سنسلم جدلا بأن الاستفتاء على التعديلات الدستورية كان شفافا وواضحا، ونسأل: أليس هناك قطاع ممن قالوا «نعم» قالوها بناء على أن التعديلات تقضى بأن رئيس الجمهورية المنتخب هو من سيدعو إلى تشكيل لجنة لوضع الدستور الدائم؟ ألم يكن هناك من ذهب إلى قول «نعم» لأنه فهم أنها تعنى أنها تعنى التعجيل بالاستقرار من خلال انتخاب رئيس للجمهورية يتولى الدعوة لتشكيل لجنة الدستور الدائم؟ إن بعضهم إذا ذكرت أمامهم عبارة «الدستور أولا» ينشبون أظافرهم فى لحم قائلها وسمعته ويلطمون الخدود ويشقون الصدور لأن هذا «الوغد» يريد الالتفاف على الشرعية والاستهانة بإرادة الشعب، ونسأل هؤلاء الغيورين على «إرادة الشعب»: أين كانت غيرتكم وحرصكم على «الإرادة الشعبية» التى تتعاملون معها كقميص عثمان عندما تلاعب الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس بنتيجة الاستفتاء الذى تم فى 19 مارس؟ لماذا لم نسمع لكم صوتا ولم نراكم تلطمون وتنوحون وأنتم ترون أن واحدة من المواد التى جرى الاستفتاء عليها تعرضت للتبديل والتشويه والنسخ والإلغاء، وبدلا من الالتزام بنصها الذى يشترط «أن يكون وضع الدستور الجديد بناء على طلب رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء أو نصف أعضاء مجلسى الشعب والشورى» بنص عبارات المادة 189 التى قالت لها الأغلبية «نعم» فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية؟ لماذا انعقدت ألسنتكم وعميت أبصاركم يا جنود الحق وأنتم ترون هذه المادة تبتر وتشوه بمادة جديدة أقحمت ضمن أكثر من 60 مادة أخرى انشقت عنها الأرض فجأة وأضيفت للتعديلات الثمانى ودخلت الإعلان الدستورى الذى تبنى فى مادته رقم 60 نص المادة 189 مكرر من التعديلات التى أوجبت على الأعضاء غير المعينين بالبرلمان تشكيل لجنة لوضع الدستور الجديد فى إطار زمنى محدد دون إحالة إلى المادة 189 التى أغفلها الإعلان؟ أليست هذه خديعة وإخلالا ببنود العقد بين الشعب وحاكميه؟ أليس هذا باطلا قلبتموه حقا لأنه يخدم أحلامكم ومصالحكم الضيقة؟ وتبقى أسئلة أخرى للمجلس العسكرى: التعديلات التى طرحت للاستفتاء هل كانت على دستور 1971 أم أن ذلك الدستور قد سقط بشرعية ثورة 25 يناير؟ لو كانت ذلك تعديلات على دستور 71 فالمعنى المباشر هنا أن تولى المجلس العسكرى مقاليد الأمور غير شرعى لأنه بمقتضى دستور 71 فإن من يتولى إدارة شئون البلاد فى حالة رحيل الرئيس أو خلعه أو تخليه هو رئيس مجلس الشعب. أما إذا كنتم تعتبرون أن دستور 71 قد سقط بقيام الثورة فإن ذلك يعنى أن المواد التى جرى الاستفتاء على تعديلها بالضرورة سقطت أى أنها باطلة، والمحصلة أن عملية الاستفتاء ذاتها باطلة. وفى الحالتين تكون قد تمت عملية التفاف على إرادة الشعب. وإجمالا فإننا الآن أمام مأزق شديد الخطورة، لأن أحدا منذ البداية لم يستمع لأصوات خبيرة ومحترمة نادت بأن يتم تهيئة التربة وتنظيفها للبناء، غير أن الذين تشاطروا و«تفالطوا» على الجميع أرادوها هرولة واستعجالا وتكالبا على حجز المقاعد قبل أن نصنع القطار.