مجلة «المصور» ليست مطبوعة باردة إنها دفتر حياة متدفقة، وفى صفحاتها خطونا، وعلى آرائكها جلسنا، وفى ربوعها حلمنا وفى مرابعها غنينا للحياة وللحب والوطن، «المصور» حياة كاملة، أفراح وأتراح، قصص وحكايات معارك وتحديات، أسماء وأفكار، شيوخ وشباب، وأجيال تسلم أجيالاً.. وأجيال وراء أجيال، وحدها معمرة، أما نحن فتفنى أعمارنا تحت فروعها الظليلة، «المصور» شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، هل حلم المؤسسون أنها ستعمر طويلاً، يقترب عمرها من المائة ولا تزال شابة قوية عفية مثمرة. تاريخها من تاريخ الوطن، ورسالتها من رسالة الوطن، وصفحاتها دفتر أحوال الوطن، صورة الوطن مرسومة ومُصورة فى صفحاتها، إذا تاقت روحك اشتياقاً لصورة الوطن «المصور» ترويك من نبعها، سجل مصر فى «المصور» يكفينى الكلام عند التحدى، كل عام يمر من عمرها يزداد حضورها التنويرى وهى تقترب من عيدها الذهبى، إنها أقدم المجلات المُصورة، و«الهلال» أقدم المجلات الثقافية، لا ينافسهما سوى الأهرام تاريخاً. «المصور» إن حكت تحكى تاريخ مصر بالكلمة الرشيقة والصورة المُعبرة، تاريخ يستاهل التاريخ؛ وليقيض الله من أبنائها من يؤرخ لسجلها فيضعه فى مكانه المُستحق، مشروع توفر عليه المؤرخ الكبير جمال بدوى رحمه الله بتكليف من عميد الهلالية الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد، ولا يزال السجل مفتوحاً لم يكتمل وهى فرصة للتذكير بالمشروع الطموح. محظوظ أنا عندما توليت رئاسة تحرير «المصور» من مارس 2009 إلى يونيو 2012، جلست على مقعد العظماء وأنا صحفى مغمور، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر: جورجى زيدان وفكرى أباظة وأحمد بهاء الدين ومكرم محمد أحمد، وبينهم حمل الأمانة مقدرون ممن لا تتسع لذكر فضائلهم السطور، علامات حفروا اسمها فى الوجدان المصرى والعربى، أخطأت وأصبت، حاولت، نجحت وأخفقت، لكنى أحببت وأخلصت فى حبى، ولم يغادر حبها قلبى، أفرح لفرحها وأحزن لو مسها الضر، وأقف مدافعاً عن بقائها، ففى بقائها حياة، وأجيال على درجها الرخامى طالعين لوش النشيد لله در الشباب، تجربتى القصيرة فى عمرها الطويل للتاريخ، وسطر من هذا كتبته عندما اصطفيت صديقي أحمد أيوب لمنصب مدير تحريرها مع رفاق الدرب: سليمان عبد العظيم وعزت بدوى وغالى محمد وحلمى النمنم، كنت أزاوج بين خبرة الشيوخ وطموح الشباب، ولم أكن أدرى أنهم سيخلفوننى تباعاً، خير خلفٍ، كل منهم وضع لبنة فى البناء العظيم، تولى رفاق الدرب المهمة توالياً مشرفاً مخلصاً لاسمها العريق، كل منهم ترك بصمة وحافظوا على التراث العريق لدار تحدت الزمان، وبلغت من العمر قرناً وربع القرن شامخة وجادة فى التنوير، ومن سنن دار «الهلال»: التسليم والتسلم، سابق ولاحق من جيل لجيل، لا يزال بيننا الروائى الكبير يوسف القعيد والكاتب الكبير عبد القادر شهيب، متعهما الله بالصحة ولا حرمنا من إسهاماتهما وهما على الواجب عاكفان، و«المصور» فى طورها الشاب برئاسة أحمد أيوب تخطو بروح شابة وتحلق من حولها الشيوخ والشباب تحلقاً خليقاً بالبقاء، وتحدٍ لموج عاتٍ يضرب أعطاف السفينة العتيقة، تقاوم الأعاصير والتقلبات، وتمخر عباب البحر الهائج، وبوصلتها مضبوطة على شاطئ الأمان، لأنها أكبر عمراً وتاريخاً ورسوخاً من دول ودويلات وأقوى من الزمان، منقوش فى اسمها سر البقاء، أسُست لتبقى وعندما تكالب على قصعتها الأكلة قيض الله لها من شبابها من يقول: «أنا لها»، وتحلق المخلصون من رجالها وسيداتها ليشكلوا كتيبة إنقاذ، فطوبى للمُخلصين. «المصور» - 1 نوفمبر 2017