تنسيق الثانوية العامة 2025 ..شروط التنسيق الداخلي لكلية الآداب جامعة عين شمس    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر و10 أيام عطلة للموظفين في أغسطس    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 1 أغسطس 2025    5 أجهزة كهربائية تتسبب في زيادة استهلاك الكهرباء خلال الصيف.. تعرف عليها    أمازون تسجل نتائج قوية في الربع الثاني وتتوقع مبيعات متواصلة رغم الرسوم    إس إن أوتوموتيف تستحوذ على 3 وكالات للسيارات الصينية في مصر    حظر الأسلحة وتدابير إضافية.. الحكومة السلوفينية تصفع إسرائيل بقرارات نارية (تفاصيل)    ترامب: لا أرى نتائج في غزة.. وما يحدث مفجع وعار    الاتحاد الأوروبى يتوقع "التزامات جمركية" من الولايات المتحدة اليوم الجمعة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. مستندات المؤامرة.. الإخوان حصلوا على تصريح من دولة الاحتلال للتظاهر ضد مصر.. ومشرعون ديمقراطيون: شركات أمنية أمريكية متورطة فى قتل أهل غزة    مجلس أمناء الحوار الوطنى: "إخوان تل أبيب" متحالفون مع الاحتلال    حماس تدعو لتصعيد الحراك العالمي ضد إبادة وتجويع غزة    كتائب القسام: تدمير دبابة ميركافا لجيش الاحتلال شمال جباليا    عرضان يهددان نجم الأهلي بالرحيل.. إعلامي يكشف التفاصيل    لوهافر عن التعاقد مع نجم الأهلي: «نعاني من أزمة مالية»    محمد إسماعيل يتألق والجزيرى يسجل.. كواليس ودية الزمالك وغزل المحلة    النصر يطير إلى البرتغال بقيادة رونالدو وفيليكس    الدوري الإسباني يرفض تأجيل مباراة ريال مدريد أوساسونا    المصري يفوز على هلال الرياضي التونسي وديًا    انخفاض درجات الحرارة ورياح.. بيان هام من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    عملت في منزل عصام الحضري.. 14 معلومة عن البلوجر «أم مكة» بعد القبض عليها    بعد التصالح وسداد المبالغ المالية.. إخلاء سبيل المتهمين في قضية فساد وزارة التموين    حبس المتهم بطعن زوجته داخل المحكمة بسبب قضية خلع في الإسكندرية    ضياء رشوان: إسرائيل ترتكب جرائم حرب والمتظاهرون ضد مصر جزء من مخطط خبيث    عمرو مهدي: أحببت تجسيد شخصية ألب أرسلان رغم كونها ضيف شرف فى "الحشاشين"    عضو اللجنة العليا بالمهرجان القومي للمسرح يهاجم محيي إسماعيل: احترمناك فأسأت    محيي إسماعيل: تكريم المهرجان القومي للمسرح معجبنيش.. لازم أخذ فلوس وجائزة تشبه الأوسكار    مي فاروق تطرح "أنا اللي مشيت" على "يوتيوب" (فيديو)    تكريم أوائل الشهادات العامة والأزهرية والفنية في بني سويف تقديرا لتفوقهم    