ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    شركات محددة تستحوذ على "نصيب الأسد"، اتهامات بالتلاعب في تخصيص الأراضي بالدولار    بدء الاختبارات الشفوية الإلكترونية لطلاب شهادات القراءات بشمال سيناء    تنفيذ 9 حالات إزالة على مساحة 2715 مترا في مجلس قروى الحلفاية بقنا    محافظ جنوب سيناء يترأس الاجتماع الأسبوعي لمتابعة الموقف التنفيذي للمشروعات    سنوات من الدعم السياسى للقضايا المشتركة    رئيس الأعلى للإعلام يشيد بالعلاقات القوية بين مصر والسعودية    لاعب أرسنال: الأعين كلها نحو رفح    إصابة جندي بولندي في عملية طعن على يد مهاجر غير شرعي    بيبو يجتمع مع جهاز المنتخب لتوضيح موقف لاعبي الأهلي    كسور وسحجات تفاصيل إصابة نجل الفنان أحمد رزق في حادث مروري بأكتوبر    ضبط شخص يدير صفحة عبر "فسيبوك" للنصب على أهالي كفر الشيخ    ليلى طاهر ل فيتو: أنا بخير وأستمتع بوقتي مع العائلة    تعاون جامعة عين شمس والمؤسسة الوطنية الصينية لتعليم اللغة الصينية    متى يلزم الكفارة على الكذب؟.. أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح    الرعاية الصحية: تقديم 1.4 مليون خدمة طبية بمستشفيات ومراكز الهيئة بجنوب سيناء    قومية سوهاج تقدم عرض اللعبة ضمن موسم مسرح قصور الثقافة بالصعيد    كشف ملابسات سرقة سائق بإحدى شركات تطبيقات النقل الذكي حقيبة سيدة    الخميس.. قصور الثقافة تقيم حفل أغاني موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بمسرح السامر مجانا    محافظ الإسماعيلية يشيد بدور مجلس الدولة في فض المنازعات وصياغة القوانين    روسيا تطور قمرا جديدا للاتصالات    عضو تنسيقية تقدُّم: إعلان مجلس السيادة السوداني عن حكومة كفاءات وشيكة تهديدٌ للقوى المدنية    تعرف علي مناطق ومواعيد قطع المياه غدا الاربعاء بمركز طلخا في الدقهلية    «الضوابط والمحددات الخاصة بإعداد الحساب الختامي» ورشة عمل بجامعة بني سويف    رئيس جامعة بني سويف يشهد الاحتفال بيوم الطبيب    محمد نشأت العمده: افتتاح الرئيس لمشاريع جنوب الوادي يضيف للتنمية الشاملة    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    القبض على المتهم بقتل صديقه في مشاجرة بقليوب    اشترِ بنفسك.. رئيس "الأمراض البيطرية" يوضح طرق فحص الأضحية ويحذر من هذا الحيوان    شبانة: لجنة التخطيط تطالب كولر بحسم موقف المعارين لهذا السبب    برلماني: الرئيس يثق في قدرة الحوار الوطني على وضع رؤية اقتصادية جديدة للدولة    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2024.. تصل إلى 9 أيام متصلة (تفاصيل)    محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    تشكيل الدوري الإنجليزي المثالي بتصويت الجماهير.. موقف محمد صلاح    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية البراجيل في ملوي غدًا    سياح من كل أوروبا.. شاهد رحلات جولات البلد على كورنيش الغردقة    بشرى للمواطنين.. تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة حتى نهاية الأسبوع    الجنايات تعاقب عامل بالسجن 3 سنوات لإدانته بالاتجار في الحشيش    الطب البيطرى: تحصين 144 ألفا و711 رأس ماشية ضد الحمى القلاعية بالجيزة    خلال زيارته للمحافظة.. محافظ جنوب سيناء يقدم طلبا لوفد لجنة الصحة بمجلس النواب    وزيرة الهجرة تستقبل أحد رموز الجالية المصرية في جينف بسويسرا    نسألك أن تنصر أهل رفح على أعدائهم.. أفضل الأدعية لنصرة أهل غزة ورفح (ردده الآن)    مع اقترابهم.. فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    محافظ الجيزة: تطوير وتوسعة ورصف طريق الطرفاية البطئ    تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة فؤاد شرف الدين.. «كان يقاوم الألم»    فيلم السرب الأول في شباك تذاكر أفلام السينما.. تعرف على إجمالي إيراداته    إسرائيل تعتقل 22 فلسطينيا من الضفة.. وارتفاع الحصيلة إلى 