يكتسب هذا الكتاب أهميته، من أن مؤلفته د.لوتس عبدالكريم كانت تجمعها علاقة قوية مع عميد المسرح العربي «يوسف وهبي»، علاقة بدأت منذ أن شاهدته ذات مساء -وهي لم تزل بعد طفلة - يتحرك ك «دون جوان حقيقي» علي خشبة المسرح مخاطبًا السيدات «الناضجات»، وهي مرة أولي وحيدة انقطع بينهما الاتصال المباشر، قبل أن تلقاه مجددًا بعد سنوات طويلة في لندن حينما كان يعالج إحدي قدميه من الكسر، ومن هنا تبدو فصول الكتاب الذي رغم أنه يعاني من «ارتباك» في ترتيب الأحداث فإنه يضم تفاصيل جديدة ومثيرة عن سيرة أسطورة المسرح. في أيامه الأخيرة تعكر مزاج يوسف وهبي كثيرًا لأن الإذاعة بثت خبر وفاته كذبًا ذات مرة، ثم إنه بدأ يشعر بقرب النهاية وهو ما أصابه باكتئاب شديد، تنقل عنه د.لوتس قوله «لا راحة نفسية أبدًا بعد أن فقدت كل ما يريحني.. كانت سعادتي لوقت قريب في قراء مسرحية باللغة الإيطالية كل ليلة، الآن نظري لا يساعدني.. لقد فقدت عينًا من عيني الإبصار تمامًا، وضعفت الأخري لدرجة لا تفيد معها أية نظارة»، المدهش أن الطريقة الوحيدة التي كان يخرج بها يوسف وهبي من حالته هذه، هي أن يذكره أصدقاؤه بأسماء بعض أفلامه ومسرحياته التي ربما مر علي بعضها أكثر من نصف قرن ثم يتركون له تلاوة بعض من الحوار.. بالنص كما هو، وتشير المؤلفة إلي أن آخر مرة التقته فيها ذكرته بفيلم سفير جهنم، فالتبسه الدور من فوره وأخذ يردد الحوار القديم جدا: «بلد تعلم الإنسان الخسة والطغيان، ينفع فيها الفسدان والحية والثعبان».. وكأنه كان يردد للدنيا ملخص خبراته في الحياة! ثمة جانب آخر يكشف عنه الكتاب، وهو ذلك المتعلق بإيمان يوسف وهبي الشديد ب «الروحانيات» حتي إنه وافق ذات يوم علي إجراء عملية جراحية «روحانية» للقولون دون استخدام أدوات طبية أو جراحية!، ثم خرج بعدها ليؤكد أنه أصبح تام الشفاء!، وهو إيمان جعله يردد- بحسب المؤلفة - بأن روح الفنانة الراحلة «أسمهان» قد أتته قبل عرض فيلم «غرام وانتقام» - الذي شاركت في بطولته، لكنها لقيت مصرعها في حادث سيارة قبل الانتهاء منه- لتقول له «مبروك»، ليفاجأ في اليوم التالي بالملك فاروق يمنحه لقب الباكوية داخل أول عرض للفيلم في سينما ريفولي! علاقة المؤلفة لم تقف عند حدود يوسف وهبي فحسب، وإنما توطدت أيضا مع زوجته السيدة سعيدة يوسف والتي تنقل عنها المؤلفة حديثًا دار فوق جبال الألب في جنيف حيث كان عميد المسرح يمتلك منزلاً خاصًا: «كانت أسفارنا تتم بدعوة من الملوك والأمراء والرؤساء وكان مجتمعنا كله بين هؤلاء.. أجل كانت له مغامرات نسائية عنيفة لكني كنت أتغاضي وأتجاهل وأصفح وأنسي لأنه دائمًا يعود لي نادمًا، الشيء الوحيد الذي كان ينغص حياتي هو ولعه بلعب البوكر وخسائره الفادحة التي ذهبت بكل أمواله في أخريات حياته»، هذا هو الجانب الآخر من سيرة فنان الشعب الذي مات عام 1982 وهو لا يملك أي مال تقريبا لدرجة أن شقيقه إسماعيل خصص له مصروفًا يوميًا يقدر ب160 قرشًا رغم أنه قدم 302 مسرحية وشارك في بطولة 70 فيلما، وهو حال دفعه لأن يبيع قصره الفخيم بالهرم تدريجيًا لأصحاب أحد الفنادق، حتي إنه عندما رحل عن الدنيا لم يعد هناك أثر للقصر بالأساس. الكتاب يضم مجموعة من الصور والوثائق المهمة منها مقال كتبه يوسف وهبي وفيه يدعو الجماهير لمقاطعة الأفلام الأمريكية ردًا علي دعمها لقيام إسرائيل علي حساب أرض فلسطين التاريخية قائلا: «إن كل قرش يدفعه العربي لمشاهدة فيلم أمريكي إنما يذهب مباشرة إلي جيب الصهيوني.. إننا نفضل ألف مرة أن نخرب جميعا نحن المشتغلين بهذه المهنة ولا أن تخرب الحمية في نفوسنا».. غريبة فعلاً سيرة هذا الفنان الكبير، تجمع بين جنون الفن وحب الحياة وكل التناقضات الممكنة.. كان إنسانًا حقيقيًا بالفعل. الغلاف: من تصميم حاتم عرفة، صورة بالألوان التي تبدو متسقة مع الزمن الذي يحكي عنه الكتاب، وفيها يظهر يوسف وهبي كما يليق ب «بك»، نظرة ثاقبة، وشعر ناعم، وأسفلها اسمه بالخط العربي الجميل. غلاف جذاب بلا شك يغري جدا باقتناء الكتاب.