د. محمود غزلان المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين أتحفنا أمس الإثنين 2 يناير الجارى بكلمات ربما هو يراها برائحة الفتوى . سيادته قرر – نيابة عن كل أهالى الشهداء ومصابى ثورة 25 يناير – أن يرمى لهم , أى لهؤلاء الأهالى شوية فكة , بشرط تكون مُجزية ويبقى " يا دار ما دخلك شر " باعتبار أن دماء الشهداء وإتلاف حياة المصابين والمعاقين بسبب مشاركتهم فى الثورة التى أتت بسيادته وبحزبه للبرلمان , يعنى الحكم , لا تستحق أكثر من المال , لكن لا يقابلها القصاص استنادا لمبدأ " العين بالعين والسن بالسن والنفس بالنفس " . وفى قولة أخرى هو ينفى عن نفسه أن يكون مساوياً بين من أزهقوا الأرواح فى يناير ( عصابة مبارك التى تجرى تبرئتها علناً فى مسرحية دنيئة ) ومن أزهقوا الأرواح طوال السنة الماضية وهم ذيول مبارك الكلب العسكرية والبوليسية ولا نصدق أنهم لن يزهقوا المزيد من الدماء فى الشهر الجارى ربما يوم 25 أو بعده أو فى أية فرصة تهب فيها الجماهير من أجل حقوقها . د. غزلان يفتى بما لا حق له فيه أصلاً , على الرغم من إدعائه أن لا استعداد لإفلات مبارك من إزهاقه لأرواح المصريين باعتبار المخلوع ضد الثورة لكن المشير والجيش ليسا كذلك . حقيقة أحتار من وجهة النظر تلك فربما هو يرى كل الشهداء والمصابين من بعد تنحى المخلوع , مجرد كائنات فوتوشوب , وحتى " فتاة التحرير " التى انتهكوها وتلوذ بشئ واحد , وهو عدم شهرتها أو تصوير وجهها أو معرفة اسمها , حتى تلك الفتاة التى عرونا جميعاً فيها , وبالأصدق , عروا أنفسهم , هو ربما لن يمنحها من بعض " الفكة " التى يتلقاها حزبه الممول من الخليج والسعودية بلا تدخل من أجهزة الداخلية والعسكرية الأمنية , فربما هو من فريق ذلك المخلوق الذى يسمى نفسه داعية إسلامى خالد عبد الله وبعض مخاليق وقيادات جماعة الجهاد الإسلامية المصرية الذين لا يكفون عن رجم المحصنات بأسئلة منحطة من نوع " وإيه اللى وداها هناك " أو نظرية "الكباسين " الأشد انحطاطاً ولا إنسانية . وطالما تسود نظرية " وإيه اللى وداها " ؟ , فلن تكون للمنتهكة وقتها أية حقوق , بما فيها الدية التى – بحسب علمى – لا تكون فى الإسلام على القتل العمد وإنما فى القتل الخطأ . وليس كل شئ يُشترى بالمال أو يُعوَض به يا د. غزلان . إذا كانت لك بنات ستعرف هذا . ويكفى أن تحاول استنقاذ إنسانيتك بتخيل لو أن زوجتك تعرضت لما ليس فى الحسبان , لا قدر الله , ماذا ستقبل مقابل هتك عرضها فى الشارع وأمام كاميرات التليفزيون ؟ . ولو ابنك تم قتله أو إعاقته بيد من تتوسط لهم عند الشعب الآن لتكمل وحزبك صولاتكم وجولاتكم الانتخابية , ماذا ستفعل ؟ . هل تقبل الدية ؟ أم أن السؤال لا يمكن طرحه أصلاً طالما الصفقات تجرى تحت الطاولات منذ يناير بينكم وبين العسكر حتى صرح د. صفوت حجازى بما يعنى " وفيها إيه لما نعمل صفقة مع العسكرى"؟. . ولأن الرجل يرى أن كل جريمة فى حق الوطن , طالما لا تحدث لعائلته أو تستهدف حزبه , يمكن التعامل معها بمنطق أخلاقى وضيع وصغير هكذا ," وفيها إيه " ؟ , لا يبقى إلا أن نرد عليكم , بدون أن ينيبنا أهالى المكلومين الذين يدركون ويرون قتلة أولادهم يُكرَمون ويُضرب لهم " تعظيم سلام " ويرون المشير يشهد لهم بما يقود لتبرئتهم , بل ويتم الاعتداء عليهم أى على هؤلاء الأهالى وإهانتهم , كما رأينا فى فصول خزى الشرطة والأمن لدى تعاملها معهم أمام قاعة مسرحية المحاكمة . طب بلاش الفرضية التى اخترتها عنواناً للمقال .. لأنها رغم منطقيتها ومشروعيتها تبدو مستفزة . بلاش يا د. غزلان , يا من تحكم فينا وفى أهالى الشهداء من قبل انتهاء الانتخابات , وبلاش " لو