التعليم العالي: بدأنا التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي لتأهيل الطلاب لسوق العمل    فيديو.. نقيب الإعلاميين يكشف لأول مرة رأيه في التناول الإعلامي لقضية إبراهيم شيكا    درة: يسرا كانت بالنسبة لي حلم والآن هي صديقة وأخت    سكرتير عام كفر الشيخ يتفقد المواقف لمتابعة تطبيق التعريفة الجديدة    نائب وزير المالية: الدين الخارجي تراجع 4 مليارات دولار خلال عامين    زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب شرق السعودية    نائب رئيس حزب المؤتمر: كلمة السيسي بمنتدى أسوان خارطة طريق جديدة للنظام الدولي    رئيس البرلمان العربي يهنئ المستشار عصام الدين فريد بمناسبة انتخابه رئيسًا لمجلس الشيوخ    فودين يُعدد مزايا هالاند فى تسجيل الأهداف مع مانشستر سيتي    عماد رمضان: تتويج منتخب الكرة الطائرة البارالمبية بالمونديال بداية لحلم «لوس انجلوس»    إنجاز جديد.. مصر تتوج بلقب بطولة العالم للأساليب التقليدية برصيد 54 ميدالية    مصرع تلميذ صدمته سيارة في قنا    التحريات : الغاز سبب وفاة عروسين داخل شقتهم بمدينة بدر    موعد بدء امتحانات نصف العام الدراسي 2025-2026 وامتحانات شهر أكتوبر 2025    إصابة 5 أشخاص باشتباه تسمم إثر تناول وجبة غذائية بقرية دلجا بالمنيا    ضبط نصاب انتحل صفة رجل دين بالإسكندرية    تأجيل محاكمة 6 متهمين بخلية مصر القديمة إلى جلسة 22 ديسمبر    محافظ القاهرة يفتتح فعاليات ملتقى التوظيف والتدريب    أسعار وطرق حجز تذاكر حفل عمر خيرت بهرجان الموسيقى العربية.. غدًا    6 أبراج تفضل أن تتعلم مدى الحياة    المخرج التونسي فريد بوغدير: «يوسف شاهين غير حياتي ونظرتي للسينما»    الثقافة هذا الأسبوع| انطلاق مهرجان الإسماعيلية وعروض فنية تجوب أسوان    معهد الفلك يكشف موعد ميلاد هلال جمادي الأول وأول أيامه فلكياً    جامعة المنوفية والتأمين الصحي يبحثان الإرتقاء بالمنظومة الصحية    منتخب المغرب يرفض مواجهة الأرجنتين لهذا السبب    مدرب الزمالك يتقدم باستقالتة والنادي يعلن رحيله    ياسمين الخطيب: «علمني أبي ألا أبكي أمام أحد.. فسترت آلامي كما لو أنها عورات»    آفاد التركية تنسق إيصال مساعدات سفينة الخير ال17 إلى غزة    الرئيس السيسي: كل بيت مصي فيه شهيد وجريح ودفعنا ثمن القضاء على الإرهاب    المديرة الإقليمية لمنظمة اليونسكو تشيد بجهود تطوير التعليم فى مصر    40 ندوة توعوية، محافظ الفيوم يتابع أنشطة الصحة خلال شهر سبتمبر الماضي    أحمد سعد يروج لحفله المقبل بألمانيا بطريقة مختلفة: مش هاقول جمهورى الحبيب    البنك التجارى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بمنتصف التعاملات    اندلاع حريق في مصفاة نفط روسية بعد هجوم بطائرات مسيرة    الاستخبارات التركية تساهم في وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان    بتهمة خطف اشخاص السجن المؤبد ل4 متهمين و15 عاما لآخر بقنا    نتنياهو يعلن عزمه الترشح مجددا بالانتخابات العامة في 2026    «الرقابة المالية» تنظم ورشة لمناقشة تطورات السوق غير المصرفية    «الخارجية» و«الطيران» تبحثان توسيع شبكة الخطوط الجوية مع الدول العربية والأفريقية    زراعة المنوفية: تنقية الحيازات وضبط منظومة الدعم للمزارعين    وزارة العمل تعلن عن وظائف برواتب تصل إلى 9 آلاف جنيه    يونس: بيزيرا "هدية ثمينة" من جون إدوارد..