التعليم: اليوم آخر فرصة للتسجيل في المنحة الدراسية الكاملة بالتعاون مع البنك المركزي    رئيس جامعة القاهرة يوجه بمتابعة إجراءات توقيع الكشف الطبي على الطلاب المستجدين    بالصور.. وزيرة التضامن تفتتح فصول رياض أطفال بالعاشر من رمضان    وزير المالية: توسيع نطاق الشراكة مع القطاع الخاص لتسريع خطوات التنمية    الأسبوع الماضي.. 4000 رسالة غذائية مصدرة والدول العربية على رأس الدول المستقبلة    رئيس جامعة حلوان: الحروب فى العالم اتخذت شكلا عكس ما حدث فى الماضى    «عوض» تتابع استعدادات إبراز البعد البيئي في افتتاح المتحف المصري الكبير    ارتفاع إجمالي وفيات المجاعة وسوء التغذية في غزة إلى 422 حالة منهم 145 طفلا    أكثر من 110 آلاف يشاركون في أكبر مسيرة يمينية متطرفة في بريطانيا    محمد صلاح يقود التشكيل المتوقع لليفربول ضد بيرنلي    هل وقع أسد الحملاوي ل الأهلي؟.. شوبير يكشف التفاصيل    الداخلية تكشف ملابسات سرقة حقيبة موظف بالمعاش في بني سويف    ضبط مصنع غير مرخص لتعبئة السكر واكتشاف عجز 25 طنًا بفرع جملة الأرياف في طهطا    براءة علاء حسانين وحسن راتب بقضية غسل الأموال    الداخلية تكشف ملابسات تعدي شخص على مواطن بعصا خشبية بالعجوزة    نوري بيلجي جيلان رئيسًا للجنة تحكيم المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي ال46    محمد الخشت يناقش "فلسفة الدين" في بودكاست بيت الحكمة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية    تشييع جنازة أرملة الموسيقار سيد مكاوى اليوم بعد صلاة الظهر بمسجد الشرطة    كشف أثري عن ورشة لصهر النحاس بجنوب سيناء    وزارة الصحة توفد 6 من أخصائيي التمريض للتدريب في اليابان    وزير الخارجية الأمريكية: قطر شريك مهم ومفيد على عدة جبهات    اتحاد شركات التأمين يوصي بالاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي    خبير في شئون الجماعات الإرهابية: أكاذيب الإخوان تستهدف الاقتصاد عبر التضليل الرقمي    تفاصيل التقدم لأول امتحان بشهادة البكالوريا المصرية إجباريا    سكرتير بني سويف يبحث تطوير مركز تدريب الحاسب الآلي    بسبب رفضه العمل خارج أوربا .. الأهلي يرفع العرض المالي لإقناع فيشر بتدريب الفريق    مواعيد مباريات اليوم الأحد 14 سبتمبر 2025 والقنوات الناقلة    طولان: أنا مدرب منتخب مصر بالصدفة    المدير التنفيذي للأهلي يكشف كواليس قرار الخطيب بالانسحاب من الانتخابات    اللجنة الوطنية المصرية لشئون الألكسو تشارك في أعمال الدورة غير العادية بتونس    «الإفتاء» تواصل عقد مجالسها الإفتائية في المحافظات حول «صلاة الجماعة.. فضائل وأحكام»    مصر: تعطيل العمل بالقسم القنصلي بسفارتنا في الدوحة الإثنين تزامنا مع القمة العربية    وكيل وزارة الصحة في الإسكندرية يتفقد 3 مراكز طبية لمتابعة الخدمات الصحية    مكملات غذائية تساعد في تحسين حالة الكبد الدهني خلال 3 أشهر    البنك الأهلي المصري يدعم وحدة الايكمو في القصر العيني ب60 مليون جنيه    إسقاط مسيرة أٌطلقت نحو منطقة مطار رامون بالنقب في إسرائيل    الهلال الأحمر يدفع ب3200 طن مساعدات إغاثية عبر قافلة زاد العزة ال36 إلى غزة    فيديو.. الأرصاد تحذر من كثافة الشبورة المائية وارتفاع أمواج البحر الأحمر    مدرب بيراميدز السابق: