سلطة محكمة النقض في نقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم في رسالة دكتوراة    بطريرك الكاثوليك في عظة عيد الميلاد: العائلة مكان اللقاء بالله وبداية السلام الحقيقي    مستشار رئيس الوزراء: خطة حكومية لخفض الدين بالتعاون مع البنك المركزي قريبا (فيديو)    الداعشية الصهيونية    مسئول أمريكي: الخيارات العسكرية لا تزال مطروحة في فنزويلا    كيف دافع سام مرسى عن محمد صلاح؟    22 لاعبًا بقائمة الزمالك لخوض لقاء سموحة.. عودة ناصر ماهر    اتحاد السباحة يعلن تجميد نشاطه احتراما لأسرة الراحل يوسف محمد والقضاء المصري    صفاء الشريف ل«الفجر»: 2025 عام الإنجازات الكبرى لمديرية الشباب والرياضة بالإسكندرية    العش: المنافسة في الأهلي تخدم الجميع.. ومطالبون دائما بالفوز فقط    إجراءات جديدة لكنترول الشهادة الإعدادية بالمنوفية لتسريع إعلان النتيجة    الأرصاد تحذر: طقس شديد البرودة وشبورة مائية غدًا الخميس على معظم أنحاء مصر    نهال طايل عن أزمة ريهام عبد الغفور: اللي عمل كده لا عنده دين ولا أخلاق    محافظ القليوبية: توريد الأجهزة الطبية لمستشفى طوخ المركزي تمهيدا للتشغيل التجريبى    أسرة طارق الأمير تتلقى العزاء الجمعة فى مسجد آل رشدان بمدينة نصر    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    بعد إخلاء سبيله.. دفاع شاكر محظور تسديد نص مليون جنيه وإنهاء خروجه غدا    اشتياق.. تحذير.. شكر وتقدير    "التضامن": 54 مليار جنيه دعم تكافل وكرامة.. و4.7 مليون أسرة مستفيدة    وسرحوهن سراحا جميلا.. صور مضيئة للتعامل مع النساء في ضوء الإسلام    شعبة المصورين: وضع ضوابط لتغطية عزاءات الفنانين ومنع التصوير بالمقابر    بحضور مستشار رئيس الجمهورية.. تنظيم اليوم السنوي الأول لقسم الباطنة العامة بطب عين شمس    كوت ديفوار ضد موزمبيق.. شوط سلبي في كأس أمم إفريقيا    رئيس جامعة الأزهر: لدينا 107 كليات بجميع المحافظات و30 ألف طالب وافد من 120 دولة    رئيس الكنيسة الأسقفية يدعو المؤمنين لصلاة الاستعداد ضمن طقوس قداس الميلاد    أمين مساعد حماة الوطن بالجيزة: استمرار قوافل زاد العزة يؤكد ثبات الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية    رئيس الوزراء: مصر كانت بتتعاير بأزمة الإسكان قبل 2014.. وكابوس كل أسرة هتجيب شقة لابنها منين    رئيس جامعة المنصورة ونائب وزير الصحة يوقِّعان بروتوكولًا لتعزيز التطوير والابتكار    القبض على المتهم بإنهاء حياة والدته بسبب مشغولات ذهبية بالمنيا    بالأسماء.. مصرع شخص وإصابة 18 آخرين إثر انقلاب ميكروباص في أسوان    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    محافظ قنا يعقد اجتماعًا موسعًا للاستعداد لانطلاق الموجة ال28 لإزالة التعديات    السكة الحديد: تسيير الرحلة ال41 لنقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    جامعة قناة السويس تعلن أسماء الفائزين بجائزة الأبحاث العلمية الموجهة لخدمة المجتمع    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    النائب محمد رزق: "حياة كريمة" نموذج للتنمية الشاملة والتحول الرقمي في مصر    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    محافظ قنا يستقبل وفد وزارة العدل لمتابعة مشروعات تطوير مكاتب الشهر العقاري    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    عفت محمد عبد الوهاب: جنازة شقيقى شيعت ولا يوجد عزاء عملا بوصيته    قرار جمهوري بتجديد ندب قضاة للجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    190 عامًا من التشريع لرعاية الأطفال.. كيف تصدرت مصر حماية الطفولة عالميا؟    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    «الصحة» تعلن تقديم أكثر من 1.4 مليون خدمة طبية بمحافظة البحر الأحمر خلال 11 شهرًا    محافظ الجيزة يتابع الاستعدادات النهائية لإطلاق القافلة الطبية المجانية إلى الواحات البحرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    "البحوث الزراعية" يحصد المركز الثاني في تصنيف «سيماجو» لعام 2025    وزيرا التعليم العالى والشباب يكرمان الطلاب الفائزين فى بطولة برشلونة    ضياء السيد: إمام عاشور غير جاهز فنيا ومهند لاشين الأفضل أمام جنوب إفريقيا    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    الركلات الترجيحية تبتسم للجانرز.. آرسنال لنصف نهائي كأس الرابطة على حساب كريستال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نادر فرجاني يكتب: الارتباك الدستوري منشأ تنازع السلطات