وديكيداها بداية جديدة ل "فتوح"    إبراهيم العامري يكشف تفاصيل انضمامه لقائمة الخطيب في انتخابات الأهلي    قمة نارية في الدوري الإنجليزي بين ليفربول ومانشستر يونايتد.. تعرف على أبرز مباريات اليوم    اللواء طيار عمرو صقر: نسور مصر قادرون على تغيير الموازين    لماذا يُعد الاعتداء على المال العام أشد حرمة من الخاص؟.. الأوقاف توضح    استبعاد مدير مدرسة من منصبه اثناء جولة تفقدية لوكيل تعليمية قنا    توقيع وثيقة استراتيجية التعاون القُطري بين مصر ومنظمة الصحة العالمية    هيئة «التأمين الصحي الشامل» تناقش مقترح الهيكل التنظيمي الجديد    حملات طبية مكثفة لفحص وتوعية طلاب المدارس بدمياط    فوز البدايات.. ماذا حقق الأهلي في اختبار ييس توروب الأول؟    حالة الطقس بالمنيا ومحافظات الصعيد اليوم الأحد 19 أكتوبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 19-10-2025 في محافظة الأقصر    حكم الوضوء قبل النوم والطعام ومعاودة الجماع.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع بالتفصيل    رئيس شعبة المعادن: مكاسب الذهب في مصر 54.3% من بداية 2025    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    50 جنيهًا للحصة.. إجراءات جديدة من التعليم لتنظيم عمل المعلمين بنظام الحصة في المدارس 2025-2026    ياسر جلال: المسئول والفنان يتحملان ما لا يتحمله بشر.. وعندي طموح أخدم الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجدي خليل: الدستور اولأ.. ومعركة الدولة المدنية
نشر في الدستور الأصلي يوم 06 - 07 - 2011

جوهر المعركة التى تدور رحاها حاليا فى مصر بين من يرون تأجيل كتابة الدستور إلى بعد الأنتخابات ومن خلال المجلس التشريعى المنتخب، وبين من يسعون لصياغة الدستور قبل الأنتخابات التشريعية من خلال مؤتمر دستورى يمثل خيرة عقول الأمة ، هو فى الحقيقة معركة بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة المدنية،بين من يرون أننا نعيش فى حقبة الإسلام السياسى بما فى ذلك حقهم فى صياغة الدستور وبين من يؤمنون بأن مصر تستحق نظاما ديموقراطيا حديثا ودولة مدنية عصرية بعيدا عن القوميين والإسلاميين والعسكريين، وهى معركة بين من يقدمون مصالحهم السياسية الضيقة على مصلحة الوطن وبين من يرون أن مستقبل مصر أهم وابقى من المصالح السياسية الآنية وهو أخطر بكثير من أن يترك لفئة ايدلوجية تتحكم فى مصيره، بين من يرون أن الفئة الغالبة من حقها صياغة الدستور ومن يرون أن الدستور اساسا قائم على مبدأ التوافق الوطنى وإلا فقد شرعيته المحلية والدولية واصبح مفروضا على فئة من الشعب كبرت أو صغرت، هى معركة بين مجموعتين كل منهما من عالم مختلف عن الآخر ويتحرك على أرضية مختلفة تماما، ولهذا لم يكن مستغربا أن ينحاز العسكر بشكل واضح وقوى إلى الإسلاميين لأنهم هم والإسلاميون فى الحقيقة يلعبون على أرضية واحدة والتنافس بينهم على من يتحكم فى هذه الأرضية .. هذه هى جوهر المعركة بين الماضى والمستقبل، بين ديموقراطية خداع الصناديق والديموقراطية الليبرالية ، بين السلفية والمعاصرة،بين المحلية والعولمة،بين الصفقات التحتية والحوار الوطنى،بين المراهنة على البسطاء وبين محاولة رفع الوطن ببسطائه إلى مستوى ومكانة أعلى،بين من يرون أن المستقبل هو امتداد للماضى مع تغيير اللاعبين وبين من يرون أننا فى لحظة تاريخية تستوجب إعادة بناء الوطن على أسس مختلفة وصحيحة.
إن أهم ما يؤدى إلى نجاح التحولات التاريخية هو الحوار والتوافق الوطنى، وليس شئ يفوف الأهمية من كتابة الدستور لكى يتم عليه هذا الحوار وهذا التوافق. فى لحظات بناء الأمم أيضا هناك ضرورة للمساهة البارزة للعقول الوطنية الراقية والمحترمة والمؤهلة.هل هناك وثيقة أهم من الدستور فى أى دولة لكى يتم شحذ عقول الأمة من آجل اخراجه على مستوى رفيع يضاهى الدساتير العظيمة فى تاريخ الدول.
لنأخذ من الدستور الأمريكى مثال يمكن الأهتداء به فى هذه الظروف الجدلية، خاصة وأن الدستور الأمريكى محترم بمعنى الكلمة، ولأنه أيضا اقدم دستور غير منقطع الأستعمال فى العالم كله.
