من السهل أن تصل إلي القمة ولكن من الصعب الاحتفاظ بها والصعوبة هنا لا تعني الاستحالة.. ولكنها تعني بذل المجهود المتواصل والابتكار المتواصل والمبادرة والالتزام تجاه ما نصبو إليه من أهداف حتي تظل محتفظاً بوجودك في القمة فللنجاح طرق عديدة وللتميز طريق واحد هذا ما ينطبق علي شتي مجالات الحياة سواء علي المستوي الفردي أو المؤسسي أو حتي علي مستوي الدولة. ولتطبيق هذا الكلام علي منتخبنا الكروي سنجد أن هناك دولاً أخري «نجحت» في أن تحرز كأس الأمم الأفريقية قبل ذلك، ولكن مصر «تميزت» في أن تحصل عليه لثالث مرة علي التوالي، ولسابع مرة في تاريخ المسابقة، وهذا تميز، وتفرد ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هذا التفرد وليد «الحظ» أو «الصدفة».. فهذه إدعاءات الفاشلين والحاقدين، ولكن هذا التميز وراءه إدارة ناجحة نتمني أن تصبح «عدوي» تصيب المجتمع بأنفلونزا «النجاح والتميز». والتساؤل.. ما طريق التميز؟ وما مواصفاته؟ وكيف يصبح هذا هو منهجنا في الحياة؟! أولاً: الأهداف فقد وضع المنتخب أمام عينيه هدفاً واضحاً أو عدة أهداف أهمها تحقيق رقم قياسي جديد، تحقيق المركز الأول، ومن الممكن أن نضع تحقيق مكاسب مالية فهذا هدف أروع أيضاً. وهذا ما يحتاجه المجتمع المصري في الوقت الحالي.. وضع أهداف واضحة وملموسة. كأن نقول: نحن نريد أن نتقدم اجتماعياً في «محو الأمية» مثلاً هذا هدف واضح. هناك هدف نريد تحقيقه في حقن الفتنة الطائفية مثلاً وعودة روح الانتماء وتسييد مفهوم «الدين لله والوطن للجميع». هدف تحويل المجتمع إلي مجتمع إنتاجي صناعي بدلاً من مجتمع استهلاكي.. هدف استثمار الزيادة السكانية واعتبارها ثروة بشرية طالما أننا لم نستطع مقاومة الزيادة والحد منها.. إلخ من أهداف. ثانياً: الخطة لن تستطيع أن تحقق أهدافك دون أن تضع لها خطة تنفيذية واضحة المعالم. فعندما استقر المنتخب علي أهدافه بدأ في وضع خطة تنفيذية واضحة المعالم، محددة الأدوار.. ففي علم الإدارة عندما تضع خطة لتحقيق أهدافك لابد أن تضع إجابة لعدة تساؤلات: ماذا؟ كيف؟ متي؟ أين؟ من؟ وهذا ما أستطيع أن أجزم به الذي وضع في ذهن إدارة المنتخب: فقد وضعوا خطتهم بتزويد مهارة اللاعبين، ودراسة المنافسين، وضخ دماء جديدة، وسيادة «الحب» بين الفريق، والعمل بروح الجماعة.. هذه إجابات.. ماذا نريد في خطتنا.. وكيف؟! بزيادة التدريبات والمباريات الودية والاختيار الجيد للدماء الجديدة، وبث روح العمل الجماعي بمحاضرات نفسية، بمواقف اجتماعية.. إلخ. و«متي»؟ في الفترة من كذا لكذا.. حتي تاريخ المسابقة. «أين»؟ في يناير 2010 بمعسكرات في مصر وخارج مصر وخلافه. و«من»؟ بترشيح أسماء محددة وتوزيع مهام محددة، وكل في موقعه دفاعاً أو وسطاً أو هجوماً، بل أتصور تحديد مهام «الچوكر» أيضاً. وهذا ما نحتاجه في مصر، بل علي المستوي الفردي خطة تنفيذية لأهدافنا. نريد مثلاً تحقيق هدف «الحد من البطالة»، نضع له إجابات لهذه التساؤلات.. ندرس سوق العمل المحلية والدولية، ونري ما تحتاجه هذه الأسواق من أنواع عمالة محددة. وننشئ علي إثرها معاهد متخصصة لهذه الأعمال ثم ننشئ معاهد تدريبية لتزويد مهارات الخريجين في هذه الأعمال، ومن ثم نطرح شبابنا في هذه الأسواق التي ستخطفهم لاحتياجها لهم. لكن أن نري خريجين بلا هوية تعليمية أو ثقافية، ولا يوجد أي طلب محلي أو دولي عليهم.. أن نري آلافاً من الخريجين يعملون في مجالات غير مجالات دراستهم، وخد عندك علي سبيل المثال لا الحصر.. هناك ما يقرب من 148 ألف خريج تجاري كل عام دون احتياج حقيقي للسوق التجارية من بنوك ومؤسسات وقطاع عام، فهذا عبث وعشوائية في التخطيط. ويبدو أن المجتمعات العشوائية تُفرز قيادات عشوائية، ومن ثم تفكير عشوائي، وهذا لا يحقق تميزاً ولا نجاحاً بل يحقق ما نحن عليه الآن من تراجع، وفي هذه الحالة تصبح حالات النجاح والتفرد حالات فردية، كحالة المنتخب القومي، فهل آن الأوان أن ندير مصر كما أدير المنتخب؟ هل آن الأوان أن نعمل بروح الجماعة وننزع الفردية الطاغية، و«الأنا» المتضخمة، وثقافة «الأنا مالي»؟ هل آن الأوان أن يسود الحب بين الفريق المصري المكون من 80 مليون مواطن بدلاً من تنامي المؤامرات ومحاربة الكفاءات وكراهية النجاح؟! هل آن الأوان أن نجلس ونخطط ونوزع الأدوار علي لاعبي الوطن بدلاً من جلسات المؤامرات والمهاترات؟! شيء أخير لابد أن ندركه هو أن نلتزم من داخلنا، ونعمل علي تحقيق أهدافنا.. وأن نأخذ المبادرة بطريقة مبدعة.. فهذا الالتزام سيفتح أبواب السماء لمساعدتنا ففي كل أفعال المبادرة والإبداع هناك حقيقة واحدة أولية والجهل بهذه الحقيقة البسيطة يقتل أفكاراً لا حصر لها، وخططاً لا حدود لروعتها وهذه الحقيقة هي: في اللحظة التي يلزم فيها الإنسان نفسه بصورة نهائية تتحرك العناية الإلهية. وتحدث أشياء من كل نوع لتساعد المرء أشياء لم تكن لها أن تحدث دون هذا الالتزام يتدفق تيار أحداث كامل من نبع هذا القرار، تيار يحشد لصالح المرء كل أنواع الصدف غير المنظورة والمقابلات والمعونة المادية.. أمور لم يكن الإنسان أن يتوقعها في مسيرة طريقه. تلك هي العناية الإلهية التي تظلل الملتزمين فقد قال الفيلسوف الألماني «جوته»: «ما تستطيع أن تقوم به وكل ما تحلم أنك في يوم ما سوف تستطيع أن تقوم به، فلتشرع جادة.. فالجسارة تحمل في طياتها عبقرية وسلطاناً وسحراً». وأعود وأكرر.. هل نحلم لمصرنا بالتفرد والتميز كما حدث للمنتخب؟ هل نترك رداء العشوائية ونرتدي ثوب الإدارة الناجحة؟ ولا يتبقي سوي أن نحلم بأن تُدار مصر بمنهج إدارة المنتخب.