مصر تجهز البنية التحتية لاستيراد 2.25 مليار قدم مكعب غاز يومياً    مصدر أمريكي: ترامب قد يزور إسرائيل الشهر المقبل    مدرب باريس سان جيرمان: لا نستحق الفوز بالسوبر الأوروبي    تأهل 4 مصريات لنهائي السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عاما    ريبيرو يرفض مشاركة هذا الثنائي ومفاجأة تخص مستقبله    مصرع طفل على يد زوج والدته بالقليوبية    عضو "الأعلى للشؤون الإسلامية": رقمنة تراث إذاعة القرآن الكريم يعادل إعادة تأسيسها    تكريم الكاتبة دعاء سهيل بمهرجان همسة للآداب والفنون فى دورته ال 13    الداخلية تضبط طالبا اعتاد سب الآخرين على مواقع التواصل وحمل سلاح أبيض    محافظ البنك المركزى ووزير التعليم العالى يشهدان شراكة بين المعهد المصرفى وجامعتى القاهرة وسوهاج    تنسيق الجامعات 2025.. فتح باب تقليل الاغتراب لطلاب الثانوية العامة    وزير الإسكان: 18 و19 أغسطس الجاري..إجراء 3 قرعات علنية لتسكين المواطنين بأراضي توفيق الأوضاع بالعبور الجديدة    الزمالك يصرف مقدمات عقود لاعبيه للموسم الجديد ويعد بالانتظام في المستحقات    عاجل.. الأهلي يتجه لطلب حكام أجانب لمباراته أمام بيراميدز بالدوري    وزيرا الخارجية والاستثمار يبحثان آليات الترويج الفعّال للاقتصاد المصري وجذب الاستثمارات    «الأطباء البيطريين» تدعو لعقد جمعيتها العمومية العادية في 29 أغسطس الجارى    السكة الحديد: خفض مؤقت لسرعات القطارات بسبب ارتفاع الحرارة    تسليم لجان امتحانات الدور الثاني بالثانوية العامة لرؤسائها استعدادًا لانطلاقها السبت    بماذا نأخذ سياسة هذه الجريدة؟    اليوم.. آخر موعد لحجز شقق الإسكان الأخضر 2025 في 9 مدن جديدة (تفاصيل)    من مقاومة الاحتلال والملكية إلى بناء الإنسان والجمهورية الجديدة.. معارك التنوير مستمرة    25 ألف.. هل سيتم سحب فيلم "المشروع X"؟    هنادي مهنا نجمة «بتوقيت 28».. ثاني قصص سلسلة «ما تراه ليس كما يبدو»    محافظ الدقهلية: تحقيق فوري مع المتغيبين بمستشفى تمى الأمديد وجراءات صارمة لرفع كفاءة المستشفيات    طريقة عمل الكيكة العادية فى البيت بمكونات اقتصادية    مستشفى صحة المرأة بجامعة أسيوط تنظم برنامجا تدريبيا عن معايير GAHAR للسلامة    أسامة نبيه: حققنا مكاسب كثيرة من تجربة المغرب    علشان يسرق فلوسه.. قليوبي ينهي حياة جاره المسن داخل منزله    مكتبة القاهرة الكبرى تستقبل فعاليات الملتقى 21 لثقافة وفنون المرأة    إسرائيل تحذر لبنانيين من الاقتراب إلى مناطقهم الحدودية جنوب البلاد    الرقابة المالية تصدر معايير الملاءة المالية للشركات والجهات العاملة في أنشطة التمويل غير المصرفي    السودان يرحب ببيان مجلس الأمن الذي يدين خطط الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية    بسبب خلافات أسرية.. الإعدام شنقاً للمتهم بقتل زوجته وإضرام النيران في مسكنهما بالشرقية    الائتلاف المصري يستعد لمراقبة انتخابات الإعادة: خطط عمل وأدوات رصد للتنافسية داخل 5 محافظات    خارطة طريق للمؤسسات الصحفية والإعلامية    عمر الشافعي سكرتيرًا عامًا وإيهاب مكاوي سكرتيرًا مساعدًا بجنوب سيناء    قرار قاسي في انتظاره.. تفاصيل عفو الزمالك عن فتوح وشرط جون إدوارد    بيان رسمي.. توتنهام يدين العنصرية ضد تيل بعد خسارة السوبر الأوروبي    شقيقة زعيم كوريا الشمالية: لا نرغب فى تحسين العلاقة مع الجنوب.. وتنفي إزالة مكبرات الصوت    الليلة.. انطلاق فعاليات الدورة الثالثة من «مسرح الغرفة والفضاءات» بالإسكندرية    السيسي يوجّه بتحويل تراث الإذاعة والتلفزيون المصري إلى وسائط رقمية    ما حكم اللطم على الوجه.. وهل النبي أوصى بعدم الغضب؟.. أمين الفتوى يوضح    سعر الأسمنت اليوم الخميس 14- 8-2025.. بكم سعر الطن؟    «الأعلى للطاقة» يناقش توفير القدرة الكهربائية ل14 مشروعًا صناعيًا جديدًا    إي إف جي القابضة تواصل مسيرة النمو الاستثنائية بأداء قوي خلال الربع الثاني من عام 2025    درجة الحرارة اليوم.. احمي نفسك من مضاعفاتها بهذه الطرق    ضبط موظف بمستشفى لاختلاسه عقاقير طبية ب1.5 مليون جنيه    الداخلية تضبط عدة تشكيلات عصابية تخصصت في السرقات بالقاهرة    فرنسا ترسل تعزيزات لدعم إسبانيا في مكافحة الحرائق    رئيسة القومي للطفولة تزور الوادي الجديد لمتابعة الأنشطة المقدمة للأطفال    ريبيرو يراجع خطة مواجهة فاركو في المران الختامي للأهلي    مع اقتراب موعد المولد النبوي 2025.. رسائل وصور تهنئة مميزة ب«المناسبة العطرة»    100 منظمة دولية: إسرائيل رفضت طلباتنا لإدخال المساعدات إلى غزة    خالد الجندي: حببوا الشباب في صلاة الجمعة وهذه الآية رسالة لكل شيخ وداعية    «100 يوم صحة» تُقدم 45 مليونًا و470 ألف خدمة طبية مجانية في 29 يومًا    أدعية مستجابة للأحبة وقت الفجر    التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا    في ميزان حسنات الدكتور علي المصيلحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلمانيون المتطرفون يستخِفّون بالعقول
نشر في المصريون يوم 20 - 06 - 2011

بعض الأمثلة الشعبية المشهورة تنطوى على حكمة بالغة، خطرت فى ذاكرتى وأنا أتابع الحملة المسعورة فى الصحف والفضائيات هذه الأيام، حملة تستهدف فى حقيقتها وجوهرها القضاء على الانجاز الديمقراطي الوحيد الذى حققه الشعب فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ووضع العراقيل فى طريق الانتخابات، التى يفترض أن تتم فى سبتمر المقبل.. حملة واضحة ضد الديمقراطية وضد إرادة الشعب.. ولكنها تتم تحت شعار مضلل هو " الدستور أولا"..
يتصدّر هذه الحملة مجموعة من أشد العلمانيين تطرّفا وأجرأهم على الكذب وتزييف الحقائق، والافتراء على خلق الله بالباطل.
ستجد بين هؤلاء كاتب يحاول إقناعك فى مقال منشور بصحيفة الشروق بأن الاستفتاء على التعديلات الدستورية، الذى وافق عليه الشعب المصري بأكثر من 77% كان استفتاءً باطلا، الكاتب (ص.ح.) مشارا إلى إسمه بالحروف الأولى، يسوق لك خمسة أدلّة ملفقة، كل واحد منها يثير الضحك ويبعث على السخرية، تحت عنوان: " الاستفتاء.. وما بُني علي باطل" وعلى هذا المقال ينطبق المثل الشعبي القائل " الكتاب يُعرف من عنوانه" وهو مثل عادة ما يُطلق فى حالة القدح لا المدح.
كما أن المثل الشعبي الآخر الذى يقول: "أول القصيدة كفر...!" ينطبق أيضا بجدارة على هذا المقال ، فكاتبه يستهلّه بفرضية مُضَلّلة للقارئ، حث يبدأ المقال بهذه العبارة :
" كثر التذرّع بالاستفتاء فى الآونة الأخيرة لرفض كل خريطة طريق للمستقبل مغايرة لتلك التى يريدها الإخوان المسلمون وحلفاؤهم السلفيون، والتى تطالب بالانتخابات أولا، وليس كما يطالب من قاموا بالثورة بالدستور أولا..".. وجوهر التضليل هنا يتمثّل فى رفض الكاتب (على سبيل الاستخفاف والاستهبال) الاعتراف بالحقيقة والواقع: وهو أنه قد جري استفتاء أقره الشعب بأغلبية ساحقة وأن موعد الانتخابات فى سبتمبر القادم مقرر ضمنا بموافقة الشعب أيضا على الاستفتاء.. وكذلك وضع الدستور من خلال مجلس الشعب [المنتخب].. فى هذا السياق المنطقي والقانوني لم تعد القضية إذن صراع بين فكرة "الانتخاب أوّلًا أو الدستور".. أو بين فريق اسمه الإخوان يطالبون بشيء، وفريق ضده اسمه "من أقاموا الثورة" يطالب بعكسه، كما يحاول الكاتب أن يوهم القارئ.