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    الزمالك يهزم غزل المحلة 2-1 استعدادًا لانطلاقة بطولة الدوري    اصطدام قطار برصيف محطة السنطة وتوقف حركة القطارات    موندو ديبورتيفو: نيكولاس جاكسون مرشح للانتقال إلى برشلونة    مجلس الشيوخ 2025.. "الوطنية للانتخابات": الاقتراع في دول النزاعات كالسودان سيبدأ من التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء    «إيجاس» توقع مع «إيني» و«بي بي» اتفاقية حفر بئر استكشافي بالبحر المتوسط    مجلس الوزراء : السندات المصرية فى الأسواق الدولية تحقق أداء جيدا    فتح باب التقدم للوظائف الإشرافية بتعليم المنيا    رئيس جامعة بنها يصدر عددًا من القرارات والتكليفات الجديدة    أحمد كريمة يحسم الجدل: "القايمة" ليست حرامًا.. والخطأ في تحويلها إلى سجن للزوج    فوائد شرب القرفة قبل النوم.. عادات بسيطة لصحة أفضل    متى يتناول الرضيع شوربة الخضار؟    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    حركة فتح ل"إكسترا نيوز": ندرك دور مصر المركزى فى المنطقة وليس فقط تجاه القضية الفلسطينية    أمين الفتوى يوضح أسباب إهمال الطفل للصلاة وسبل العلاج    الداخلية: مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة خلال مداهمة أمنية بالطالبية    الإفتاء توضح كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير الخارجية الفرنسي: منظومة مساعدات مؤسسة غزة الإنسانية مخزية    ممر شرفى لوداع لوكيل وزارة الصحة بالشرقية السابق    رئيس جامعة بنها يشهد المؤتمر الطلابي الثالث لكلية الطب البشرى    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جابر عصفور‏(1)‏
جمال مبارك حالة ميئوس منها ولم يكن يصلح رئيسا
نشر في الأهرام المسائي يوم 27 - 08 - 2011

إلي وقت قريب كان جابر عصفور هدفا للنفاق‏,‏ واليوم يلزم الرجل بيته بعيدا عن الكرسي‏,‏ مكتفيا بما يكتبه‏.‏ ولعله‏,‏ وهو يحصي أرباحه.
يستشعر أنه كان في الجانب الخاسر‏.‏ في العزلة لا يمكن أن نغالط أنفسنا بشأن خياراتنا‏!‏
ذهب عصفور خلف أحلامه وراح يغذيها بطريقته‏.‏ والمفارقة أن ما انتظره‏,‏ بفارغ الصبر‏,‏ حصل عليه في ظرف صارت فيه الأحلام أشبه بالذنوب‏,‏ بحيث لايمكنك التسامح أو النسيان‏.‏
ليس الفعل السيئ هو الذي ينتقم منك‏,‏ كما يقولون‏,‏ بل العواقب وترك عصفور مواقف وتقلبات شائكة جعلت كثيرين كلما نظروا في عشه رأوا أخطاء تتكاثر‏.‏
جابز‏,‏ منذ تولي المجلس الأعلي للثقافة عام‏1993,‏ إلي أن قدم استقالته كوزير‏,9‏ فبراير‏2011,‏ ظل يخصم من رصيد الناقد لصالح السياسي‏,‏ والحاصل أن الناقد انكمش ولم يعمر السياسي أكثر من أسبوع‏.‏