اول الدروس المستفادة من الدستور الأمريكى هى الدعوة إلى مؤتمر وطنى عام " مؤتمر دستورى" يضم خيرة عقول الأمة ، وهو ما حدث فى مؤتمر فلادليفيا الشهير فى 25 مايو 1787 تحت عنوان " أمة واحدة.. دستور واحد.... مصير واحد"، وضم اثنين عن كل ولاية أمريكية ،كان من بينهم بنجامين فرانكلين، وجورج واشنطن، والكسندر هاملتون، وجيمس مادسيون... الخ. اجتمع الأباء المؤسسون للدولة الأمريكية واختلفوا وتجادلوا ولكنهم كانوا يفكرون بعمق بصنع أفضل دستور يضمن العزة والكرامة لشعبهم والتقدم لوطنهم، وأيضا كان هناك تسامى واضح عن الأنا الشخصية حيث رفض بنجامين فرانكلين تولى رئاسة الدولة وقال نريد شخصا اصغر سنا ورشح جورج واشنطن وهو ما كان.
ثانى هذه الدروس هو أن الدساتير يصنعها البشر من آجل البشر ولا بد أن تراعى فى النهاية مصلحة البشر،فبعد كتابة الدستور وعند التصديق ادخلت عليه عشرة تعديلات وهى التى سميت فيما بعد " وثيقة الحقوق"، واصر جورج مايسون الملقب بابو الدستور إدخال هذه التعديلات، وكان مايسون قد الف من قبل إعلان فريجينيا للحقوق عام 1776 ، واستفاد الدستور الأمريكى من هذا الإعلان فى وثيقة الحقوق، ومن اهم بنود هذه الوثيقة التعديل الأول الشهير الذى وضع الأساس لعلمانية الدولة ولحرية التعبير والذى نص" لا يصدر الكونجرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته، أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة، أو من حق الناس في الاجتماع سلمياً، وفي مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف". والتعديل التاسع الذى وسع فى الحقوق الحاضرة والمستقبلة وفسر كل شئ من معيار التوسيع ومناصرة الحرية ونص على " إن تعداد الدستور لحقوق معينة لا يجوز أن يفسر على أنه إنكار لحقوق أخرى يتمتع بها الشعب، أو انتقاصاً منها"، وجاءت ستة تعديلات فى وثيقة الحقوق العشرة لضمان العدالة من بداية الاتهام وحتى صدور الأحكام.
ثالث هذه الدروس المستفادة أن الدساتير ليست ابقارا مقدسة، فقبل الموافقة على الدستور ادخلت عليه عشرة تعديلات وتوالت التعديلات حتى وصلت حاليا إلى 27 تعديلا، والآن نحن فى مصر نصنع من إعلان دستورى مؤقت وصادر بشكل فوقى بقرة مقدسة نريد أن نبنى مستقبل مصر كله على هذه البقرة التى قدمت لنا رغم ما بها من عيوب جسيمة ورغم فرضها على الثورة من أعلى.
رابع هذه الدروس أن الدستور هو ركيزة مستقبل الدولة ولهذا عليه أن يقرأ المستقبل لا الماضى وهو ما قاله جورج مايسون فى مقولته " فى وضعنا لنظام نرغب فى أن يستمر لاجيال علينا أن لا نغفل التغيرات التى ستحدثها الأجيال".
خامس هذه الدروس هو الفصل التام والكامل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، مع توزيع السلطات فى توازن دقيق بينهم بحيث يجعل كل سلطة تراقب ولا تتحكم، تشارك ولا تستأثر، تحاسب ولا تنفرد،لا تفلت من المسألة ولا تتذرع بعدم المسئولية.
واخيرا تفسير المحاكم الدستورية لمواد الدستور فيما بعد يجب أن يكون فى اطار توسيع الحقوق والحريات والحرص على ضمانات العدالة، وهو ما جاء فى العديد من احكام المحكمة العليا فى أمريكا والتى وسعت واوجبت تفسير مواد الدستور بما يتعلق بحماية كافة الحقوق المقررة فى مواثيق حقوق الإنسان الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، ولكن مما يؤسف له فى مصر أن مئات الاحكام الصادرة عن المحاكم المصرية فسرت المواثيق الدولية فى ظل قيد الشريعة ففرغتها من مضمونها بدلا من الحفاظ على هذه الحريات، ولهذا علينا أن نصيغ مادة واضحة فى الدستور بأن لا تكون مادة الشريعة مقيدة لأى من الحقوق الأخرى الواردة بالدستور أو للمواثيق الدولية.
معركة الدستور هى معركة مستقبل مصر... ومستقبل الدولة المدنية... ومستقبل الديموقراطية.. ومستقبل التوافق الوطنى.. ومستقبل ضمانات الحريات الفردية والعامة، ولهذا فعلى المصريين أن يخرجوا إلى ميدان التحرير يوم 8 يوليو بكثافة للدفاع من مستقبلهم وحرياتهم ودماء شهدائهم التى كانت تصرخ مدنية مدنية..سلمية سلمية... حرية.. كرامة.. عدالة اجتماعية.
ختام القول
من البديهيات أن البشر يولدون جميعهم احرارا
توماس جفرسون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.