نشر في الدستور الأصلي يوم 14 - 03 - 2012

د. نادر فرجاني يكتب: الارتباك الدستوري منشأ تنازع السلطات
د. نادر فرجاني

في الاسابيع القليلة السابقة ثار لغط شديد حول العلاقة بين سلطات الدولة الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية ،بسبب عديد من المسائل الخلافية، جاء على رأسها فضيحة تهريب المتهمين الأجانب في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، بينما هم مُقدَّمين لمحكمة مصرية في جناية، خاصة وأن قرار إلغاء منعهم من السفر صدر من دائرة قضائية غير تلك المختصة بالنظر في موضوع القضية، شكلِّت على عجل، وبليلٍ، لتمرير قرار كان قد إتخذ فعلا على ما تبين. وبناء على المناقشات التي دارت في مجلس الشعب المنتخب، وسوء أداء السلطة التنفيذية، مجلسا وحكومة، والمجلس الأعلى للقضاء، تجاه الأزمة التي نشبت وأغضبت، بحق، رجال القضاء الشرفاء ونواب الشعب، إكفهرت حلبة السياسة بجلبة ثارت حول تساؤلات عديدة من صنف:
·هل من حق مجلس الشعب المنتخب سحب الثقة من الحكومة؟
·هل من حق مجلس الشعب التدخل في شئون القضاء؟
·هل من حق السلطة التنفيذية، أي المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومته، أو السلطة التشريعية التدخل في شئون القضاء.
والزعم الأساس هنا هو أن هذا التنازع المضِّر بسلطة الدولة، وبمصالح الناس، لهو نتيجة منطقية للإرتباك الدستوري الذي خلَّفه إساءة حكم المرحلة الانتقالية في مصر بعد ثورة الشعب العظيمة في يناير 2011.
وحيث الذكرى تنفع، فقد علّق المجلس الأعلى للقوات المسلحة العمل بالدستور الذي كان ساريا وقت قيام الثورة، لسبب قاهر، فسريان هذا الدستور ينزع الشرعية عن المجلس وعن تفويض الطاغية المخلوع له بتسيير شئون البلاد.
ثم أتبع المجلس إيقاف العمل بالدستور بالاستفتاء على بعض التعديلات الدستورية التي ركزت على إجراء الانتخابات التشريعية وعلى شروط انتخابات الرئاسة، قبل صوغ الدستور، وكأن الدولة في مصر تختزل، كما هو الحال في نظم الحكم التسلطي، في شخص رئيس الدولة. وقد خضع هذا الاستفتاء للإغواء والترهيب الديني، تحت ستار أن التصويت بنعم هو ضمانة لدخول الجنة في الفانية والباقية، حيث ظن بعض البسطاء، وما زالوا، أن الاستفتاء كان ينصب على المادة الثانية في الدستور التي تنص على كون الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، وليس أبعد عن الحقيقة. كما خضع الاستفتاء للإغواء والترهيب الدنيوي، تحت ستار ان التصويت بالقبول يعنى الاستقرار، وهي للعجب الحجة ذاتها التي كانت تستعملها أجهزة الدعاية للطاغية المخلوع عندما كان يترشح في انتخابات وهمية. في الماضي.
في النهاية، حظي الاستفتاء على التعديلات الدستورية بالموافقة بأغلبية ساحقة، بداع من الإغوائين السابق الإشارة لهما. وبقي الوضع الدستوري في مصر غائما وسديميا، فنصوص التعديل الدستوري لا تكفي وحدها لحكم دولة عصرية مركبة، والدستور السابق معلق بين السريان والتعطيل، حيث ما برح البعض في السلطة وفي المجتمع يحيل إليه بين الحين والآخر باعتباره البنية الدستورية المرجعية.
وتابع المجلس العسكري، في المراسيم بقانون التي أصدرها، تقنين احتكار السياسة، وأكثرية العضوية في المجالس التسريعية القادمة، للأقوى تنظيما والأوفر تمويلا، وعلى رأسهم تيارات الإسلام السياسي، على حين بقيت المرجعية الدستورية للدولة مضطربة.
ثم جاء حل المجلس العسكري للإضطراب الدستوري هو الآخر ملتبسا، ولم يأت شافيا. حيث أصدر المجلس إعلانه الدستوري شاملا المواد التسعة التي جرى الاستفتاء عليها، بعد تحريف بعضها، وإضافة أكثر من خمسين مادة لم يُؤخذ رأي الشعب فيها.
وحيث لا تحظى النصوص الدستورية بالحجية إلا بالموافقة الشعبية، فليس للإعلان الدستوري هذا من حجية إلا فيما يتصل بالمواد الثمان التي وافق عليه الشعب في الاستفتاء، وتضمنهَّا الإعلان الدستوري بنصها من دون تحريف.