علي أن السؤال الكبير المعلق في رقبة عصفور هو‏..‏ إلي أي حد يحق له أن يخذل جماعته ويتحدث مع ذلك باسمها‏,‏ يستأنس المثقفين ويتغزل باستماتة في التنوير‏.‏ ولقد كنت واضحا حين قلت له‏:‏ الجميع تقريبا غير راضين عن عملك‏.‏ وأضفت‏..‏ كان بإمكان نباهتك أن تكسب أكثر لو أنك ظللت في الشارع‏,‏ ولم تخاصم ما خلق المثقف لأجله‏..‏ الوجود علي يسار النظام‏.‏
قبل أن أطرح سؤالي الأول قال‏:‏ جابر عصفور‏,‏ طوال عمره‏,‏ كان علي يسار الفكر الليبرالي‏,‏ وعندما قبلت العمل في المجلس الأعلي للثقافة‏,‏ قبلت بهذا المنطق وظللت عليه‏,‏ ولا أدل علي ذلك من شيئين‏:‏ الأول مقالاتي المنشورة في الأهرام‏,‏ لكننا بكل أسف ننسي‏,‏ هذه المقالات كانت ضد النظام القديم وقد ارتفعت حدتها علي نحو شديد جدا بعد تزوير الانتخابات التي أدت إلي الإطاحة سريعا بالنظام‏,‏ من يقرأ ما كتبته قبل هذه الانتخابات وبعدها‏,‏ وبالذات ما كتبته يوم‏24‏ يناير‏2011‏ يجد في هذا المقال ما يشبه تنبؤا وإرهاصا بالثورة‏,‏ الشئ الثاني أنه لم يحدث علي الاطلاق أن تقربت من أحد أو جاملت أحدا من هذا النظام‏,‏ ابتداء برئيس الدولة ومرورا بزوجته‏,‏ وانتهاء بالوزراء‏,‏ لم يحدث ذلك قط‏,‏ بالعكس أنا كنت ضد ترشيح المسئولين لنيل جوائز الدولة‏,‏ وظللت علي هذا الموقف إلي النهاية لدرجة أنني عندما كنت أمينا للمجلس الأعلي للثقافة لم يستطع فتحي سرور أن يحصل علي جائزة مبارك وحصل عليها يونان لبيب رزق‏.‏
‏*‏ هل كان لك دور في ذلك؟
‏-‏ طبعا
‏*‏ كيف؟
لم يكن دوري هو التحريض علي المنع‏,‏ لكن كان هناك موقف وأنا ساندته‏..‏ أنه لا ينبغي أن تعطي جوائز الدولة للمسئولين‏,‏ وعلي هؤلاء أن يتنحوا عنها‏,‏ كان أكره شئ بالنسبة لي أن يتقدم أحدهم للحصول علي جائزة من جوائز الدولة‏.‏
‏*‏ كيف تنظر خلفك؟
‏-‏ أنظر خلفي بفخر‏,‏ لأني لم أفعل شيئا أندم عليه‏,‏ وتذكر أنني عندما أصبحت أمينا عاما للمجلس كانت مصر معزولة ثقافيا‏,‏ تركت المجلس وأسست المجلس القومي للترجمة فأصبحت مصر هي مركز العالم العربي الثقافي‏.‏
‏*‏ ألم يكن المجلس القومي للترجمة مكافأة لك من النظام‏,‏ بعد خروجك للتقاعد؟
‏-‏ غير صحيح‏,‏ لأن هذا الإنشاء تم بعد عراك سنوات كثيرة‏,‏ وأذكر جيدا أنه في كل مرة كان يعرض فيها إنشاء مركز مستقل للترجمة‏,‏ كان يوضع في جدول ما يستجد من أعمال‏,‏ وعادة لا يلتفت إليه‏.‏ فقد كان وزير المالية يوسف بطرس غالي معارضا له‏.‏ ولا أنكر أني استعنت بالسيدة سوزان‏,‏ لكي يري هذا المركز النور‏,‏ وقد تم حاسبني اذن علي ما أنجزت لصالح الثقافة المصرية‏,‏ أنا لم أكن أعمل عند النظام‏,‏ بل كنت أعمل في الثقافة المصرية ومن أجلها‏,‏ وإلا فقل لي‏:‏ من الذي فتح المجلس الأعلي للثقافة لكل المثقفين العرب بلا استثناء‏,‏ ودون أن يستبعد أي تيار سياسي؟‏!‏ من الذي جعل المجلس ساحة مفتوحة حتي للتيارات الإسلامية؟‏!‏ ما أكثر ما دعوت سليم العوا وغيره‏,‏ ليحضروا ويشاركوا في مؤتمرات المجلس؟‏!‏
