و يعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء".
أين هذه المادة الآن التي رآها الشعب المصري لمرة واحده في ورقة الاستفتاء حين كان يدلي بصوته في الاستفتاء ؟ !!.
شعب اقر مادة دستوريه في استفتاء تاريخي ثم لم يجد نص هذه المادة التي اقرها !! الأمر حقا مثير للضحك بسخرية و اندهاش !!، ظني أننا لسنا فقط الذين نضحك علي أنفسنا بل يقيناً هناك من حولنا في هذا العالم من يرصدنا و يضحك أيضا علينا، بل هناك أجيال ستأتي بعدنا تضحك هي كذلك علينا !! ، يالا المأساة الإنسانية التاريخية؟
ثم نحن الآن نغض الطرف عن هذا النص الذي اقره الشعب و نتمسك بنص آخر هو نص المادة 60 من الإعلان الدستوري أصدره المجلس الاعلي للقوات المسلحة بالإرادة المنفردة و الذي منح من خلاله لنفسه الحق في دعوة مجلسي الشعب و الشورى لانتخاب لجنة من مائة عضو لوضع الدستور الجديد ، و نتجادل و نتعارك و نختلف حول تفسير هذا النص في شأن معايير انتخاب تلك اللجنة ، و هذه مأساة أخري.
منذ أكثر من ألف و أربعمائة عام بعث الفاروق عمر برسالة إلي أبي موسي الأشعري قال ضمن ما قال فيها" .. فلا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك و هديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.. " ، ما أحوجنا اليوم وسط هذا الخلاف المستحكم إلي تطبيق هذه الرسالة علي نص هاتين المادتين ، المادة 189 من المواد التسع التي استفتي عليها الشعب في 19 مارس عام 2011 و المادة 60 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس من ذات العام ، إن مراجعة النفس و الهداية إلي الرشد و الرجوع إلي الحق خير من التمادي في الباطل ، و الحق أن إرادة الشعب ينبغي احترامها و إعمالها ، لا اغفلها و إهدارها . إن الحق في قضية الدستور و اللجنة التأسيسية و الخلاف القائم الآن بين كافة القوي الوطنية في مصر هو احترام إرادة الشعب الذي قرر انتخاب رئيس الجمهورية أولا قبل وضع الدستور حين وافق علي نص المادة 189 من المواد التسع الدستورية في الاستفتاء التاريخي يوم 19 مارس عام 2011.