أتمنى تدريب الأهلي وهو أصعب فريق واجهته في مصر    صحيفة نمساوية: بولندا باتت تدرك حقيقة قدرات الناتو بعد حادثة الطائرات المسيرة    الدوري الإنجليزي.. موعد مباراة ليفربول ضد بيرنلي والقنوات الناقلة    إنقاذ حياة طفل 7 سنوات لسقوط سقوط جدار خرساني عليه بالمنوفية    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 14 سبتمبر 2025    أسعار الفاكهة اليوم الأحد 14 سبتمبر في سوق العبور للجملة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 14 سبتمبر 2025    «الخطيب ملعبش لواحده.. سيبنا أبهاتنا بتموت عشان الأهلي».. مجدي عبدالغني يوجه رسائل نارية لمنتقديه    روبيو يبحث مع نتنياهو إمكانية ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية    خطوات استخراج البطاقة الشخصية 2025 ب 5 طرق أبرزها عبر الإنترنت    الجيش الصيني يحذر الفلبين ويدعوها لوقف التصعيد في بحر الصين الجنوبي    نجلاء بدر: «أزمة ثقة» مسلسل نفسي كشف دواخل الشخصيات.. والقاتل كان معروفا منذ الحلقة الأولى    جثة و6 مصابين في تصادم توك توك ودراجة بخارية في البحيرة    د.حماد عبدالله يكتب: حينما نصف شخص بأنه "شيطان" !!    ما حكم صلاة تحية المسجد أثناء وبعد إقامة الصلاة؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    متى تُصلّى صلاة الاستخارة؟.. أمين الفتوى يجيب    هشام جمال يحتفل بخطوبة صديقه.. وليلى زاهر تخطف الأنظار بإطلالة أنيقة    محطة العائلة المقدسة.. دير العذراء ببياض العرب يتحول لمقصد سياحي عالمي ببني سويف    خالد عبدالقادر مستشار وزير العمل للسلامة والصحة المهنية ل«المصري اليوم»: توقيع عقوبات مغلظة على المنشآت المخالفة    هل هناك ترادف فى القرآن الكريم؟ .. الشيخ خالد الجندي يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المواد الحافظة
نشر في الدستور الأصلي يوم 24 - 01 - 2010

لو أن مصر علبة سردين لفسدت منذ زمن ولكانت الآن قابعة في قاع صفيحة الزبالة ينهش فيها جيش من قطط التتار، فالعلبة عرضة منذ فترة طويلة لكل ما قد يغير لونها وطعمها ورائحتها ويقضي علي صلاحيتها وعمرها الافتراضي (الفساد والرشوة والمحسوبية والجهل والفتنة الطائفية والتعصب الأعمي والأمراض النفسية، الزحام والتلوث والضوضاء والسلبية وانعدام الضمير، القهر والتسلط وسوء استخدام السلطة، الروتين والفن الهابط والصحف الصفراء وأحوال التعليم والنقل والصحة والزراعة الرديئة، تشريد العمال وديون الفلاحين واعتزال جامعي القمامة، أحزان من سقط أبناؤهم ضحايا الإهمال والشعور بأنك في بلد لا تستطيع أن تحصل فيه علي حقك ،لعنة الموظفين المتكاسلين وأمناء الشرطة المتسلطين وغياب ضمير المعلمين وسذاجة المذيعات والمذيعين ورؤساء التحرير المكشوفين والوزراء الذين يسبون الدين).
سُتجن مثلي عندما تكتشف أن علبة السردين مازالت شهية وأن المتن نفسه متماسك بدرجة كبيرة ويحتاج منك فقط لبعض الخلخلة أو الرج الشديد لتكتشف أنها مازالت سليمة، كل ما في الأمر أن العلبة الصفيح قد صدأت وأصبحنا في حاجة إلي علبة جديدة.
لابد أن السر كله في المواد الحافظة التي حافظت بالفعل علي خامتنا الأصلية وحمتها من الفساد التام، المواد التي حمت تركيبتنا المصرية من أن تتلوث أو تتغير، وحمت هويتنا من الانسحاق تحت كل ما سبق ذكره.