‏*‏ ألم تمل عليك الظروف‏,‏ كموظف‏,‏ اتخاذ قرارات لم تكن راضيا عنها كمثقف؟
‏-‏ كان الموقف بالنسبة لي محسوما‏..‏ استقالتي في جيبي‏,‏ وإذا اصطدمت بشئ ينقض قناعتي‏,‏ سأقدمها‏,‏ كنت أعرف منذ البداية أن طالب الولاية لا يولي‏,‏ وأن ابنائي وأحفادي والتاريخ سيحاسبونني ذات يوم‏,‏ فكنت أعمل وعيني علي هذه اللحظة‏,‏ وها أنا ذا أجلس أمامك بثقة دون أن أحس بالضعف أو بالندم‏.‏ بالعكس كل ما فعلته شئ مشرف‏,‏ أنا وكل من عمل معي‏,‏ وعلي رأسهم مساعدي الأول د‏.‏عماد أبوغازي‏,‏ وزير الثقافة الآن‏,‏ لم نفعل شيئا قد نندم عليه‏,‏ عندما أنشئ المركز القومي للترجمة‏,‏ وأشكر سوزان مبارك علي أنها فعلت ذلك‏,‏ لم يسم المركز باسم مبارك‏,‏ كما فعل كثيرون‏!‏
‏*‏ لكن مهمتك الرئيسية‏,‏ بالتعاون مع فاروق حسني‏,‏ كانت إدخال المثقفين حظيرة الدولة‏,‏ وقد نجحتم‏..‏ مرة بالجوائز والسفر وعضويات اللجان‏,‏ ومن كان يستعصي علي الاحتواء كان مصيره الاقصاء‏!‏
‏-‏ حاسبني علي شئ أساسي‏:‏ هل أدخلنا مثقفا قليل القيمة في المجلس الأعلي للثقافة‏,‏ كل أعضاء المجلس يشرفون مصر‏,‏ بلا جدال‏,‏ هل لديك شك في قيمة بهاء طاهر‏,‏ خيري شلبي‏,‏ مصطفي سويف‏,‏ عائشة راتب‏,‏ ألم يلفت نظرك أن أغلب هؤلاء كانوا يعارضون سياسة مبارك‏!‏ وعن نفسي كتبت‏,‏ كما قلت لك ضد سياسته‏.‏
‏*‏ هل حدث أن جاءتك تعليمات بشأن هذه المقالات؟
‏-‏ حدث أن كتبت أن مصر تعيش في كارثة ثقافية‏,‏ فتوهم أحمد نظيف بعقليته الكمبيوترية أنني أهاجم النظام‏,‏ كأني أهاجم فاروق حسني‏,‏ لأنه لم يكن يعرف أن كارثة مصر هي كارثة ثقافية‏..‏ أنت تريد أن تقنع فريقا من الفرقاء‏..‏ جماعة الإسلام السياسي‏,‏ بالديمقراطية‏,‏ هم يقبلون الديمقراطية كلفظ‏,‏ لكنهم لايقبلونها واقعا‏..‏ ما السبب في هذا؟ أنه ليست لديك ثقافة سياسية ديمقراطية‏.‏
‏*‏ ممن عرفت رأي نظيف؟
‏-‏ اتصل بفاروق حسني‏,‏ وقبلها اتصل به الشيخ محمد سيد طنطاوي‏,‏ عليه رحمة الله‏,‏ يشكو من نشري مقالا لمستعرب أمريكي عن قراءات القرآن في مجلة فصول‏!‏
‏*‏ وكيف كان فاروق حسني يتعامل مع هذه المواقف؟
‏-‏ كان الرجل‏,‏ وهذا يحسب له‏,‏ يفرق بين جابر الكاتب وجابر الموظف‏,‏ كان من حقه أن يحاسبني كموظف‏,‏ مع أنه للحق وللتاريخ لم يقف ضدي موقفا سلبيا قط‏,‏ باستثناء مرة واحدة‏.‏
