استكمالا لمقالي السابق عن الدم المصري المراق في ماسبيرو، حيث دعوْتُ المحامين والحقوقيين القادرين على المبادرة لمقاضاة هيكل وإعلامه بتهمة التحريض على قتل المصريين، استكمالا لهذه الدعوة سأقوم في هذا المقال بمحاولة مقرفة لتحليل موقف محافظ أسوان اللواء مصطفى السيد، لأن هذا الرجل في رأيي مسئول عن تلك الكارثة، لكن، حين استعنتُ على الشقا بالله وبدأتُ أستمع لمداخلاته الهاتفية في بعض البرامج وأتابع تصريحاته، حين فعلتُ ذلك رأيتُ أن هذا الرجل يمثل مظهرا صارخا لحالة الانحطاط والتهاوي التي يقودنا إليها السيد شرف بإصرار غير مسبوق. قلت من قبل إنه لم يضر رجل بشعبه في لحظة تاريخية فارقة كما أضر بنا شرف في لحظتنا الجميلة بعد الثورة. وحتى أشرح لك رأيي بوضوح، أريد أن أكرر لك ما قلته في مقالي السابق من أن الثورة تنقذ الشعب الثائر إذا استطاع هذا الشعب أن يغير "العقلية" الفاسدة التي أدارت الوطن فدمّرته. بمعنى أننا لم نقم بالثورة حتى يتحمل شرف مسئولية القرارات التي كان سيتخذها نظيف إذا استمر على رأس الحكومة، لأن هذه القرارات وتلك العقلية ضيّعتنا منذ عشرات السنين، نحن قمنا بالثورة ليقرر شرف والمجلس أن ينتخب المصريون محافظيهم فنكتشف محافظا ناجحا مثل رجب طيب أردوغان الذي فاز بانتخابات بلدية إسطنبول عام 1994 ليبدأ إصلاحات وسياسات قوية أبهرت الأتراك فانتخبوه رئيسا. طيب إذا أراد شرف والمجلس أن يختاروا هم المحافظين، فكيف يختارون رجلا مثل مصطفى السيد؟ لقد أصابني الذهول عندما شاهدتُ هذا المقطع على اليوتيوب، ولم أمنع نفسي من التساؤل: ما المؤهلات التي تجعل هذا الرجل محافظا؟ الحقيقة أنه لا يمكن حتى أن يكون سكرتيرا لمحافظ. تأملْ خصائص هذا "اللواء"، وفكرْ في سبب عنفه وشخطه ونطره مع المذيعة المهذبة. هذا اللواء لا يمكنه أن يدير حوارا محترما مع أحد، ولا أن يفكر في شيء مما يقوله الآخر له ولو من باب المجاملة والتأدب. لاحظ أيضا كيف يفهم المحافظ كلمة "القانون"، وكيف يتهرب من أي مسئولية عن تداعي الأحداث وتغييب القانون حتى اشتعل الموقف، حيث ترك زمام المشكلة بأيدي المتعصبين ورجال الدين الجهلة مثل الشيخ الذي أمّ الشباب يوم الجمعة وحرّضهم على تنفيذ القانون بأيديهم وهدم الجزء المخالف من الكنيسة التي يصر الباشا المحافظ على أنها ليست كنيسة رغم أنها كذلك منذ سبعين سنة، وكذلك القس الجاهل الغوغائي الذي هدّد المشير طنطاوي في مقطع اليوتيوب الشهير، وتوعّد بقتل محافظ أسوان. لاحظ في الفيديو كيف يتهرّب الرجل المسئول عن محافظة كاملة من تحمل مسئولية بناء مبنى. الجريمة الأكبر من كل ذلك هي إصرار اللواء على أنه كل شيء زي الفل وتمام التمام وإصراره في هذا اللقاء وغيره على أنه ليس هناك أي أزمة بين المسلمين والمسيحيين، لدرجة أنه ينهر المذيعة ويتهمها بأنها تنتمي للإعلام المهيّج الذي يخلق الفتن ويروّج الإشاعات لمجرد أنها أشارت إلى وجود احتقان واضح بسبب أزمة الكنيسة (كل ذلك قبل مأساة ماسبيرو). لا يريد هؤلاء المسئولون أن يدركوا أن الشعب ليس (بريالة) وأنه يمكنه أن يميز الأمور، وأن ثقافة "كله تمام يا باشا" قد انتهت. ماذا لو أن السيد اللواء كان صادقا مع نفسه ومعنا، فاعترف بأن مرور الأيام دون تطبيق للقانون، وترك المشكلات تتفاقم أمر كارثي، لأن وظيفة الدولة أو الحكومة في أي مجتمع هي ألا تسمح للغوغاء والسفلة بتولي زمام الأمور ليحلوا المشكلات بأيديهم. الغريب أن السيد اللواء لم يكتف بسلبيته هو، بل ساهم بتصريحاته في إشعال النار، حين نفى مثلا أن الكنيسة كنيسة وقال عنها إنها مضيفة، رغم علمه بأنها كنيسة فعلا حتى لو كان اسمها على الورق مضيفة، لأن الأوضاع العبثية التي سادت في مصر أدّت لتحريف الأسماء والمسميات بسبب التعقيدات الإدارية والرشاوى والروتين المريض. أخيرا: هل تتخيل أن يقول محافظ إحدى محافظاتنا المهمة للمذيعة: إنت عايزة تتكلمي وخلاص. ويكررها أكثر من مرة بصفاقة غير مقبولة، ثم يغلق الخط بجلافة في وجهها؟ السيد اللواء يعتقد أن المواطن لا قيمة له، والله يرحم رئيس الوزراء البريطاني (كاميرون) الذي تحدث بشكل غير لائق عن سيدة إنجليزية دون أن ينتبه إلى أن الميكروفون معلق في سترته، فهاجت الدنيا عليه حتى اضطر للذهاب للسيدة في بيتها وتكرار اعتذاره لها لمدة 45 دقيقة متواصلة. من المسئول عن كل ذلك؟ السيد شرف مرة أخرى الذي لا أدري ما الذي جعله يدلق ماء وجهه في الطين ويصر إصرارا مدهشا على الالتصاق بكرسيه وبأي ثمن. هذا هو لينك الحوار مع السيد اللواء: http://www.youtube.com/watch?v=VLhxSe6kV9o&feature=related وفي حوار آخر مع الإعلامي وائل الإبراشي، يردد اللواء ادعاءاته ذاتها، وينطق لفظ فيس بوك هكذا: (ڤيزبوك).. تلك هي ثقافة الباشا المحافظ. وحتى أنهي هذا المقال الكئيب، أريدك أن تدخل على موقع محافظة أسوان لتقرأ السيرة الذاتية للسيد مصطفى السيد، ثم اسأل نفسك: هل في هذه السيرة ما يمت بصلة لمنصب "محافظ"؟ http://www.aswannews.com/alsaera.htm الآن خذ هذه الوكسة: في هذا المقطع استمع لتصريح المستشار نهى الزيني بأن لجنة العدالة الوطنية أوصت منذ يوم الثلاثاء السابق على الكارثة بإقالة محافظ أسوان فورا، واسمع كلامها ورأيها في هذا الرجل: http://www.youtube.com/watch?v=wSWX4gQ05dM&feature=related يا عصام يا شرف، أنت قاتل، لأنك قتلتَ بتواطئك عشرات الشباب المصريين (من الجيش والمدنيين) في ليلة واحدة. انظر في يديك جيدا وستجدهما ملطختين بالدماء، إن كان لايزال لديك شيء من "النظر". يا شرف، الإحساس نعمة والله.