يقول «زكريا بطرس»: «أدين محمد الإرهابي الأول الذي أسس الإرهاب، فاتبعه هؤلاء المخدوعون والمضللون من الشعب والحكام». ويعلق «شنودة» في حواره مع «عمرو أديب» علي هذه «الوقاحة » قائلا: «يردوا علينا، فأصبح فيه حوار بينه وبين شيوخ المسلمين، يردوا عليه، دي مسألة حوار» ويقول في الحوار نفسه: «معلش يا حبيبي، ماتردش ليه؟ إذا كان داخل في حوار ويقول أنا مجرد باتساءل وباطلب من الشيوخ المسلمين الأفاضل إنهم يردوا». هذا ما قاله زكريا بطرس، وما اعتبره شنودة «حوارا»، وسماه في المقابلة المشار إليها مع عمرو أديب «فكرا»، داعيا «الشيوخ المسلمين الأفاضل» للرد عليه! ولحسم المسألة من دون أخذ ولا رد، أقول للبطريرك: بل سنضع اسمك مكان اسم نبي الإسلام في عبارة «زكريا بطرس»، ونقول لك: إنه فكر وحوار ندعوك للرد عليه! هذا مع الفرق الكبير، أو قل البون الذي يستبعد فكرة المقارنة ويجعلها غير واردة ابتداء، بين البشر جميعا وبين سيد ولد آدم، خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد - صلي الله عليه وسلم -، الذي سماه الشاعر الألماني جوته «المهاجر الأعظم محمد بن عبد الله» وقال عنه: «إننا، نحن أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلي ما وصل إليه محمد. وسوف لا يتقدم عليه أحد... ولقد بحثت في التاريخ عن المثل الأعلي للإنسان، فوجدته في النبي محمد.. وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما ظهر علي يد محمد الذي انقاد له العالم كله بكلمة التوحيد». وقال الشاعر الفرنسي لامارتين مقرا بفضله: إن «أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة واعية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود. من ذا الذي يجرؤ علي تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟ ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه، لو رجعنا إلي جميع المقاييس التي تُقاس بها عظمة الإنسان؟ إن سلوكه عند النصر وطموحه الذي كان مكرساً لتبليغ الرسالة وصلواته الطويلة وحواره السماوي أمور كلها تدل علي إيمان كامل مكّنه من إرساء أركان العقيدة. إن الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد الأخري الذي أسس عبادة غير قائمة علي تقديس الصور هو محمد، لقد هدم الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق». هذا ما قاله «لامارتين»، ولعل إشارته إلي قيام محمد صلي الله عليه وسلم ب «هدم المعتقدات التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق» تجعلنا ندرك سر عدوانية «سماسرة الدين» وتجار «صكوك الجنة» تجاه نبي الإسلام، الذي وضعه الأمريكي «مايكل هارت» علي رأس أعظم مائة شخصية عرفتها البشرية، وخاطبه الشاعر الروسي بوشكين قائلا: «قم أيها النبي وطف العالم، وأشعل النور في قلوب الناس». وقال الروائي إتش جي ويلز عن خطبته صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع: «إنّ أول فقرة منها تجرف أمامها كل ما كان بين الناس من نهب وسلب ومن ثأرات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلاً للخليفة» ولعل هذه المساواة بين الناس علي اختلاف أعراقهم ومناصبهم تفسر سر «البغضاء» التي يكنها للإسلام ونبيه هؤلاء العنصريون الذين يؤمنون بأن نبيا قال عن واحد من بنيه هو رأس أحد الأجناس «عبد العبيد يكون لإخوته»! محمد صلي الله عليه وسلم، فوق القياس والمقارنة، خذ مثلا ما قاله عنه «جورج برنارد