‏*‏ ما هي؟
‏-‏ عندما احتفلت مصر بمرور‏200‏ سنة علي الحملة الفرنسية‏,‏ وكان رأيي أنه لا يمكن الاحتفال بذكري استعمار‏,‏ إنما يمكن أن نحتفل مثلا بتاريخ العلاقات المصرية الفرنسية‏,‏ لا بأس‏,‏ لكن أن نحتفل بمرور‏200‏ سنة علي غزو فرنسا لمصر فهذه فضيحة‏.‏ هنا اختلفنا بشدة‏.‏
‏*‏ حصل أن تقدمت باستقالتك في واحدة من هذه الخلافات؟
‏-‏ لم أصطدم بفاروق حسني إلا في النهايات وكان السبب مدير مكتبه‏,‏ اختلفنا حول مصلحة المترجمين‏..‏ رأيت أن يحتفظ المجلس القومي للترجمة بحق النشر لمدة‏5‏ سنوات‏,‏ وإذا أردنا أن نعيد الطبع مرة أخري‏,‏ فمن حق المترجم أن يتقاضي أجرا علي هذه الطبعة‏,‏ لكن مدير مكتب الوزير‏,‏ وكان امبراطورا صغيرا‏.‏
‏*‏ من هو؟
‏-‏ فاروق عبدالسلام وقف بشدة ضد هذا القرار‏,‏ وللأسف أقنع فاروق حسني بما أراد‏.‏ لدرجة أننا احتكمنا لمجلس الدولة‏,‏ مع ما يعنيه ذلك من ضياع للوقت‏,‏ الأمر الذي استغرق سنة‏,‏ لكن النتيجة جاءت لصالح المترجمين‏,‏ فأعطت فتوي المجلس حجية أنه لا يجوز لناشر أن يستخدم حق الترجمة أكثر من‏5‏ سنوات‏!‏
‏*‏ ماشهادتك للتاريخ‏,‏ علي فاروق حسني؟
‏-‏ للأمانة وللتاريخ أري أن اسم فاروق حسني يأتي بحروف بارزة‏,‏ بعد ثروت عكاشة‏,‏ أنا كنت داخل المطبخ وأعرف أن ما فعله هذا الرجل للثقافة المصرية كثير‏..‏ لم يحدث في تاريخ الآثار المصرية أن رممت كما وكيفا بهذا الشكل‏..‏ وكذلك ما انشئ من مكتبات في عهد فاروق حسني يكاد يعادل ما أنشيء علي مدي‏50‏ سنة قبله‏.‏
‏*‏ وماذا عن الحصيلة يادكتور؟ كنت مفكر الوزارة ومن يرسم استراتيجيتها‏..‏؟
‏-(‏ مقاطعا‏)‏ لم يكن في سياسة فاروق حسني إلا شئ واحد‏,‏ لكن لم يكن هناك من ينفذه‏,‏ وهو‏..‏ أن الثقافة الجماهيرية كانت وستظل خط الدفاع الأول للثقافة المصرية‏,‏ لأن الثقافة الجماهيرية متغلغلة في كل قرية ومدينة‏.‏
‏*‏ أعود إليك‏..‏ بدأت حياتك مناضلا‏..‏
‏-(‏ مقاطعا باستنكار‏)‏ ومن قال لك إني توقفت عن النضال؟‏!‏
‏*(‏ دون تعقيب مكملا السؤال‏)..‏ وانتهيت ببيع كرسي طه حسين في مقابل كرسي الوزارة؟
‏-‏ غير صحيح‏,‏ الذي جلس علي مقعد الوزارة هو جابر عصفور‏..‏ تلميذ طه حسين وبروح طه حسين‏,‏ والدليل علي ذلك أنني لم أستمر في الوزارة أكثر من‏8‏ أيام‏,‏ وما جعلني أبقي هذه المدة هو انقاذ متاحف مصر‏,‏ كان معي مسئول عن الأمن هو هشام فرج‏,‏ هذا الرجل يستحق شهادة‏,‏ ظللت أنا وهو بدون نوم لمدة‏8‏ أيام‏,‏ لكي نحافظ علي متاحف مصر من النهب‏..‏ بعد حلف اليمين فوجئت أن هناك‏10‏ قصور ثقافة ما بين تدمير و حرق ونهب‏.‏
