قبل 21 عاماً اشتركت إسرائيل بجناح في المعرض الدولي للكتاب.. كان رئيس الهيئة هو الشاعر الكبير «صلاح عبد الصبور»، بعدها بعدة أشهر وفي حوار مع أصدقائه المثقفين تعرض «صلاح» لانتقاد حاد تردد أن أكثرهم قسوة كان لفنان الكاريكاتير الكبير الراحل «بهجت عثمان»، ولفظ «صلاح» أنفاسه الأخيرة وهو يدافع عن نفسه بعد أن اختنقت الكلمات في صدره.. قبل نحو أسبوع قرأت للزميلين العزيزين «حلمي النمنم» و«جمال الشاعر» أصداء علي هامش هذا الحدث سأل «جمال الشاعر» «د. جابر عصفور» الأمين العام السابق للمجلس الأعلي للثقافة: ماذا لو كنت أنت المسئول وقتها عن معرض الكتاب؟ أجابه: سوف أستقيل علي الفور.. «حلمي النمنم» في مقال له علي صفحات «المصري اليوم» كتب كعادته مستنداً للوثائق والأسانيد مؤكداً أن «صلاح عبد الصبور» كان يقاوم وجود جناح إسرائيل لم يقل إنه ضد إسرائيل مباشرة، لكنه استند إلي أن المعرض أعلن فعالياته وأن إسرائيل تقدمت بعد الميعاد الرسمي.. اعتراض رسمي يليق بموظف رسمي يريد أن يعبر الأزمة دون أن يصطدم بالسلطة!! كان هذا هو الفصل الأول لكن جاء الثاني وهو أن الرئيس «أنور السادات» صاحب القرار كانت مصر قد وقعت اتفاقية السلام مع «إسرائيل» والرئيس يحاول أن يثبت لهم أن خطوط السلام تتحرك في كل الاتجاهات الاقتصادية والسياسية والثقافية.. هل كان «صلاح عبد الصبور» يشعر بصراع داخلي بين قناعاته كموظف كبير في الدولة وبين رأيه الشخصي كمفكر ومثقف وشاعر كبير، بل واستثنائي في العالم العربي؟.. من الواضح طبقاً للوثيقة التي أعلنها «حلمي النمنم» والذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب أن «صلاح» كان بداخله يرفض ولكنه لم يضح بالوظيفة.. هل كان «جابر عصفور» يضحي؟ هو قال لجمال نعم أستقيل.. لقد عاش المثقفون قبل بضعة أشهر في اختيار يقترب ولا أقول يتطابق مع ذلك الحدث وهو دعوة المايسترو الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية «بارنبيوم»، وكان من الواضح أن دعوته للأوبرا تدخل في إطار رغبة الوزير - بضوء أخضر من الدولة بالطبع - في أن يثبت للوبي الإسرائيلي أنه لا يقف ضدهم، وهو ما أكده بعد ذلك بالعديد من تصريحاته المختلفة عبر أجهزة الإعلام الغربية، حيث اضطر للتراجع عن عديد من مواقفه السياسية ولم نسمع أن واحداً من كبار موظفي وزارة الثقافة احتج أو استقال؟! لا أتصور أن من يقترب من السلطة يملك أن يعبر كاملاً عن قناعاته إلا إذا قرر أن يستغني عن الدولة ويدفع في هذه الحالة الثمن.. من يدخل حلبة السلطة عليه أن يقبل بشروط اللعبة!!