شو» و«توماس كارليل»، مع ذلك فإن بذاءة المأبون التي تطاول بها علي مقام الرسول الأسمي، تظل شتما صريحا إن وجهناه إلي من هو دونه بمراحل، بل إلي من لا يستحق أن يحل سيور حذائه. وليس الأمر أمر زكريا بطرس، فهو «ليس عند الله من أحد»، لكن المسألة هي أن «بطريرك الكرازة المرقسية» ينسب ما قاله هذا المأبون إلي جماعة أوسع منه، ويجعله يتعدي حدود شخصه. حيث قال شنودة «يردوا علينا»، و«علينا» هذه تحتمل أنه يضع نفسه معه، بل تحتمل أنه يضع «الكثيرين» معه، ولن أصرح بهوية هؤلاء الكثيرين، ليظل أثر ما قاله «نيافة الأنبا» مقصورا عليه، فاتساع دائرته «خطر» أفضل أن يبقي وطني بعيدا عنه، وإن تحامق المتحامقون، وسعي العملاء لدفعه إليه. «يردوا علينا»، هذا ما قاله الأنبا شنودة، وما قد يزعم الزاعمون أنه كان يقصد به عبارات أخري قالها المأبون المشار إليه، وهو زعم مردود من وجهين: الأول: أن نيافة الأنبا، وبحكم ترؤسه واحدة من أعرق المؤسسات المصرية، هي الكنيسة الأرثوذكسية، ملزم بأن يتقصي معرفة كل ما يتصل بمؤسسته من شئون تحقق لها أقل النفع أو تهددها بأقل الضرر. ومنها عبارة المأبون التي أشرنا إليها في بداية المقال. وإن كنت تدري نيافتك فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم! الثاني: أن المأبون لا بضاعة لديه إلا هذه البذاءة وأمثالها. ومن أعجب العجب أن يصف شخص من آحاد الناس الشتائم بأنها فكر، ثم يصل العجب إلي منتهاه إذا كان من يصف الشتيمة بالفكر هو نيافة الأنبا. وإن «ضحكنا علي أنفسنا» وقلنا إن المأبون يتناول أمورا عقائدية، فإن دعوة الأنبا إلي مناقشة أمور العقيدة علي ملأ من الناس، بل علي شاشات الفضائيات وأوراق الصحف، تظل دعوة لتفجير الوطن من داخله؛ ذلك أننا سنصبح ابتداء أمام طرفين في منازلة، يستدعي الرد علي شبهات أحد طرفيها، طرح شبهات تخص الطرف الآخر، علي نحو ستندلع معه «النار» مباشرة، لتكون لهبا مستعرا لا «مستصغر شرر» فيه. وفي هذا السياق أقول إن زميلي المسيحي، الذي جمعتني به مودة كانت مفتاح نقاش صريح محدود بيني وبينه وموصول طوال سنوات دراستنا في الجامعة تقريبا، هذا الزميل كان أكثر حكمة، إذ وصل النقاش بيننا إلي ما عجز عن الرد عليه، فقال: حجة قوية، لكن المرء لا يغير عقيدته لأنه عجز عن الرد في نقاش. واحترمت منطقه فورا. ثم إن أمور العقيدة هي شأن الخواص، حتي بين أبناء الدين الواحد، علي نحو معروف لا يحتاج إلي ضرب أمثلة. ولا ضرورة تقتضي أن تخرج هذه الأمور من «الخاصة» إلي «العامة»، ذلك أن خلافات العقيدة لا تؤسس حقا ولا ترتب واجبا، بل ولا تؤثر مهما اتسعت هوتها في تقديرنا لمعدن صاحبها، ألم يكن «غاندي» المحترم من العالم كله يعبد البقر؟ من الخير إذا أن تبقي مناظرات العقيدة في المجامع والمعاهد العلمية، والكتب المتخصصة، وغير ذلك من دوائر لن يضير الناس أن تظل ضيقة، حيث إن «الشريعة» لا «العقيدة» هي ما تتعلق به حياتهم. أقول هذا من باب الرفق بالأقباط و«رحمتهم» من الجحيم الذي يمكن أن تفتحه عليهم دعوة أراها غير مسئولة لمناقشة العقائد علنا، وهي دعوة تضع 5% من المصريين في تلاسن لا هو متكافئ ولا هو مطلوب مع ال 95% الباقين من شعب مصر، أقول «تلاسن»، لأن ما سينتج عن لجاج يشارك فيه الجاهل والعالم، الحكيم والأهوج، لن يكون نقاشا أبدا، بل سنكون محظوظين إن وقف عند حد التلاسن. لهذا أكف نفسي عن سرد كل ما أعددته استجابة لدعوة «نيافة الأنبا» للرد!