قائمة المواد الحافظة تضم أسماء كثيرة، في مقدمتها وبنسبة كبيرة الأمهات المصريات اللواتي يزرعن في وعي الأجيال المتتالية أصولنا، أم تسلم ابنتها هذه التركيبة كسر قومي فتكبر الابنة وتصبح أماً فتنقل السر لابنتها وهكذا، الأم المصرية تحافظ علي هويتنا دون أن تدري، فهي أول معلم لتقاليدنا التي نحيا بها من صح وخطأ وعيب ويصح ومايصحش وحلال وحرام والأمانة واحترام الكبار ومراعاة حقوق الجيرة والدفاع عن الحق وخفة الدم واللماضة والطيبة وحسن الضيافة مهما كانت الإمكانات، هي أجندة الاستعداد للأعياد والمواسم، بدونها لاختفت منذ زمن صواني الكحك وأكلة الحبايب في شم النسيم والقمح باللبن في عاشورا وزيارة الأموات في أول أيام العيد وطبخة القلقاس في عيد الغطاس وأسود الحداد وحنة العروس والزغرودة (أدان الفرح) أهم اختراع مصري، الأم التي علمتنا العامية المصرية، فهي التي كانت مهمتها لفترة طويلة (قول ورايا)، هي التي ربطت بيننا وبين المسلسلات، وهي التي حفظنا منها كل أغاني التراث في كل المناسبات، وهي التي عرفتنا طريق الأمثال الشعبية فباتت أحد ملامحنا الرئيسية.
الأم المصرية بما زرعته وتزرعه فينا تعتبر سيدة المواد الحافظة لهويتنا، وهي التي تذكرنا بما زرعته فينا مَنْ نحن بالضبط.
هناك مواد حافظة أخري كثيرة ما إن نراها أو نحتك بها حتي تتألق وتشتد بداخلنا إضاءة لمبة «أنا مصري» فيطغي نورها علي أي إضاءات أخري مشتتة، آل البيت الذين يرقدون بيننا ونحبهم ونحتفي بهم كأنهم أهلنا مابين مقام السيدة نفيسة الذي نغطيه بالتُل وطرحة بيضاء كأنها عروس، وجدران مقام سيدنا الحسين التي نلتحف الهواء وننام إلي جوارها طلباً للأمان، وشباك السيدة زينب الذي نرسل لها من خلاله القبلات والسلام.. إنهم أهلنا الذين نرجع لهم محبة واحتراما وتقديرا لوصية جدهم عليه الصلاة والسلام بالاستقرار في مصر، لا تنتهي الفتاوي ويظهر كل يوم شيخ جديد ومفتٍ جديد لكن يظل الواحد منا مستأنساً بدعوة مجذوب لا يعرفه عند واحد من هذه المقامات أكثر من أي شيخ علي الساحة.
أضف إلي تلك المواد الحافظة أصوات المقرئين المصريين (رفعت وعبد الباسط ومصطفي إسماعيل والحصري والنقشبندي مؤذناً ومقدماً للتواشيح)، إنها البصمة المصرية التي علمت الوطن العربي كله كيف تجعلنا كلمات الله ننتشي ونطمئن ونخاف ونفرح وتنهمر دموعنا قبل أن تتحول قراءة القرآن إلي مناحة، يكفيك أن تستمع إلي واحد من الأسماء السابقة فتطفح مصريتك علي جلدك ومشاعرك، وهل يستقيم رمضان بدون أذان الشيخ رفعت؟
أضف للمواد الحافظة التي تجدد شعورنا بمصريتنا.. مطبخنا الذي يقاوم آلاف المطاعم الإيطالية والأمريكية والصينية التي تسيطر علي شوارعنا، تلك المطاعم العالمية التي تسقط بالضربة القاضية إذا ما دخلت أمام شخص مصري أصيل جائع في منافسة مع ناصر البرنس أو بحة بتاع الناصرية أو الرفاعي الكبابجي أو محروس بائع العدس. أضف إلي المواد الحافظة أفلامنا القديمة والأصوات المميزة لمصريتنا بداية من أم كلثوم مروراً بأحمد عدوية وشكوكو وإسماعيل يس نهاية بصوت مصطفي محمود والشعراوي ومحمود سلطان وكابتن لطيف. أضف إلي المواد الحافظة صورتك بملابس التجنيد. أضف إلي المواد الحافظة النكت التي نحفظها جميعا منذ الطفولة ودأبنا في البحث عن نكات جديدة. أضف إلي المواد الحافظة تجمعات الزي الموحد في صلاة العيد وماتشات المنتخب وعزاء السيدات. أضف إلي المواد الحافظة أن تدخل مصادفة إلي قهوة في وسط المدينة فتجد صاحبها قد علق في الخلفية صورة كبيرة لجمال عبد الناصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.