البريد المصري يطلق منصة فلوسي.. أول تطبيق يتيح الاستثمار في أكثر من 40 صندوقا عبر الهاتف المحمول    ولي العهد السعودي يتلقى رسالة من رئيس كوريا الجنوبية بشأن تعزيز العلاقات الثنائية    القبض على زعيم عصابة مخدرات إكوادوري في إسبانيا بعد سنوات من تزويره شهادة وفاته    الكونغو الديمقراطية تقصي نيجيريا وتتأهل للملحق العالمي المؤهل لكأس العالم    ضبط مخزن زيت طعام مجهول المصدر شرق الإسكندرية    في عمق الشتاء، صيف. (10)    الأربعاء.. أحمد السقا وياسمين عبد العزيز يبدآن تصوير فيلم 'خلي بالك من نفسك'    محمد هشام عبية: أحب أن أُقلق الرقابة.. ولم أتخل عن شخصيات بنات الباشا بما فيهم المثلية (حوار)    بحضور حسين فهمي ويسرا والسفير التركي ومدير عام السينما.. السفارة التركية تحتفي بالمشاركين في مهرجان القاهرة السينمائي    مدير مستشفيات جامعة القاهر: فيروس ماربورغ لن يدخل مصر.. وإجراءات مشددة في المطارات    أبو العلا يكشف موقف زيزو وحمدي فتحي ومحمد إسماعيل من المشاركة ضد كاب فيردي    أحمد موسى: الإخوان لا علاقة لهم بالدين أو الجهاد وهدفهم السلطة فقط    دبابة إسرائيلية تطلق ذخيرة ثقيلة بالقرب من قوات حفظ السلام في لبنان    إيطاليا ضد النرويج.. ريتيجي يتحدى هالاند في تشكيل تصفيات المونديال    هل التبسّم في الصلاة يبطلها؟ أمين الفتوى يجيب    خطوبتي مش بتتم وقالوا لي معمول سحر.. أمين الفتوى يجيب    زيلينسكي: أوكرانيا تعمل على استئناف تبادل الأسرى مع روسيا    كالافيوري يغيب عن إيطاليا وأرسنال يدرس مشاركته أمام توتنهام    الداخلية تكشف ملابسات فيديو تحميل ركاب بمقابل مادي في محيط المتحف المصري بالتحرير    داعية توضح حكم منع الميراث من زوجة الأب الثانية    مسكن بحيوات كثيرة    لأول مرة بمستشفيات الفيوم.. نجاح تركيب منظمات ضربات القلب وأجهزة الصاعق الداخلي    وزير الاستثمار: مصر تتطلع للتعاون مع تشاد في تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة    أمين البحوث الإسلامية يتفقد منطقة وعظ أسيوط لمتابعة الأداء الدعوي    مصر تتجاوز مليار دولار في الأمن السيبراني وتستعد لقيادة الحماية الرقمية    "علوم" القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "أنت أقوى من المخدرات" غدا الإثنين.    ما حكم الامتناع عن الإنفاق على الزوجة والأولاد؟.. أمينة الفتوى تجيب    حصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    ياسر عبدالله يتفقد مستوى النظافة في شارع أحمد عرابي ومحيط كلية الزراعة    قضايا الدولة تفتتح مقرا جديدا لها بالوادي الجديد (صور)    ضبط سيدة بتهمة التخلص من رضيعها بإحدى قرى مركز أبو تشت فى قنا    محافظ الجيزة: الشعار الجديد للمحافظة يجسد إرثها الحضاري والعلمي    مايا دياب تعلن عن خلافها مع أصالة: مبادئ وأخلاقى تمنعنى من كشف السبب    الأهلي يستعد لتجديد عقد أحمد عابدين حال عدم تلقي عرض من فاماليكاو البرتغالي    نجل محمد صبري: والدي لم يكن يعاني من أي أمراض.. وطريقة لعبه تشبهه