بمجرد أن بدأتُ كتابة سلسلة مقالاتي عن الفساد بالمكتبة، بدأت تصلني بطرق مختلفة، مستندات سرية شديدة الخطورة تتعلق بالمكتبة، يرسلها لي مواطنون شرفاء يعملون بجهات أخرى تتعامل مع المكتبة. وصلني محضر اجتماع مجلس أمناء المكتبة في إبريل الماضي (بعد الثورة)، وقد كتبه سراج الدين، وينصّ فيه (في الصفحة 4) وبالخط العريض على أن السيدة سوزان مبارك لاتزال رئيسة لمجلس أمناء المكتبة. كما ذكر في نفس الصفحة من التقرير أنه أرسل للمجلس العسكري لإخطاره بالوضع القانوني للمكتبة وبأن من حق المجلس استبدال سوزان مبارك، والواضح أنه منذ إبريل الماضي رفض المجلس العسكري تغيير سوزان مبارك، لتظل كما كتب سراج الدين في تقريره قائدة لمسيرة المكتبة. المجلس العسكري إذن منحاز تماما لآل مبارك، لأنه يملك حق تغيير قائد المكتبة فلم يفعل. وإذا كان سراج الدين مذهولا من اكتشاف الحساب السري للمكتبة (143 مليون دولار) الذي استولت عليه سوزان، فكيف لا يستقيل مادامت رئيسته حتى الآن! كان تفسيرنا لتمسك المجلس العسكري بسراج الدين هو قربه من سوزان وكونه أحد خيوطها المهمة وكاتمي أسرارها، وسيؤدي سقوطه لسقوط سوزان وباقي رجالها، لأنه أحد مفاتيحها المهمة، وفور تصريحي بذلك نيابة عن زملائي المعتصمين، فوجئت بخطاب سري جدا وقعه سراج الدين في 30 مارس 2011 بصفته أمين صندوق حركة سوزان مبارك للمرأة من أجل السلام وعضو مجلس إدارة الحركة، والتي قرأنا فضائحها في سويسرا واتهامها بغسيل أموال تقدر بمليار دولار لصالح سوزان. ليس ذلك فقط، بل إن سراج الدين بعد الثورة واختفاء سوزان، أصبح صاحب التوقيع الأول على الشيكات بعد أن كان صاحب التوقيع الثاني على الشيكات قبل الثورة (حيث كانت سوزان صاحبة التوقيع الأول قبل الثورة)، طبعا حتى تتمكن من إدارة عملياتها المشبوهة من خلاله هو. لهذه الأسباب طبعا يجب حماية سراج الدين واستمراره وتلميعه أكثر ليتمكن من تنفيذ خطط الهانم واستكمال مشوارها. وقع في يدي أيضا خطاب سري أرسله سراج الدين للجنزوري يقول فيه إن المكتبة تعرضت لهجوم من "المغرضين" الذين يقصد بهم شباب المكتبة المعتصمين، ويزعم أنهم قدموا عددا من البلاغات "المغرضة" أيضا، ويتحدث عن أهميته كمثقف وأهمية سفره لتمثيل مصر في المحافل الدولية، راجيا من الجنزوري رفع الحظر على سفره، وذلك بالمخالفة الصريحة لقرار النيابة، هل نحن في وسية أم في بلد متحضر يحترم سيادة القانون؟ من يظن سراج الدين نفسه ليطلب مخالفة القانون صراحة؟ أين مجلس الشعب من كل هذا الفساد المقزز؟ لا تقل لي الخضيري أرجوك لأن الخضيري له معي شأن آخر ومقال آخر يستحقه كاملا لأنه فيما يبدو نسي تاريخه النضالي الكبير، وبدأ من الآن ينحاز للنظام السابق ممثلا في سراج الدين. لقد وقف الثوار في صف، ووقف في مواجهتهم سراج الدين وخالد غرابة (مدير أمن الإسكندرية) والشرطة العسكرية والخضيري! صدق أو لا تصدق. أين نيابة الأموال العامة التي ننتظر قراراتها فيما يزيد عن السبعين بلاغا عن فساد إدارة المكتبة؟ أشعر بذهول ممزوج بالغضب كلما سألني أحد عن سبب نزولنا يوم 25 يناير. أقول له فورا ما رأيك في شباب ثائرين اقتربوا من اليوم التسعين لاعتصامهم في شتاء الإسكندرية الرهيب، معرضين لجميع أنواع النزلات الشعبية والتهابات المفاصل وتنكيل مدير المكتبة الذي يطالبون برحيله لأنه رأس من رءوس الفساد في مصر، ماذا تريد يا مجلس يا عسكري أكثر من أنه أكد في تصريحات رسمية مختلفة أنه تولى إدارة المكتبة تقديرا للسيدة سوزان مبارك وعطائها، ووصف جمال مبارك في لقاء بجريدة المصري اليوم بأن المصريين ظلموه حين عاملوه كابن للرئيس فلم يقدروا إمكانياته الكبيرة لمجرد أنه ابن الرئيس. ولذا اختاره مبارك عضوا بمجلس الشورى الذي أسقطتْه الثورة، وانضم للحزب الوطني ورتّب لقاءات للجنة الثقافية للحزب مع المثقفين، كما حرص على استقطاب رجال الحزب الوطني ضمن قيادات المكتبة (مثل أمين الحزب الوطني بالإسكندرية سعيد الدقاق الذي يتقاضى حوالي 30 ألف جنيه) ثم حاول تكريم قتلة الثوار أكثر من مرة بالمكتبة، لكن الثوار الأحرار تظاهروا ففشل تكريم أحد المتهمين بقتل متظاهري المنصورة ومدير أمنها السابق، ثم لم يجد حرجا في عمل حوار طويل بجريدة الأخبار يذكر فيه أن النظام السابق وقف ضده في انتخابات اليونسكو، كأنه من ضحايا هذا النظام، فرددتُ بمقال يكشف حقيقته (الذي رأيته مطبوعا ضمن مذكرة إنهاء عملي بالمكتبة!). هناك وثيقة أخرى تفضح العلاقة الوثيقة بين إدارة المكتبة وأمن الدولة، ففي أحد تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات بتاريخ 11 يوليو 2010 وردت مخالفات فاضحة، فموازنة المكتبة التي تأتيها من وزارة المالية تتضمن مبلغا يتم دفعه لأفراد التأمين الخارجي حول المكتبة، من أمناء الشرطة وأفراد الحراسة المتفرغين لحماية المكتبة خارجيا، بشرط موافقة وزير الداخلية على كشوف الممنوحين، فماذا فعلت إدارة المكتبة؟ تجاوزت المبلغ الذي يأتيها ضمن موازنة وزارة المالية لهذا الغرض، ودفعت من أموالها مبالغ شهرية كبيرة ولمن؟ لقيادات الأمن بالإسكندرية، الذين لا يحتاجون أساسا لأي مكافآت ولا يقومون بأي جهد، بعكس أمناء الشرطة والمجندين الغلابة الذين يقفون ساعات طويلة فتدفع لهم المكتبة مبالغ ضئيلة للغاية، لتقبض القيادات والرتب الكبرى آلاف الجنيهات وبدون موافقة وزير الداخلية كما تقتضي اللوائح. لعلك الآن مندهش لهذه الإدارة التي تنافس أخلاقيات أمن الدولة، لكنْ لا تندهش وتعال إلى الطابق الخامس (مكتب الدكتور سراج الدين)، حيث يتم عرض صور مبارك وسوزان وأغلفة كتب تحمل صورهما وكلمات لهما، تحت عنوان مثل "كلمات للتاريخ"، باعتبارهما ملهميْن للدكتور سراج الدين! ورغم أننا استنكرنا ذلك على الجروب المخصص لثورة المكتبة، ثم استنكرته أنا في إحدى مقالاتي المسلسلة، لكن صورهما كما هي في حماية سراج الدين، فماذا أقول؟! لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، فهناك عشرات الملايين من الجنيهات تم إهدارها ولديّ مستنداتها، وكتبت عن بعضها ولا حس ولا خبر من إدارة المكتبة أو من النيابة. هل عرفت الآن لماذا يصر المجلس العسكري على حماية سراج الدين؟ وهل عرفت الآن لماذا سننزل يوم 25 يناير؟ نحب هذا الوطن الجميل ونريد تطهيره.