ويبدو أن صاحبنا هذا كان نائما عندما أنهى الشعب مشواره الأول بنجاح فى سيره نحو بناء مستقبله السياسي والديمقراطي، ومن ثم يريد أن يعيده مرة أخرى فى السباق إلى نقطة البداية.. كأنه لم يحقق فوزه الساحق ولم ينجز شيئا...!
ثم يبنى صاحب المقال علي هذا الافتراض الخاطئ إدعاءات يزعم أنها مسلّمات بديهية، وهى ليست كذلك إلا فى خياله: فقد وضع الإخوان والسلفيين فى كفة باعتبارهم المؤيدين للانتخاب أولا ووضع ما يسميهم "من قاموا بالثورة " فى كفة أخرى باعتبارهم المطالبين بالدستور أولا..!
ولو أدرك صاحبنا الخلل فى منطقه و فى قسمته الخاطئة لخجل من نفسه؛ فالقضية الآن واضحة وضوح الشمس فى رائعة النهار وخلاصتها: أن الشعب مُصِرٌّ على مواصلة مشواره ولكن فريقا من قُطاع الطرق يحاولون منعه من مواصلة مسيرته التى اختارها، انطلاقا من قراره الشرعي الذى سجّله فى عملية الاستفتاء.. يريدون إلغاء الاستفتاء أو القفز عليه كأنه لم يكن.
فالذى اختار الانتخاب أولا هم الذين صوتوا بنعم فى الاستفتاء، وهم الشعب وليس الإخوان ولا السلفيون، والذين قاموا بالثورة هم الشعب أيضا وليس من يتوهمهم صاحب المقال، ولا أعرف أين يتجه نظره وهو يحدد "من قاموا بالثورة"...؟ فهذه مشكلته هو ولا تهم أحدا فى شيء...!
لقد انطلق الشعب، وهو صاحب الشرعية وصاحب الثورة وصانعها فى سباق الديمقراطية واختار طريقه وقرر مصيره، بينما لجأت الأقلية التى لا ترى فى الديمقراطية ولا الانتخابات القادمة أى أمل فى أالمستقبل للوصول إلى السلطة عبر الوسائل المشروعة ، وأقصد بذلك صناديق الاقتراع العام.. وتظن أن تأجيل العملية الديمقراطية قد يعطيهم الفرصة للوصول إلى السلطة بوسائل جانبية بعيدا عن الانتخابات الحرة وبعيدا عن صناديق الاقتراع، وبالتالى يعودون بالشعب إلى زمن كانت تُهدر فيه إرادته، وتفرض عليه مشيئة أقلية فاسدة لا يهمها إلا تحقيق مصالحها الخاصة فى نهب ثروته واستعباده واستنزاف كرامته، وإخضاعه مرة أخرى بالقهر البوليسي، لدكتاتورية نخبة علمانية جديدة.. وهذه هى حقيقة حملتهم المسعورة ضد الانتخابات وسر عملية التضليل واسعة النطاق التى يرفعون فيها شعار "الدستور أولا" ..
يقول صاحبنا فى مقاله متفلسفا، ومتناقضا مع نفسه أيضا: "صحيح أن للاستفتاء فى القانون شرعيته، لأنه من أهم ممارسات الديمقراطية المباشرة".. ولكنه سرعان ماينقلب منتكسا على عقبيه فيقول: " إلا أن هناك أيضا فى القوانين الدولية، وفى بلدان كثيرة من العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية، أنواعا من الاستفتاءات منها الاستفتاءات الملزمة، وتلك ذات النتائج غير الملزمة.."