في كل شئ    نجل محمد صبري: والدي رفض انضمامي لقطاع الناشئين بالزمالك حتى لا يقال اني بلعب بالواسطه    انطلاق حملة التطعيم ضد الحصبة للأطفال حتى 12 سنة بأسوان.. صور    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    بسبب معاكسة فتاة.. التحقيق مع طرفي مشاجرة بشوارع المطرية    مدرب منتخب مصر للكوميتية: مستعدون لبطولة العالم للكاراتيه.. وننتظر مساندة الجماهير    بقذائف الهاون.. اشتباكات وتصعيد مستمر في السويداء السورية    زراعة بنى سويف تعاين مزرعتى ماشية و4 للدواجن وتصدر 6 تراخيص لمحال أعلاف    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    جهاز مستقبل مصر يقود سوق القمح نحو الاكتفاء الذاتى عبر زيادة المساحات الزراعية    مواعيد وضوابط امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    وزارة «التضامن» تقر قيد 5 جمعيات في 4 محافظات    الجامعة العربية: قطاع التعليم في مقدمة القطاعات التي استهدفها الاحتلال    «تعليم الجيزة»: المتابعة اليومية بالمدراس رؤية عمل لا إجراء شكلي    استنئاف حركة الملاحة والصيد بميناء البرلس    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    مصر تواصل تقديم شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة في قطاع غزة    أبوريدة يجتمع مع منتخب مصر المشارك في كأس العرب    الفسطاط من تلال القمامة إلى قمم الجمال    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 16 نوفمبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المواد الحافظة
نشر في الدستور الأصلي يوم 24 - 01 - 2010

لو أن مصر علبة سردين لفسدت منذ زمن ولكانت الآن قابعة في قاع صفيحة الزبالة ينهش فيها جيش من قطط التتار، فالعلبة عرضة منذ فترة طويلة لكل ما قد يغير لونها وطعمها ورائحتها ويقضي علي صلاحيتها وعمرها الافتراضي (الفساد والرشوة والمحسوبية والجهل والفتنة الطائفية والتعصب الأعمي والأمراض النفسية، الزحام والتلوث والضوضاء والسلبية وانعدام الضمير، القهر والتسلط وسوء استخدام السلطة، الروتين والفن الهابط والصحف الصفراء وأحوال التعليم والنقل والصحة والزراعة الرديئة، تشريد العمال وديون الفلاحين واعتزال جامعي القمامة، أحزان من سقط أبناؤهم ضحايا الإهمال والشعور بأنك في بلد لا تستطيع أن تحصل فيه علي حقك ،لعنة الموظفين المتكاسلين وأمناء الشرطة المتسلطين وغياب ضمير المعلمين وسذاجة المذيعات والمذيعين ورؤساء التحرير المكشوفين والوزراء الذين يسبون الدين).
سُتجن مثلي عندما تكتشف أن علبة السردين مازالت شهية وأن المتن نفسه متماسك بدرجة كبيرة ويحتاج منك فقط لبعض الخلخلة أو الرج الشديد لتكتشف أنها مازالت سليمة، كل ما في الأمر أن العلبة الصفيح قد صدأت وأصبحنا في حاجة إلي علبة جديدة.
لابد أن السر كله في المواد الحافظة التي حافظت بالفعل علي خامتنا الأصلية وحمتها من الفساد التام، المواد التي حمت تركيبتنا المصرية من أن تتلوث أو تتغير، وحمت هويتنا من الانسحاق تحت كل ما سبق ذكره.