كان ابنك ؟" , ولكن حتى لو كان القتلى والشهداء والمصابين – وأعلم أن هذه أصعب على خيالك- فأنتم لم تشاركوا فى مسيرات ومليونيات ضد ممارسات الجيش والمجلس العسكرى وهددتموه فقط حين لوّح بوثيقة " السلمى " ملتفتين عن المحاكمات العسكرية للمدنيين وعن كشوف العذرية للبنات والنساء بكل ملابساتها وقسريتها وعن التعذيب فى السجون بعد الثورة وعن النتائج شبه المؤكدة لبراءة المخلوع بوزارته ورجاله التى بدأت تلوح منذ شهادة المشير لصالحه ومنع إذاعة المحاكمات بناء على طلب محامى المخلوع , والتفتّم عن شهداء ماسبيرو ربما لأنهم فى نظركم ليسوا مسلمين فكيف يُعقل أن تصطدموا مع المجلس العسكرى بسبب من ترونهم كفاراً ؟ , وكيف يمكن أن تنتقدوا المجلس وهو لا يمس شعرة منكم ؟ , بل وقد أتاح لكم , بفضل الثوار الذين يلعنهم ويتم تشويههم من شهور بكل تبجح إعلامى ورسمى , وبإيماءات وتلميحات خبيثة كأن الزمن لم يمر من يناير قبل التنحى , أقول أن المجلس أتاح لكم بفضل لجنة التعديلات الأسطورية فرصة تاريخية لانتهازيتكم وبدلاً من أن يتم إلغاء الدستور لأن دماء المصريين أُريقت لأجل دستور وحياة جديدة , منحكم المجلس فرصة تعديل ما يؤدى آخر المطاف لوصولكم السلطة – هدفكم الأعلى منذ ما قبل ثورة يوليو . ولما لم يكن من بينكم مفقوء الأعين أو منَتَهَك العرِض أو معاق أو شهيد بيد العسكر والداخلية , والضحايا فى صفوف " خصومكم وأعدائكم " الفكريين فكيف نتوقع أن تثوروا لأجل حقوق هؤلاء المواطنين الذين يود الكثير من أعضاء وأنصار التيار الإسلامى سحلهم وتنفيذ عقوبات سيكوباتية عليهم باسم الشرع ؟ . مع هذا لا أصدق كثيراً ما أُشيع الأيام الماضية عن حكاية صفحة الفسيبوك المنشقة عن حزب النور والرامية إلى تطبيق الشريعة الإسلامية فى الشوارع على أى مواطن أو مواطنة وأُرجح أن الفلول قد تكون وراء هذا الترويع للجميع ضمن مسلسل فاجر لدفع البلاد إلى حافة الحرب الأهلية عبر خلق توترات طائفية واحتقانات تحقق هدفهم , وليس فقط للإساءة لحزب النور . وقبل أن نعود لموضوع المقال وسؤاله – فى العنوان – لا بد من الإشارة إلى معلومة أهداها إلىّ صديق من شبرا حيث حدثنى عن انتشار وعود على لسان المرشح الإخوانى حازم فاروق فى منطقة الساحل بشبرا إذ يعد البسطاء بأشياء من قبيل توفير 150 ألف وحدة سكنية ومجمعات خدمية لأراضى فارغة , ثمن قطعة الأرض الواحدة منها يتجاوز 10 مليون جنيه ويُشاع أنه بدأ فى جمع توقيعات وصور من بطاقات المواطنين وأرقام تليفوناتهم حتى أن صديقى المحاسب يطرح سؤالاً : إذا كان حقيقى كل ده من أين يأتى التمويل ؟ . وإذا كان كذب , فلماذا الوعود الكاذبة التى لن تُنَفذ ؟. أظننا عرفنا الإجابة بالنسبة لسؤال صديقى الأول , يعرفها العسكر من زمن ويريحون ضمائرهم بأن يقولوا لها أشياء من قبيل : نحن نأتى للشعب بمن يريدهم . وطبعاً لا يخفى على أحد الانسجام بين العقلية العسكرية وتلك المُسيسة دينياً ولن أقول الدينية بالضرورة , فكلاهما انضباط وسمع وطاعة لأوامر فى اتجاه واحد . إنها هيراركية القسوة . نعلم أن الجيش لو طبق قانونه العسكرى على بعض عناصره التى انتهكت الأعراض وقتلت الأنفس وأهانت الكرامة , سيكون العقاب شديداً صارماً وهذا هو العدل , لذا اختار المجلس العسكرى ورئيس الوزراء الذى لم نختره وأنا شخصياً لم أقبل به منذ طرح اسمه .. اختار الإنكار . لم يحدث شئ وكلنا واهمون والكاميرات تكذب والمؤامرة خارجية ولها أذرع داخلية مندسة ربما من بينها المناضلة المحترمة جميلة إسماعيل التى تواجه " وفد " صفقات البدوى منذ ما قبل الثورة , ولم يكفهم عدم فوزها فى الانتخابات أمام مرشحى الإخوان , لا بد من تلويث