عندما قادت مجموعة الضباط الأحرار انقلاب 52 من داخل الجيش وأعلنوا الثورة والقضاء على الملكية وإعلان الجمهورية وهب الشعب مساندا لضباط وطنه الشرفاء واثقا فيهم وفرحا بهم ومكبر ومهللا لهم .. كانت الأهداف التى قامت من أجلها ثورتهم سامية وشريفة ووطنية ونحن جميعا نحفظها عن ظهر قلب منذ كنا فى المدرسة الإعدادى ،ويكفى فقط أن نتذكر أنه كان من أهم أهدافها القضاء على الفساد والمحسوبية وإقامة حياة ديمقراطية سليمة وهى الأهداف التى قامت من أجلها أيضا ثورة25 يناير بعد مايزيد عن 50سنة ..كان هؤلاء الضباط ملائكة يشبهون ملائكة ميدان التحرير ؛فخاطروا بأنفسهم وغامروا بحياتهم فى مواجهة ملك مسنود من قوى خارجية .. لكن بعدما نجحت ثورتهم وعادوا إلى بشريتهم تسرب إلى نفوسهم الطمع والأنانية وحب السلطة ومن ثم فقد قادوا البلاد إلى ما سطره التاريخ ..فهل نحن على استعداد لأن نرى إعادة الفيلم على شاشة التاريخ مرة أخرى بعد تغير الأبطال الرئيسيين ..؟! بكل تأكيد لا، فالأمر لم يعد يحتمل لأن التاريخ نفسه لن يجود علينا ب60عاما أخرى كتجربة إضافية نتأكد فيها من صدق نتائج التجربة الماضية ..ولذلك على كل الأطراف مراجعة الدرس مرارا وتكرارا ؛ فالثوار الذين عادوا لبشريتهم بعد أن قاموا بأدوار الملائكة فى ميدان التحرير منذ انطلاق الثورة إلى لحظة التنحى لابد أن يتذكروا ويسترجعوا تلك الروح التى تكسرت أمام صلابتها عزيمة رأس النظام وتفتت أمام وحدتها كل محاولات الوقيعة وإثارة الفتن وانهارت أمام نقائها كافة الإغراءات..على الروح التى ظلت واحدة طوال أيام الميدان ثم تكاثرت وانقسمت إلى مئات بل آلاف الأرواح أن تعود إلى إخلاصها لقيمة عليا واحدة هى مصر..وهذا لا يمنع أبدا أن يختلف الجميع بل من الضرورى أن نختلف ولكنه الإختلاف الذى لاتقف من خلفه الطموحات الشخصية ..أو يغذيه الهوى .فالمرحلة لا تحتمل إلا هوى واحد هوى تراب الوطن ..لا وقت للبحث عن الذات فالبحث عن مصر التى ضيعها نظام المخلوع فرض على الجميع الآن ..وحذار حذار من حمى الاختلاف . أما الطرف العسكرى فمازالت الفرصة التاريخية تخايل رجاله وعلى رأسهم المشير ..وهى الفرصة التى فوتها عامدا متعمدا الرئيس المخلوع عندما تجاهل قاصدا كل النداءات التى طالبته بإصلاحات حقيقية تسمح بمشاركة حقيقية فى الحياة السياسية وبتداول سلمى للسلطة فى البلاد ...لكن الغباء والطمع دفعاه إلى تجاهل كل هذا من أجل عيون المحروس الذى كان يستعد للركوب على قلب مصر ..أقول مازالت الفرصة قائمة تخايل رجال المجلس هؤلاء القادة الشرفاء الذين لم يرضخوا لدعوات سحق المتظاهرين فى الميدان .. ولكن الفرصة لا تأتى إلا لمن يستحقها وعلى قادة مصر وجيشها أن يكونوا عند حسن الظن وأن يصلحوا ما افسده قادة قبلهم طمعوا فى حكم البلاد ..فقامت عليهم الثورة بعد حين ..الآن عاد التاريخ ليرمى بالكرة فى ملعب الجيش الذى أقسم على حماية الثورة وأكد على انعدام النية فى البقاء فى السلطة ..ليترك المجال مفتوحا أمام مئات الأسئلة حول التباطؤ والمراوغة والضباب المحيط بالجدول الزمنى لتسليم السلطة والذى جعل أهداف الثورة فى مهب الريح وسمح لأصحاب الاتجاه العدائى لحكم العسكر أن يتأهبوا للشماتة فى كل الواثقين فى الجيش ..ورجاله .. على الجميع أن يبادر بإخلاص وخاصة الطرف الذى فاتته فرصة المشاركة فى فعاليات الثورة إذ أن الأمر مازال بيده والبلاد تحتاج إلى شغل كثير ..فالثورة كانت مجرد بداية والمشوار مازال طويلا ..ولا ننسى الطرف الأهم فى معادلة عودة مصر إلى المصريين إنهم رجال الداخلية الذين لابد لهم أن يعترفوا بلا خجل أن منهم رجالا شوهوا صورتهم وأساءوا لمهنتهم الشريفة وأن عليهم أن يدفعوا الضريبة عن طيب خاطر الآن حبا فى مصر إن كانوا إياها يعشقون ..بلا مزايدة أو متاجرة أو تقاعس أو تهديد ..على الجميع أن يبدأ فى تسطيب برنامج الثورة فى عقله وفكره ووجدانه وأن ينقلها من دائرة المشاهدة إلى مربع التنفيذ ..عمال ومدرسون سائقون ومحامون علماء وأساتذة جامعات ..إعلاميون وكتاب ..وقبل الجميع السياسيون لا سيما الشباب منهم ..إن لم نفعل فقد نقود مصرإلى صحراء الثورة ورمالها المتحركة بدلا من حدائقها وأنهارها ومزارعها وجناتها .. وساعتها سوف تغرس أقدام الجميع ..فلا نكون قد احتفظنا لأنفسنا بأمن وأمان واستقرار المخلوع ولا نكون قد استطعنا تلبيس الوطن يونيفورم الثورة ..