قائمة المواد الحافظة تضم أسماء كثيرة، في مقدمتها وبنسبة كبيرة الأمهات المصريات اللواتي يزرعن في وعي الأجيال المتتالية أصولنا، أم تسلم ابنتها هذه التركيبة كسر قومي فتكبر الابنة وتصبح أماً فتنقل السر لابنتها وهكذا، الأم المصرية تحافظ علي هويتنا دون أن تدري، فهي أول معلم لتقاليدنا التي نحيا بها من صح وخطأ وعيب ويصح ومايصحش وحلال وحرام والأمانة واحترام الكبار ومراعاة حقوق الجيرة والدفاع عن الحق وخفة الدم واللماضة والطيبة وحسن الضيافة مهما كانت الإمكانات، هي أجندة الاستعداد للأعياد والمواسم، بدونها لاختفت منذ زمن صواني الكحك وأكلة الحبايب في شم النسيم والقمح باللبن في عاشورا وزيارة الأموات في أول أيام العيد وطبخة القلقاس في عيد الغطاس وأسود الحداد وحنة العروس والزغرودة (أدان الفرح) أهم اختراع مصري، الأم التي علمتنا العامية المصرية، فهي التي كانت مهمتها لفترة طويلة (قول ورايا)، هي التي ربطت بيننا وبين المسلسلات، وهي التي حفظنا منها كل أغاني التراث في كل المناسبات، وهي التي عرفتنا طريق الأمثال الشعبية فباتت أحد ملامحنا الرئيسية.
الأم المصرية بما زرعته وتزرعه فينا تعتبر سيدة المواد الحافظة لهويتنا، وهي التي تذكرنا بما زرعته فينا مَنْ نحن بالضبط.
هناك مواد حافظة أخري كثيرة ما إن نراها أو نحتك بها حتي تتألق وتشتد بداخلنا إضاءة لمبة «أنا مصري» فيطغي نورها علي أي إضاءات أخري مشتتة، آل البيت الذين يرقدون بيننا ونحبهم ونحتفي بهم كأنهم أهلنا مابين مقام السيدة نفيسة الذي نغطيه بالتُل وطرحة بيضاء كأنها عروس، وجدران مقام سيدنا الحسين التي نلتحف الهواء وننام إلي جوارها طلباً للأمان، وشباك السيدة زينب الذي نرسل لها من خلاله القبلات والسلام.. إنهم أهلنا الذين نرجع لهم محبة واحتراما وتقديرا لوصية جدهم عليه الصلاة والسلام بالاستقرار في مصر، لا تنتهي الفتاوي ويظهر كل يوم شيخ جديد ومفتٍ جديد لكن يظل الواحد منا مستأنساً بدعوة مجذوب لا يعرفه عند واحد من هذه المقامات أكثر من أي شيخ علي الساحة.
أضف إلي تلك المواد الحافظة أصوات المقرئين المصريين (رفعت وعبد الباسط ومصطفي إسماعيل والحصري والنقشبندي مؤذناً ومقدماً للتواشيح)، إنها البصمة المصرية التي علمت الوطن العربي كله كيف تجعلنا كلمات الله ننتشي ونطمئن ونخاف ونفرح وتنهمر دموعنا قبل أن تتحول قراءة القرآن إلي مناحة، يكفيك أن تستمع إلي واحد من الأسماء السابقة فتطفح مصريتك علي جلدك ومشاعرك، وهل يستقيم رمضان بدون أذان الشيخ رفعت؟
أضف للمواد الحافظة التي تجدد شعورنا بمصريتنا.. مطبخنا الذي يقاوم آلاف المطاعم الإيطالية والأمريكية والصينية التي تسيطر علي شوارعنا، تلك المطاعم العالمية التي تسقط بالضربة القاضية إذا ما دخلت أمام شخص مصري أصيل جائع في منافسة مع ناصر البرنس أو بحة بتاع الناصرية أو الرفاعي الكبابجي أو محروس بائع العدس. أضف إلي المواد الحافظة أفلامنا القديمة والأصوات المميزة لمصريتنا بداية من أم كلثوم مروراً بأحمد عدوية وشكوكو وإسماعيل يس نهاية بصوت مصطفي محمود والشعراوي ومحمود سلطان وكابتن لطيف. أضف إلي المواد الحافظة صورتك بملابس التجنيد. أضف إلي المواد الحافظة النكت التي نحفظها جميعا منذ الطفولة ودأبنا في البحث عن نكات جديدة. أضف إلي المواد الحافظة تجمعات الزي الموحد في صلاة العيد وماتشات المنتخب وعزاء السيدات. أضف إلي المواد الحافظة أن تدخل مصادفة إلي قهوة في وسط المدينة فتجد صاحبها قد علق في الخلفية صورة كبيرة لجمال عبد الناصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.