صديقك من صدقك..هذه الجملة صحيحة تماماً، ومع هذا فإن الحقيقة أن أحداً لا يحب ولا يريد هذا النوع من الأصدقاء. ذات مساء منذ سنوات كنت أجلس بكازينو «جود شوت» علي النيل بالمعادي عندما لمحت ميرفت..هي بعينها.. حسناء الحي التي دوّخت الكثيرين وأتعبتهم في هواها بأسلوبها المراوغ عندما كانت تمد للجميع حبالها ثم تسارع بسحب الحبال قبل أن يلمسوها وتتركهم يضربون أخماساً في أسداس. وإنني لأذكر عدم شعوري بالارتياح عندما خطبها صديقي جمال. كنت أعتقد أنه ليس نداً لها ولا يقدر علي ترويض هذا الفرس الجامح، وأشفقت عليه من عيون الآخرين الذين كانوا يلتهمونها وهي تخطر في مشيتها تدق الأرض بكعبها العالي، وسعادتها برقابهم تلتوي تتبعها أنَّي ذهبت. وها هي الآن تجلس غير بعيدة عن مائدتي مسبلة العينين مع شاب مفتول العضلات له سمات لاعبي كمال الأجسام تاركة يديها لتنام كالعصفور بين يديه. ظللت أرقبها وهي تميل عليه في دلال وهو يميل عليها في رقاعة يهمس في أذنيها، ثم ضحكاتهما ترتفع في سعادة. شعرت وقتها بالحزن الشديد علي واحد من أنبل من عرفت من الأصدقاء. كنت أعرف أنه مدلّه في هواها لدرجة الدهولة وأعرف أن مشاعره قد نسجت لها في مخيلته صورة بتولية مجافية تماماً لحالها الذي يعرفه الجميع. عندما نهضت لتنصرف وجدت نفسي أتبعها في الممر الضيق المظلم المفضي إلي خارج الكازينو، وهناك شاهدت الوغد يحتضنها ويرفعها عن الأرض ويقبلها قبل أن يضعها ثم يلف يده حول خصرها ويسيران نحو الشارع. خرجت وراءهما وحرصت علي أن أريها نفسي لتعرف أنني رأيتها، فما كان منها إلا أن تمسكت برفيقها وتعلقت بذراعه وهي ترمقني في استهانة!. لا أنسي كيف هرعت من فوري إلي جمال وكيف قصصت عليه ما شاهدته وأنا ألهث وأنتفض من الحنق. كان جمال يستمع وهو غارق في الحزن، وبعد أن فرغت من القص سألته ماذا هو فاعل فأجاب في هدوء: سأواجهها بالطبع وأقوم بما يجب أن أقوم به. قلت له: أنا أعرف أنك رجل ذو نخوة ولا يخامرني شك في أنك ستطوي صفحتها وتنصرف إلي حياتك بعيداً عنها وسوف يعوضك الله بمن تستحقك وتصونك. في الأيام التالية أذهلني أنه لم يقطع علاقته بها لكن صار يتحاشاني أنا!.واجهته بالأمر فأجاب: لقد أخبرتني أنك اخترعت هذه الحدوتة لأنك لا تحبها، بل إنك لا تحبني ولا تريد لي الخير والسعادة التي تنتظرني معها!. قلت له وأنا أكاد أبكي: انظر إلي عيني وأخبرني: هل تصدق ما تقول؟. وهنا أطرق إلي الأرض وطفرت من عينيه الدموع ثم تركني مبتعداً.. ومن بعدها قطع علاقته بي إلي الأبد. بعدها تعلمت ألا أكرر هذه الغلطة ما حييت، وأدركت أن الرجل الذي يقرر الارتباط بفتاة لعوب لا يكون جاهلاً بسلوكها وإنما يريد ألا يزعجه أحد بتذكيره بذلك، وعرفت أنني عندما واجهته فقد وضعته في ركن ضيق فصارت خياراته بعد ذلك كلها أسوأ من بعضها فإما أن يتصرف كرجل ويتركها وفي هذه الحالة فإنه سيعتبرني مسئولاً عن خسارته لحبه، وعليه فلسوف يكرهني حتماً.. وإما أن تسحقه مشاعره فيقرر تصديق أكاذيبها ويسامحها، وفي هذه الحالة أيضاً سيكرهني ولن يحتمل أن يضع عينه في عيني بعد ذلك..لهذا فنصيحتي هي: إذا علمت عن فتاة صديقك شيئاً لا تسعده معرفته فلا تخبره بذلك أبداً!.