لتوضيح القصد، لو كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومعاونوه وناصحوه قبله، قد تبنوا المسار الأصولي السليم لكتابة الدستور الجديد أولا، بدلا من المسار الذي تم تبنيه بعناد ومكابرة، لكان الدستور الجديد قد أوضح كيف تنشأ سلطات الدولة ووضع الحدود بينها بحيث تعمل الدولة بكفاءة ويسر لتحقيق الصالح العام. ولكن طغي الحرص على سيطرة تيارات الإسلام السياسي على الساحة السياسية بأسرع وقت، وعلى اختزال جوهر الحكم في شخص الرئيس الذي يتمتع بسلطات مطلقة، تُفسد مطلقا، كما نص الإعلان الدستوري، وحرص المجلس العسكري على التمتع بهذه الصلاحيات، طغى كل ذلك على اعتبارات سلامة الانتقال إلى الحكم الديمقراطي الصالح بعد الثورة الشعبية المجيدة.
فماذا يكون الحال في ظل البلبة الدستورية التي أنتجها حكم المجلس العسكري للمرحلة الانتقالية عندما تثور قضايا دستورية، مثل التي اشرنا إليها في صدر المقال؟
هنا يتوجب ويصح تبني الأعراف الدستورية المستقرة، وقليل منها متضمن في الإعلان الدستوري، وبعضها وارد في الدستور المعلّق.
وفق هذه الأعراف، ونص الإعلان الدستوري ذاته، يحق لمجلس الشعب المنتخب مراقبة السلطة التنفيذية، وتمتد المراقبة ليس فقط للحكومة، ولكن أيضا إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتباره رأس السلطة التنفيذية في البلد منذ قيام الثورة الشعبية العظيمة. وإن كان مجلس الشعب لم يجرؤ حتى الآن، بداع من تفاهمات سياسية تجري وراء أبواب مغلقة، على إعمال حقه في الرقابة على رأس السلطة التنفيذية، فليس من مانع من أن يُعمل مجلس الشعب المنتخب حقه في سحب الثقة من حكومة المجلس العسكري وفق الأصول المستقرة للرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية.
وإن كان المجلس العسكري قد احتفظ لنفسه في إعلانه الدستوري، في واحد من النصوص التي لم تحظ بموافقة شعبية، والتي تكرس سلطات مطلقة لرئيس الدولة ما كان يجب الإبقاء عليها في نص دستوري ديمقراطي بحق، فإن سحب الثقة من حكومة بأغلبية ضخمة من أعضاء مجلس الشعب المنتخب، يفرض وفق الأصول الديمقراطية السليمة على رئيس الوزراء تقديم استقالته، وإن لم يفعل فيتوجب على المجلس العسكري إعفاؤه. أما أن تخضع الأزمة لمنطق الصفقة السياسية خارج المؤسسة السياسية المنتخبة، ووفق منطق الغنائم السياسية الانتهازية ومقتضيات السمع والطاعة في التنظيمات الدينية-السياسية، فهذا إهدار جسيم لروح الديمقراطية كان يجدر بجميع الأطراف المعنية النأي بأنفسهم عنه حتى تستقيم مواقفهم مع إعلاناتهم المتكررة من احترام الحكم الديمقراطي الصالح.
اما شأن التدخل في القضاء فأمر جلل سنخصص له المقال التالي. ولكن باختصار نقول هنا أن الاستقلال التام للقضاء هو من أهم أسس الحكم الديمقراطي الصالح.
ويعني هذا الاستقلال بداية، الحظر البات لتدخل السلطة التنفيذية في شئون القضاء، خاصة وأن تدخل السلطة التنفيذية في القضاء كان دائما سبيل الحكم التسلطي لإجهاض مبدأ سيادة القانون على الجميع، ومدخلا لإفساد القضاء، وبعض القضاة، تكريسا للحكم التسلطي وحماية لإفساده في الأرض. وفي هذا خطر جسيم من مدخلين. الأول هو أن إقامة العدل واحد من الأركان الركينة للحكم الديمقراطي السليم. والثاني أن اكثر الناس إفسادا في الأرض هم أهل القانون حين يفسدون.
أما بالنسبة للعلاقة بين القضاء ومجلس الشعب المنتخب فالأمر معقّد قليلا. فاستقلال القضاء يعني بداهة تحريم تدخل مجلس الشعب في سير الدعاوى المنظورة أمام القضاء.
ولكن الصلاحيات التشريعية والرقابية للمجلس النيابي المنتخب تشمل القضاء.
ومن ثم فليس من غضاضة في أن ينظر المجلس النيابي في التشريع المنظِّم لمؤسسة القضاء، ولا من غضاضة في أن يراقب أداؤها باعتبارها من مؤسسات الدولة، خاصة حين تقوم شبهة تدخل السلطة التنفيذية في شئون القضاء، كما في حالة قضية التمويل الأحنبي المذكورة، وغيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.