لامني بعض الأصدقاء في تعليقهم على مقالي السابق لأنني أكدت أن الإنتخابات البرلمانية القادمة (في أغلب ظني) سوف يتم تزويرها أو على الأقل سوف تجري بطريقة مليئة بالتجاوزات وبعيدة عن النزاهة والشفافية .. وكم أتمنى أن يكون ظني خاطئا ويكون أصدقائي محقين .. ولكن هناك معطيات واضحة على الأرض تؤدي إلى نتائج قاطعة حول مستويات الشفافية والنزاهة التي ستجري فيها الإنتخابات في الواقع أن الضمانه الوحيدة التي تمت إضافتها إلى منظومة العملية الإنتخابية التي ورثناها عن الرئيس المخلوع هي الإشراف القضائي المباشر على كل صندوق .. وهذا يجعل من الصعب حدوث عمليات تزوير (فقط) داخل اللجنة الإنتخابية بطريقة تسويد البطاقات وتصويت الغائبين والأموات .. ولكن هذه الضمانة الوحيدة لن تمنع حدوث تجاوزات أخرى عديدة خارج اللجنة الإنتخابية .. لن تمنع أن يتمكن عشرين بلطجيا من منع المئات من التصويت أو عرض مزاد "الورقة الدوارة" على الفقراء الذين قد يعرضون أصواتهم للبيع .. هناك معطيات عديدة تجعل العملية الإنتخابية أبعد ما تكون عن النزاهة والشفافية وذلك بسبب العوامل التالية : أولا : إستمرار حالة الطوارئ : في مارس الماضي وعندما كان المجلس العسكري يعيش في حالة المهادنة مع قوى الشارع وكان يدعي أنه قد حمى الثورة .. خرجت تصريحات واضحة من أعضاء المجلس تبشر بإنهاء حالة الطوارئ قبل إجراء الإنتخابات البرلمانية "حتى تتم في جو من النزاهة والشفافية" وذلك طبقا لنص تصريحاتهم .. معنى ذلك أنهم يعلمون ويدركون أن إجراء الإنتخابات في ظل مد العمل بحالة الطوارئ (بالمخالفة للإعلان الدستوري الذي أعلنوه بأنفسهم) يعني أن تتم الإنتخابات في جو لا تسوده النزاهة والشفافية .. وبالتأكيد فحملات الإعتقالات التي تتم ضد الناشطين وإحالتهم إلى المحاكم العسكرية لا تهيئ أي جو مناسب لسيادة النزاهة والشفافية .. كما أن رفض الرقابة الدولية ومطاردة الإعلاميين والرقابة على الصحف عمليات لا توحي بأن هناك أي رغبة في أي نوع من الشفافية ثانيا : استمرار الإنفلات الأمني : لا جديد في الحالة الأمنية بمصر .. الشرطة مازالت "مقموصة" من الشعب .. ورجالها يكررون على مسامع الجميع في كل مناسبة وأحيانا بدون مناسبة المقولة الفلولية الخالدة : "خللي الثورة تنفعكم" .. ورغم تخاذل أداء الشرطة فيما يخص مكافحة الجريمة أو تحرير المحاضر إلا أنها عادت بقوة لتنشط في الإتجاه الآخر .. إتجاه القمع والتخويف.. ومن عصام عطا "بتاع سجن طرة" إلى معتز سليمان "بتاع 6 أكتوبر" تتراكم الأحداث والجثث وحالات الإنتهاك والتعذيب لتؤكد أن "بتاع" النظام عمرة ما ينعدل ولو علقوا فيه قالب كما يقول المثل الشعبي القديم الحكيم ثالثا : ثورة الفلول لا يعني العزل السياسي فقط منع نواب الوطني الذين نجحوا بالتزوير والبلطجة في كل الإنتخابات المباركية السابقة (فهم أهون من أن يسببوا مشكلة ولو كانوا يمتلكون أي شعبيه ما لجأ النظام للتزوير من أجل إنجاحهم).. ولكن الأهم من ذلك هو تقليم أظافر البلطجية وسماسرة الإنتخابات الذين كانوا يقودون حملاتهم الإنتخابية .. هؤلاء البلطجية والأرزقية هم الذين يجب التعامل معهم بشكل حاسم فهم الذين يجيدون كل ألاعيب الإنتخابات القذرة ويحركون العنف في موقف العنف والمال في موقف المال وحرب الشائعات والترهيب والإبتزاز عندما يفشل العنف والمال .. أجهزة الدولة تعلمهم جيدا وتستطيع أن تحصر خمسة أو عشرة أسماء في كل دائرة كانت تمارس مهمة سمسار الإنتخابات لصالح الحزب الوطني .. وما أيسر مهمة القبض على هؤلاء خلال فترة الإنتخابات خاصة أن معظمهم من المسجلين لو أرادت الدولة فعلا تنظيف المشهد الإنتخابي من البلطجية رابعا : عودة النظام القديم لن أتحدث فقط عن التباطؤ والتواطؤ في عملية التغيير والمحاكمات والإنحياز ضد قوى الثورة واعتقال الثوار ومطاردة الإعلاميين الجادين والمحاكمات العسكرية للمدنيين.. لن أتحدث عن هذا كله وإنما سوف أذكركم فقط بأحداث مذبحة ماسبيرو .. فالنظام الذي يكذب بهذه البجاحة ،والإعلام الرسمي الذي ينحاز بهذه الوقاحة من المستحيل أن يقدم للشعب في النهاية إنتخابات حرة ونزيهة وشفافة كل هذه الأسباب تجعل من الواضح والمؤكد أن المجلس العسكري لا يريد للإنتخابات أن تجري في أجواء نزيهة وشفافة .. وإنما يتركها لتتم تحت سطوة قانون الطوارئ والإنفلات الأمني وبلطجة سماسرة الإنتخابات المحترفين وإنحياز الإعلام الرسمي وإحكام قبضة المال وأصحاب النفوذ القديم على الإعلام الخاص .. إنتخابات لا يتمكن عُشر المقيدين في الجداول من التصويت بحجة وجودهم خارج الوطن .. ولكن .. من الذي سيقوم بتزوير الإنتخابات .. ولصالح من .. وكيف تتسق هذه الفرضية مع الحقيقة المؤكدة التي أشرت إليها في مقالي السابق والخاصة بأن البرلمان الجديد لن تكون له أي صلاحيات حقيقية من أي نوع وأنه سيكون منافسا للسيد عصام شرف على لقب "خيال المآتة" .. هذه التساؤلات سوف أحاول أن أناقشها في المقال القادم