ثم يفتى لنا بأن: "الاستفتاء لا يكون ملزما إلا إذا دعت إليه سلطة تشريعية منتخبة، كما هو الحال فى الولايات المتحدة حيث يفرّقون بين الاستفتاء Referendum، الذى يحال للشعب من مجلس منتخب، وبين المبادرة Initiative التى تطرحها على الشعب جهات غير منتخبة.." وبناء على هذه الممارسات الأمريكاني، التى تروق لمزاجه الديمقراطي، يحكم على الاستفتاء بأنه لم يكن استفتاء وإنم -حسب تسميته- هو "مبادرة" حيث يقول أن: " ما طرح على الشعب المصرى، لم يكن استفتاء بل مجرد مبادرة من جهة غير منتخبة..".. إذن فليسقط الاستفتاء...!
لم يحدد لنا صاحب المقال نوع أو صفة هذه الجهة غير المنتخبة، فقد تكون مثلا جمعية الرفق بالحيوان، فهى جهة ليست منتخبة من الشعب، وليست لها أى سلطة ولا صلاحيات أن تطلب من الشعب أن يقوم بالاستفتاء على أي شيء، خصوصا مع وجود برلمان وحكومة ورئيس دولة..
فهل يسوّى صاحب المقال مثلا جمعية الرفق بالحيوان الأمريكية
بالمجلس العسكري الأعلى فى مصر وهو جهة غير منتخبة مثلها..؟؟! إن الكاتب لم يفهم أن هذا المجلس –بالاستفتاء الذى استجاب له الشعب- قد حصل ضِمْنًا على تفويض من الشعب المصرى للاستمرار فى الفترة الانتقالية، و أصبح هو السلطة الوحيدة القائمة، والتى بغيرها ينفرط عقد الدولة المصرية، فى حين لو اختفت جمعية الرفق بالحيوان من الولايات المتحدة الأمريكية كلها فلن تسقط دولة أمريكا..
ثم أن المجلس العسكري هو الذى سيدعو المصريين للانتخابات العامة فهل يرى صاحبنا أنه أيضا ليس جهة الاختصاص وأن الانتخابات ستكون باطلة كما كان الاستفتاء باطلا...؟! علما بأن الشعب فى كلتا الحالتين هو الذى ذهب وسيذهب مختارا بكامل حريته ورضاه إلى صناديق الانتخاب ليدلى بصوته ويختار ما يريد، كما يختار من ينوب عنه أو يحكمه.. فهل يصبح كل ذلك باطلا لأن من دعاه للاستفتاء ودعاه للانتخابات جهة غير منتخبة..؟
وهنا يرتفع سؤال مهم جدا: " البيضة قبل الفرخة أم الفرخة قبل البيضة...؟!" أيهما الأصل ...؟؟! أتخيل حسب هذه المعادلة أننا لن يكون لدينا انتخابات أبدا حتى نهاية هذا القرن، ما لم يتعطف علينا إخواننا فى المريخ فيرسلون إلينا "جهة منتخبة" جاهزة .. تسليم مفتاح...!
أصدقاء صاحبنا هذا يذهبون أبعد مما ذهب إليه؛ فهم يرون حتى لو انتخب الشعب نوابه فى البرلمان [ لا حظ أن هذا الانتخاب سيجرى فى زمن الحرية وانعدام التزييف] واختار البرلمان المنتخب مائة من الخبراء والمتخصصين ليضعوا دستورا جديدا للبلاد، ثم عُرض على الشعب فى استفتاء عام ، فإن هذا الدستور سيكون باطلا...
لماذا...؟! لأنه بزعمهم: دستور ناتج عن استفتاء باطل... لماذا؟؟! لأن الذى دعا إليه برلمان باطل... لماذا؟! لأن البرلمان مؤسس على تعديلات دستورية باطلة...؟ لماذا ..؟! لأن المجلس العسكري الأعلى هو الذى دعا لإجراء التعديلات الدستورية، وليس هذا من اختاصه.. لأنه جهة غير منتخبة..!
فماذا كان ينبغى على المجلس أن يفعله ليكون مرْضِيًّا عنه..؟ كان يجب أن يستمع إلى رغباتهم هم، فرغم أنهم أقلية حقا.. ولكنهم النخبة التى وحدها تفهم .. وحدها الوطنية.. وحدها التى يجب أن يُستمع إليها..! أما الشعب فجماهير من الحثالة والغوغاء والجهلاء، نصفهم أميون، والنصف الثانى عمال وفلاحون.. وهؤلاء جميعا ليس من حقهم أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم فهم لم يبلغوا بعد سن الرشد.. وإذا أدلوا بأصواتهم فى استفتاء عام فهو باطل.. وكما يقول فيلسوفهم أستاذ العلوم السياسية " ليست الأغلبية دائما على حق" .. وللأسف فإن فيلسوفهم أيضا يزيّف الحقيقة..
