في زحام الانفجار الروائي الذي تشهده مصر حاليا يبدو العثور علي نص جيد مهمة صعبة, والاصعب من ايجاد هذا النص, الكتابة عنه. وفي اعتقادي ان رواية مثل رواية أيام النوافذ الزرقاء للكاتب عادل عصمت الصادرة مؤخرا عن دار شرقيات بالقاهرة, ليست فقط عملا جيدا يسهل التدليل علي جودته بالمعايير النقدية المتعارف عليها وانما هي ايضا عمل يتصف بعذوبة نادرة, تجعل من أي تلخيص لمحتواه جريمة متكاملة الاركان تعتدي علي النص و تفسد ما فيه من شجن ومتعة. ومن المقرر ان تناقش الرواية الاربعاء القادم مع نخبة من قراء مكتبة الكتب خان بالمعادي بناء علي ترشيحات القراء ومعظمهم ربما لا يعرف ان للكاتب قبل هذا العمل نصوصا سابقة منها: الرجل العاري, وحياة مستقرة, هاجس موت وكلها صدرت عن نفس الدار وربما لم تحقق لصاحبها اكثر من متعة الاستمرار في الكتابة والرضا بمكانة متميزة بين كتاب جيل الثمانينيات لكن الاكيد انه يعاني من تجاهل نقدي واعلامي لا مبرر له سوي اقامته خارج القاهرة فهو يعيش في طنطا ويجعلها دائما مسرحا لرواياته. وفي روايته الجديدة يحيل العنوان مباشرة الي الايام التي عاشها الجيل الذي تفتح وعيه في سنوات ما بعد هزيمة1967 وحتي توقيع اتفاقية كامب ديفيد1979 ففي تلك السنوات كان يتم طلاء نوافذ البيوت باللون الازرق حتي لا تكون هدفا لضربات الطيران الاسرائيلي ومنذ الصفحة الاولي يضعنا الرواي مباشرة في قلب الزمن الروائي مستعيدا الكثير من التحولات التي جرت في أعقاب تلك السنوات ونحن نضع في الاعتبار الدلالات التي يحيل اليها اللون الازرق كمرادف للشجن والحزن الشفاف وهي دلالات تفرض نفسها خلال عملية التلقي. في الصفحات الاولي يخبرنا الرواي عن مكان وجوده في احدي الامارات الخليجية ويمزج بتوزان محسوب بين زمنين في السرد, الاول هو زمن طفولته الانتقالي بين نهاية الستينيات ومنتصف السبعينيات والذي عاشه في بيت نموذجي من بيوت الطبقة الوسطي في طنطا وهو يواجه أشباح العمي بسبب ضعف بصره, وبين الزمن الثاني الذي هو زمن نضجه الآني حيث يعيش في مدينة بعيدة يسترخي في الهامش الذي صنعه لنفسه ويضع ذاكرته موضع مساءلة بأمل استعادة ما جري واعادة رسم صورة لجدته التي تربي في احضانها بعد رحيل امه, وبفضل ما يرويه عن خطابات الخال محمود نتعرف علي قيم وملامح وعلامات الزمن الاول الذي يمثله الخال المثقف وداعية التغيير بما تنطوي عليه من مثل وحكايات عن الثورة والوطن والتمرد جعلته لا يزال يحتفي بالرسائل الخطية في زمن البريد الالكتروني, ليواجه بها تحولات الزمن الثاني. نعرف من مسارات السرد كيف انهارت روابط الاسرة وتحللت عمليا باستشهاد الخال فؤاد في حرب الاستنزاف واستقرار الخال نبيل في المانيا وعيشة محمد وأفراح في كندا في حين ظلت سهام ابنة الخالة سميرة تحاول اعادة رسم صورة الجدة التي لم تعد لها غير الصورة الذهنية التي يكونها كل فرد من أفراد العائلة. ومن خلال الصورة المهيمنة تبدو الجدة ليست امراة عادية وانما سيدة لها صفات أسطورية مستمدة من طقوسها الموجودة في الرواية, فهي لا تكف عن قراءة الجرائد أو رتق الملابس والجوارب القديمة وبعد موت ابنها كرست حياتها للصمت كأنها بطقسها تعيد غزل الأعمار في مواجهة الموت الذي يفرض هاجسه ويغير الكثير من عادات أهل هذا البيت المجروح كما يصفه, وهي عادات كان من الصعب النيل منها. وبالاضافة الي لغة السرد التي تتسم بشفافية وعذوبة, هناك اجتهاد واضح من الكاتب باتجاه اضفاء طابع انساني علي الاشياء التي يرصدها( دولاب الملابس/ الصرة القديمة التي تضم ملابس الراحلين/ وعلب الخياطة ونظارة القراءة) والتي تبدو بحد ذاتها مفاتيح لعالم الجدة الحافل بالاسرار والرموز الآسرة.