‏*‏ بهذا المعني كان قبولك للوزارة بهدف حماية آثار مصر؟
‏-‏ لا‏,‏ أنا قبلت الوزارة بناء علي جملة قالها لي أحمد شفيق‏..‏ إنت عندك مانع تساهم معانا في إنقاذ مصر؟‏!‏ من يمكن أن يرفض هذه الدعوة؟‏!‏ قلت له‏:‏ ليس لدي مانع بشرط أن تكون هناك وجوه جديدة‏,‏ لكن الوجوه الجديدة للأسف كانت قليلة‏,‏ وكان لا بد عند أول اجتماع لمجلس الوزراء أن يحدث الصدام‏.‏
‏*‏ ألم تفكر يا دكتور جابر بضمير المثقف أنك بقبول الوزارة تضفي نوعا من الشرعية علي نظام لم يعد شرعيا؟‏!‏
‏-‏ هل تصورت أنت أو أي أحد من الثوار‏,‏ أن نظام مبارك يمكن أن يسقط بهذه السرعة؟ أنا شخصيا اعتقدت أننا لو اتسطعنا أن نقنع هذا المبارك بتشكيل حكومة إئتلافية تمثل كل القوي الوطنية وتكون نواة لإصلاح جذري‏,‏ لو تم ذلك كان يمكن لهذا النظام أن ينجو من نهايته المأساوية
‏*‏ هل استشرت أحدا من الأصدقاء حين عرضت عليك الوزارة؟
‏-‏ استشرت عددا من الأصدقاء منهم عماد أبوغازي
‏*‏ بماذا أشار عليك؟
‏-‏ قال لي‏:‏ المسألة متروكة لضميرك وما يمكن أن تفعله
‏*‏ وضميرك ماذا قال لك؟
‏-‏ ضميري قال لي‏:‏ مادامت المسألة تتعلق بإنقاذ مصر من أزمة طاحنة اقبل‏.‏
‏*‏ ألا تري أن ذلك مجرد تسويغ أو تبرير لشئ تشعر في أعماقك بخطئه؟‏!‏
‏-‏ أنا لست صغيرا وقد حنكتني الأيام‏,‏ وبداخلي مثقف متمرد كان يشترط علي دائما ألا أقبل بالدنية في ديني‏,‏ وعندما رأيت أن موقعي في الوزارة سيكون تجميلا لوجه نظام قبيح‏,‏ قدمت استقالتي غير نادم‏.‏
‏*‏ ألم تكن تري قبل الاستقالة وجه النظام؟
‏-‏ كان عندي أمل في أن الوجوه الجديدة يمكن أن تغير
‏*‏ تشعر الآن بالندم علي قبول الوزارة؟
‏-‏ لا‏,‏ لأن الأيام التي قضيتها في الوزارة أتاحت لي أن أضع بدايات لتغيير العمل الثقافي‏,‏ وهذه البدايات لحسن الحظ أكملها وأضاف إليها الدكتور عماد أبوغازي‏.‏
‏*‏ هل كان حسني مبارك مهيأ لحكم مصر؟
‏-‏ لا لم يكن مهيأ‏,‏ وللأسف هو لم يكن يحكم‏,‏ كان الحاكم هو جمال مبارك وعصابته‏.‏
‏*‏ لم تجمعك علاقة بجمال؟
‏-‏ قابلته مرة اقتنعت بعدها أنه لا يصلح لحكم مصر‏.‏
‏*‏ ولو كان عرض عليك تثقيفه‏..‏ هل كنت سترفض؟
‏-‏ كنت سأرفض‏,‏ لأن هناك من حاول وفشل ومنهم الدكتور أسامة الغزالي حرب‏.‏
‏*‏ هل لأنه ميئوس منه؟
‏-‏ ليس لهذا السبب‏,‏ لكنه كان متورطا في مشروعات اقتصادية تجعله من عتاة الرأسماليين‏,‏ ولهذا كان أصدقاؤه من رجال الأعمال الذين عقدوا زواجا غير شرعي بين السلطة والثروة فكانت الكارثة‏.‏
‏*‏ وماذا عن سوزان مبارك؟
‏-‏ سوزان مبارك مثل زوجها‏,‏ كلاهما له أوجه متعددة‏..‏ أكثر هذه الأوجه فاسدة‏,‏ لكني لم أعرف من سوزان مبارك ولا من حسني مبارك إلا الوجه الطيب‏.‏