نهائى ومطلق للسمعة بإدعاءات التمويل . وحين يهتف الساقطون القَتَلة ضد حقوق الإنسان فى الميادين المفتعلة , التى تم اختلاقها لإظهار أن لكل ميدان ثورته ولكل مليونية شوية " بونبون " وكفى , كما كان يفيدنا المرشح المحتمل للرئاسة الفريق شفيق يا راجل الذى يأتى " مستحلفاً " للشعب الذى رفضه رئيساً للوزراء فيريد حكمه رئيساً لينتقم مثل الرئيس الذى عينه, حين يهتف الساقطون ضد حقوق الإنسان فى المقالات وهم من وجبت محاكمتهم فى الشهور الأولى للثورة على سبها ولعنها , وحين يخرج علينا إسلاميون كالدكتور غزلان يفتون بأن " الجماعة لا تمانع فى منح أعضاء المجلس العسكرى حصانة من المحاكمة , تكريماً لهم إذا كانت لديهم رغبة فى ذلك عن طريق سن قانون بمجلس الشعب بعد توافق القوى الوطينة عليه " فنحن سنرد عليه بأن التكريم لا يكون للقاتل . هذه واحدة , والثانية يا دكتور , هى أن مغزى كلامك هو أن مجلس شعبكم الإخوانى السلفى سوف يسكت عن عدم صدور أحكام على مبارك ورجاله بل ربما أنتم قبلتم أصلاً صفقة تعطيكم البرلمان مقابل عدم فتح حنككم على تبرئة قتلة شهداء الثورة ومن بعدهم من شهداء حتى اللحظة . وتريد سيادتك لأموال السعودية أن تكمم أفواه أهالى الشهداء والمصابين ؟ . ولنذهب بغيظنا كلنا إلى الجحيم الذى يستحقه القتلة ؟ . خسئ اقتراحك التمهيدى وأفكارك التى تمالئ أهل الحكم وأصدقاء المرحلة الانتقالية . هل تنوى استغلال فقر بعض أسر الشهداء ؟ . يمكن أن يكون الإنسان فقيراً ويظل يرفض عرضك القبيح اللا إنسانى . ثم لو قبل الفقراء , ماذا عن الأهالى الموسرين الذين لا تُعوضهم أموال الأرضين عن ظفر واحد من أولادهم ؟ . كيف ستحل مشكلة هؤلاء وكل من يرفضون عرض القرن الذى تجرأت على التفوه به بعد كسب حزبك الانتخابات ؟ . كانت حقارة أحد المواطنين الذين لا أتذكر وجوههم ولا أعرف اسمهم ليلة رأس السنة وأنا أنتظر جريدة معينة عند بائع الجرائد بادية . الرجل كان يشتم " بتوع التحرير " ويدعى أنهم " يقلدون كل شئ " و" أنهم سيس " و" بتوع كُلّة " وفى الخيام , ثم شرع يسرد أحد الأحاديث التى حفظها عن ظهر قلب ولم أسمع ذلك الجزء من ضوضاء الشارع . جادلت بائع الجرائد بعد ذهاب الرجل الذى يوقن أنه مسلم عظيم . ارتعش جسمى وأنا أسمع أغنية " ضحكة المساجين " لعلى الحجار فى التليفزيون حين عدت المنزل . كان التحرير هو الحب الذى لا يعرفه الرجل سارد الحديث النبوى , الذى تناسى حديثاً آخر : " افشوا السلام بينكم " . وكان التحرير هو الدم السابق فى يناير والقادم , لا أعرف متى . الثورات تقوم بسبب الظلم . تقوم لأجل إرساء مبادئ ودساتير وقوانين جديدة تستبدل المحاباة بالمساواة والفساد بالعدل . إن عدم إصدار أحكام على قتلة الثوار فى ثورة 25 يناير وكل الشهداء بعدها - إذ يبدو أن كل ما حدث هو زيادة الشهداء فقط – يعنى أن الثورة لم تتحقق بعد , لم تنتصر للمعنى الأول لنجاحها وهو إسقاط القتلة إذا كانوا حكاماً آلهة ومحاكمتهم كبشر ومعاملتهم بلا تمييز وأن تكون هناك أحكام رادعة ضدهم بقضاء كان يجب تطهيره أولاً ومع توفير إرادة سياسية لمعاقبتهم والقصاص الفعلى من المذنبين من أعلى وحتى أسفل السلم الاجتماعى والوظيفى والاقتصادى . لا أحد فوق القانون , هذه فقط هى الديمقراطية التى أفهمها وأمتثل لها . فإذا كان حزب الميزان قد " طب ميزانه " منذ ما قبل واقعة انتهاك جسد مصرية فى الشارع بأيدى الجيش , وسقط الميزان تماماً من يده بامتناعه عن نزول الشارع فى مليونية " رد الشرف – حرائر مصر " والآن يساوم على دماء الشهداء لأنهم ليسوا منه فكيف يريدنا أن نصدق أنه سيأتى حقاً بالحلم المزدوج : الحرية وقال إيه ... العدالة !؟ .