إنه يحرّف الكلم عن مواضعه؛ فإن ما ينطبق على شلّة من الناس يتناقشون فى مجلس أو على مسطبة قد تنحاز أغلبية منهم لرأي أو فكرة.. يمكن أن يُحكم عليها بالصح أو الخطأ.. ولكن هذا لا يمكن أن ينسحب على جماهير الأمة الذين يذهبون إلى الاستفتاءات العامة فى قضية محددة معروفة سلفا وقد تداولها الناس فيما بينهم وقلبوها على شتى الوجوه .. أو يذهبون لاختيار ممثليهم فى البرلمان .. وقد عرفوا أشخاصهم وعايشوهم زمنا.. كل فى دائرته.. وأبسط الناس فى هذا الشعب يعرف من المصلح ومن الفاسد والمفسد..؟! من أحق باختيارهم ومن يجب نبذه أو طرحه جانبا.. ؟!
لذلك لا يصح أن يقال عن اختيارات الأغلبية الشعبية فى الانتخابات العامة أنها اختيارات صح أو غلط، فهذه الأحكام الأكاديمية لا تنطبق هنا يا سادة فلا تخدعوا الناس.. إنما الصحيح أن يقال: هذا ما اختاره الشعب فقط وتلك إرادته... وهذا هو لب الديمقراطية: أن يختار الشعب ما يريده هو.. لا مايريده أستاذ العلوم السياسية، ولا ماتختاره النخبة التى تزعم أنها المثقفة.. والتى كل ميزتها أنها لا تزال تحتكر الصحف وتحتكر وسائل الإعلام، وقد كرّست كل جهدها فى تخويف الناس بمقولة أن الإسلاميين يريدون دولة دينية.
وعلى عكس هذا المشهد العبثيّ فى مصر، أرى هنا فى لندن مشهدا آخر؛ ففى ندوات ومؤتمرات محترمة تتناول الشأن العربي والمصري بعد الثورة برصانة المفكرين وأمانة المنصفين، مثل عضو مجلس العموم البريطاني "جِرِيمِى كورْبِين، الذى يؤكد أن الإسلاميين فى مصر لا يسعون لإقامة دولة دينية، بل دولة مدنية مستندة إلى أخلاق الإسلام، ولا يجد المفكر الأوربي المسيحي غضاضة فى هذا، ولا يتشكك فى صدقه.. بينما ترى فى مصر تشنّجًا مَرَضِيًّا ينتاب النخبة العلمانية عندما يسمعون عن دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، فيقسمون بالأزلام أنها دولة دينية.. ويجب إقصاء الدين من حياة الناس وسياستهم..!
لقد بحث الأوربيون المنصفون واقتنعوا بأن الدولة المدنية التى يدعو إليها الإسلاميون ليست هى الدولة الدينية كما يعرفونها من تاريخهم وحضارتهم، ولكن العلمانيون عندنا أصبحوا أشد تعصبا وأشد عنصرية من نظرائهم فى الغرب..
لقد أصبح هؤلاء الغربييون أكثر فهما للتغيرات التى وقعت فى بلادنا وأكثر اتصالا بمصادر المعرفة الصحيحة عن التوجهات السياسة للإسلام الوسطيّ المعتدل، ويعرفون كيف يتواصلون مع أصحابها ويترجمون عنهم من أمثال الشيخ يوسف القرضاوى، بينما الأسوانى، لا يزال يتشبث بمصادره المشبوهة من تقارير بعض أصحابه الذين يستمعون إلى خطبة الجمعة من منازلهم المجاورة لبعض المساجد.. ويعتمد على مدوّنات مسيحية محلية فى تسجيل مفبرك بصوت مقلد للشيخ "الحويني" يحرّض فيه المسلمين على غزو سويسرا ونهب أموالهم ونسائهم غنائم، وهذا هو التسجيل الوحيد بين - مئات التسجيلات الأخرى- للشيخ لا يظهر فيه بنفسه وصورته.. يستخف الأسواني بقرّائه، لأنه يخلط فى كتاباته بين تأليف الروايات التى اشتهر بها، وبين كتابة المقال التى يجب أن تعتمد على تحرِّى الحقائق والتدقيق فى مصادر المعرفة، ولا تعتمد على الأساطير وشطحات الخيال.. وعلى ما يرويه الحشاشون عن خطباء المساجد يوم الجمعة..