‏*‏ بأي شئ تدين لمبارك؟
‏-‏ عندما عرف أنني مصاب بجلطة في المخ أنقذني وأرسلني لأكبر متخصص في فرنسا‏.‏
‏*‏ هل تعافيت من موت ابنتك؟
‏-‏ لا طبعا‏.‏
‏*‏ كيف تصالحت مع موتها؟
‏-‏ محمود درويش هو الذي علمني أن أحدق في الموت‏,‏ الموت رهيب‏,‏ لكن إذاحدقت في عينيه ذهب خوفك منه‏.‏
‏*‏ ألست خائفا منه الآن؟
‏-‏ لا
‏*‏ ماذا يعني غياب الابن؟
‏-‏ غياب الروح
‏*‏ وما الذين يخيفك؟
‏-‏ العجز‏,‏ وأن تتحول مصر إلي دولة دينية‏,‏ وإن كنت متأكدا من أن ذلك لن يحدث‏.‏
‏*‏ بم تشعر لو عرفت أن أغلب المثقفين لا يحبون جابر عصفور؟
لا‏,‏ سأقول لنفسي‏:‏ هذه كذبة‏,‏ لأني أثق أن أغلب المثقفين يعرفون فضل جابر عصفور‏.‏
‏‏ هل تحققت نبوءة طه حسين بأنه سيكون لك شأن في النقد الأدبي؟
هذا هو الشئ الوحيد تقريبا الذي لا خلاف عليه بين أحد‏,‏ ربما أختلف البعض معي في الممارسة السياسية أو الثقافية‏,‏ لكن فيما يتصل بإنجازاتي كناقد أدبي لا أعتقد أن هناك من يجرؤ علي التشكيك فيها‏.‏
‏‏ مع من تضع نفسك في كفة واحدة؟
مع جابر عصفور‏,‏ مع احترامي لكل الآخرين‏.‏
‏‏ ثائر ديب يري أن جابر عصفور رغم تعلقه بالحداثة‏,‏ إلا أنه مازال يكتب عن الماضي؟
الكتابة عن الماضي ليست ضد الحداثة‏,‏ بالعكس‏..‏ يمكنك أن تكون في ذروة الحداثة وأنت تكتب عن الماضي‏,‏ ومن يفهم الحداثة فهما سطحيا هو من يعتقد أنها كتابة عن الحاضر‏,‏ ثم إني لا أكتب عن الماضي وحده‏,‏ فكتابتي قسمة بين الماضي والحاضر‏.‏
‏‏ هل اضطررت للتضحية بشئ‏,‏ كي تصل الي هدف؟
ضحيت برسالتي كأب في حالات كثيرة‏,‏ لكن زوجتي تحملت هذه المهمة بشجاعة‏.‏
‏‏ جابر عصفور هل هو ذكي؟
لا أعرف
‏‏ محظوظ؟
ممكن‏,‏ وفي داخلي أشعر بأن الله لم يتخل عني في أحلك الظروف أنا مررت بكارثتين مازلت الي الآن أعجب كيف نجوت منهما‏..‏ جلطة المخ وفقد ابنتي‏.‏
‏‏ كيف روضت الحزن؟
الحزن رفيق الصبا‏.‏
‏‏ هل اضطررت لدخول معارك للحفاظ علي موقعك‏,‏ خاصة أنك عمرت طويلا في الكرسي؟
لم تكن معارك‏,‏ بل دافعت عن نفسي‏,‏ وعلي فكرة لو كنت تركت لحالي‏,‏ لحققت في وزارة الثقافة أكثر بكثير مما فعلت لكن لا تنس أن حزب أعداء النجاح موجود في كل موقع‏.‏
‏‏ أفهم من ذلك أن هناك من حاربك داخل الوزارة؟
طبعا‏,‏ طبعا‏.‏
‏‏ من ؟
لا داعي للأسماء‏.‏
‏‏ سمعت أن شجارات كانت تقوم بينك وبين سمير سرحان في الجلسات الخاصة علي من يخلف منكما فاروق حسني؟
لم يحدث‏,‏ وبالمناسبة سمير سرحان نفسه قال إنه كان طموحا جدا للوزارة‏,‏ وأكمل‏:‏ لكن عندما كبرت كبرت عن هذا الطموح‏.‏