يعرف الغربيون المنصفون رأي الشيخ القرضاوى فى الحكومة الإسلامية المدنية ما لا يعرفه الأسواني وأصحابه.. فدعنا نعرض كلام الشيخ مقتبسا من كتابه "الإسلام والعلمانية وجها لوجه" فى طبعته السادسة سنة 1997: فى إطار تحديده لمفهوم الإسلام، يلفت الشيخ نظرنا بشدة إلى رأيه فى الحكومة الإسلامية تحت عنوان: "حكومة العدل والشورى الملزمة " وهو الرأي الذى يتفق فيه مع الوسطية الإسلامية التى تستوعب الغالبية العظمى من المفكرين الإسلاميين.. يقول الشيخ:
"إن الإسلام الذى يدافع عنه يؤكد حق الأمة فى اختيار حكومتها القائمة على العدل والمساواة [والشورى الملزمة]، فلا يُفرض عليها حاكم يقودها رغم أنفها، بل يعتبر أن الحكام أُجَرَاء عندها أو وُكلاء عنها... للأمة حق مراقبتهم ومحاسبتهم، كما عليها تقديم النصيحة والعون لهم، والطاعة فى المعروف، فمن أمربمعصية فلا سمع ولا طاعة، ومن اعْوجّ وانحرف وجب أن يُقوّم بالنصح والإرشاد، وإلا فالعزل والإبعاد.. والدولة أو الحكومة بهذا المعنى، وإن كانت "إسلامية" ليست دولة أو حكومة "دينية" بالمعنى الذى عرفه الغرب فى العصور الوسطى... هى دولة تقوم على البيعة والشورى والنصيحة والعدل، وتحتكم إلى دستور [أعلى] لم تضعه هى ولا تملك تغييره بل هو شرع ربها... دولة ليس قوامها رجال الدين، بل كل قويّ أمين حفيظ عليم..."
"هذا الإسلام يرحب بكل ما كسبته البشرية ووصلت إليه من خلال صراعها مع الطغاة والمستبدين، من صيغ وصور تطبيقية تضمن حقوق الشعوب فى مواجهة الحكام، وحرية الضعفاء أمام الأقوياء، و [تضمن]إجراءاتها الفصل بين السلطات وتحديد العلاقات فيما بينها، وإقامة البرلمانات المنتخبة، والقضاء المستقل، وما يتبع ذلك من صحافة حرة ومنابر حرة وأحزاب معارضة، إلى غير ذلك مما يتفق مع روح الإسلام [ومقاصده الكلية]، وإن لم ترد فيه نصوص مباشرة جزئية..."
فإذا لم تكن هذه هى الحكومة المدنية فأي حكومة تكون...؟!
لقد فهمها المنصفون فى الغرب واستجابوا لها، وكتب عمدة لندن السابق دفاعا مجيدا عن الشيخ القرضاوي متحديا حكومته التى أمرت بمنعه من دخول بريطانيا، متحديا اللوبى الصهيوني رغم نفوذه الخطير هناك، ولكن النخب العلمانية عندنا لا تستطيع أن تفهم.. ولا تستطيع أن تتخلص من تعصّباتها وأكاذيبها، وهى سادرة فى ارتكاب الحماقات.. ولنصيحة هؤلاء أقول: إذا كان فى هذا الشعب علّة فأنتم علّته التى يجب أن يبرأ منها .. دعوا الشعب الذى انطلق من أسر العبودية والدكتاتورية البوليسية، يتمتع بحريته، فهو لن يقبل الدخول فى عبودية القِلّةِ المتعالية، التى لا تحترم اختياراته أوعقيدته، وتقف حجر عثرة فى طريق الديمقراطية.. لن يستمع الشعب إليكم وسترون أنه سيسحقكم تحت أقدامه.. سوف يختار نوابه وحكامه كما يريد لا كما تريدون له.. وسيصنع دستوره الجديد ولن يسمح لكم أن تصنعوه له، وسوف يطوّر ديمقراطيته ويحقق أهدافه وطموحاته هو لا أهدافكم وطموحاتكم أنتم.. دعوا الطائر يحلق فى سماء الحرية ولْتعد الخفافيش إلى أوكارها المظلمة ...!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.