‏‏ ما الذي لم يتحقق بعد من أحلام جابر عصفور؟
أن أكمل ما بدأته‏,‏ منذ أن قادمت استقالتي من الوزارة قررت أن أتفرغ لمشروعاتي العلمية‏.‏
‏‏ وأنت تقدم استقالتك من الوزارة‏,‏ هل شعرت بأنك غسلت يديك من دم الشهداء؟
لا شعرت أنني فعلت شيئا إيجابيا من أجل هؤلاء الشهداء‏,‏ لأني أثرت معركة هائلة في مجلس الوزراء بسبب هؤلاء الشهداء ولم يساندني سوي مشيرة خطاب‏,‏ حتي زاهي حواس وقف يتفرج ولهذا أنا زعلان منه‏.‏
‏‏ فساد مبارك الذي تندد به الآن‏,‏ ألم يوجد هذا الفساد في وزارة الثقافة؟
قدمت في حق فاروق حسني شكاوي كثيرة ولم يثبت في أي منها إلا أنه فاروق‏,‏ وكنت أعرف خصوصياته‏,‏ رجل نظيف اليد‏,‏ وما نهب من الوزارة لم يكن بسببه أو بعلمه وحدث ببراعة منقطعة النظير‏.‏
‏‏ ألم تكتب شيئا من خطب مبارك أو بياناته أثناء الثورة؟
علي الإطلاق‏.‏
‏‏ أعود الي مقولتك أن كارثة مصر كارثة ثقافية‏,‏ ألم تكن أنت وسامحني علي التعبير جزءا من هذه الكارثة؟‏!‏
أنا لم أكن جزءا من الكارثة‏,‏ بل كنت أحاول الحل‏,‏ لكن لا يمكن لأحد في وزارة الثقافة‏,‏ حتي الوزير لا يمكن له أن يحل مشكلة مصر الثقافية‏,‏ لماذا‏..‏ لأن ثقافة مصر أشبه ما تكون بطائر جسده هو وزارة الثقافة‏,‏ أما جناحاه فهما‏:‏ أولا‏..‏ التعليم والإعلام‏,‏ والإعلام بالمناسبة أهم من الثقافة‏,‏ ثم تأتي بعد ذلك وزارة الثقافة والأوقاف وبقية الوزارات بأدوار ثانوية‏.‏ والجناح الثاني هو مؤسسات المجتمع المدني لو أن جسد الطائر شغل العقل واستبدلت بالتالف منه قطعا قوية‏,‏ وغيرت وبدلت في الجسد لأجل أن يبقي أقوي‏,‏ وحركة الجناحين وإرادة الطائر تكون أقوي‏,‏ ساعتها يمكنك أن تنقذ مصر ثقافيا‏.‏
‏‏ لكن رغم وجودك‏18‏ سنة في الوزارة وبقاء فاروق حسني علي رأسها لمدة ربع قرن لم تسهما في عملية الإنقاذ هذه؟
قلت لك إن المسألة متكاملة‏,‏ وقلت لفاروق حسني هذا الكلام وكان مقتنعا به تماما‏.‏
‏‏ إذن لماذا لم ينفذه؟
لم ينفذه‏,‏ لأنه ليس جهة التنفيذ‏,‏ أنت تريد قرارا سياسيا‏,‏ لتنقذ مصر من الكارثة‏.‏
‏‏ لماذا لم تحاولا توصيل ذلك للرئيس السابق؟
حاولنا‏.‏
‏‏ وبماذا أجاب؟
سألني‏:‏ وما الحل‏,‏ فشرحت له ما ذكرته لك‏.‏
‏‏ ثم؟
لم يسفر الأمر عن شئ‏,‏ قال لي‏..‏ والله معك حق‏.‏
‏‏ وماذا قال لك حين طلبت منه الاستقالة من رئاسة الحزب الوطني؟ وفي أي ظرف حدث ذلك؟
طلبت ذلك في مقالات الأهرام‏,‏ لكن يبدو أنني كنت أطلب المستحيل‏.‏
‏‏ إذن لم تطلب منه الاستقالة أمام أحد؟
طلبت ذلك أظن في آخر اجتماع له بالمثقفين‏,‏ وفي أكثر من مكان‏.‏
‏‏ والرد؟
التجاهل‏.‏


إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.