8910 منذ 7 أكتوبر    رئيس وزراء إسبانيا: نعترف رسميا بدولة فلسطين لتحقيق السلام    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    كارول سماحة تعلق على مجزرة رفح: «قلبي اتحرق»    مصرع شخص صعقا بالكهرباء داخل منزله بقرية شنبارة فى الشرقية    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    وزير الصحة يبحث مع نظيره الفرنسي سبل تعزيز التعاون في اللقاحات والأمصال    دويدار: الجزيري أفضل من وسام أبو علي... وأتوقع فوز الزمالك على الأهلي في السوبر الإفريقي    حمدي فتحي: أتمنى انضمام زيزو لصفوف الأهلي وعودة رمضان صبحي    حكام مباريات الثلاثاء في دور ال 32 بكأس مصر    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    مدرب الألومنيوم: ندرس الانسحاب من كأس مصر بعد تأجيل مباراتنا الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



139 سنة الأهرام
صحيفة الشعب وضمير الأمة أحد أهم الصحف ومراكز التفكير الاستراتيجى فى المنطقة والعالم

139 عاما مرت، والأهرام أخت الشمس تشرق معها كل صباح، هى ليست صحيفة من أوراق وأحبار، إنما قصة نجاح باهر عابرة للقرون من لحم ودم وعرق ودموع وابتسامات، فى خدمة «سيدنا القارئ» بعيدا عن الإثارة وسط براكين السياسة الحارقة، فصارت عنوانا للمصداقية والمهنية، ومدفعية ثقيلة فى قوة مصر الناعمة، بالكلمة والرسم والصورة، وامتد ظلها فى العالمين، تصون الأصالة وتدعو للحداثة، وبرغم تعاقب السنين فى عالم لا يهدأ، يظل «التطوير» معركة الأهرام، لأنها صحيفة مفتونة بالصدارة، والفضل إليك سيدى القارئ، فأنت من منحها عمرا وتقديرا واحتراما.
«إدينى الأهرام..ياعم». .قلتها للبائع بحسم يخفى قلقا مرعبا، عندما خيرنى أبى بين الصحف وهو يخضعنى لأول امتحان فى حياتى، بقراءة "الجرنان"، يحدد من خلاله استمرار رحلتى فى "العَلام" أو إنهاءها مبكرا، كنت فى السادسة، وبعد قراءة سطرين، انفرجت أسارير الوالد الصعيدى الأمى المتجهم، قائلا: "الأهرام حته واحدة..هو أنت أبوك سياسى..!".. ثم توارت الواقعة فى طى النسيان وإن ظل اسم الأهرام حاضرا، اتطلع لقراءته كل آن.. وبعدها بعشرين عاما ربّت أبى على كتفى واحتضنتنى أمى باكية وحولها إخوتى مندهشون، فى وداع قصير، وعندما وصلت إلى القاهرة، التى وصفها عبدالمعطى حجازى بأنها مدينة بلا قلب، أول شىء فعلته أن أرى مبنى الجريدة، ومازلت أذكر تلك القشعريرة وأنا أطوف حوله، لم أكن أعرف أن حلم الالتحاق بالأهرام، ببلاط صاحبة الجلالة، يسكن مجامع نفسى ويصرفها عما عداها، ولما تحقق الحلم، أدركت أننى لست وحدى فكل من ينتمون إليها يتنازعهم الشعور نفسه، اليوم أسأل: لماذا تفعل الأهرام بقرائها وأهلها تلك الحالة المدهشة التى تكاد تكون بلا نظير؟!
السؤال هنا سهل، والإجابة عسيرة، لكن المؤكد أن أهم سبب لنجاح الأهرام وتوهجها 139 ربيعا، منذ أصدرها الأخوان اللبنانيان سليم وبشارة تقلا فى 5 أغسطس عام 1876فى الإسكندرية، بتصريح من الخديو إسماعيل، هو أنت سيدى القارئ، نعم ، سيدى، فقد اجتهد القائمون على تلك الصحيفة الأعرق مصريا وعربيا، وربما عالميا، فى التقاط النغمة الصحيحة فى الوجدان العام بدءا من اختيار الاسم "الأهرام"، الذى كان "طالع سعد" بوصفه أداة وصل بين الإرادة والتاريخ، وجسرا بين الأصالة والمعاصرة، بين التراث ومقتضيات الحداثة والتنوير. مهمة تفتيش والأثر الحميد لذلك أن "الأهرام" طوال عمرها الذى يتجاوز أعمار كثير من دول المنطقة والعالم، تحمل على عاتقها مهمة تفتيش فى الضمير، بل هى الضمير فى بلد شهد فجر الضمير والحضارة الإنسانية، وهى منبر يضئ الحقائق حلوها ومرها، مخلصة لقارئها، لشعبها، تعمق الوعى وتفجر الإرادة وتعلى الهمة, فتبقى نافذة الأمل مفتوحة على النور مهما يعم الظلام وتتكاثف المعوقات فى شرقنا العربى المنذور للألم والمعاناة، إنها ذاكرة مصر فى العصر الحديث التى تسعفها عندما تقرر أمرا أو تبتغى مطلبا، مثلما كانت "متون الأهرام" قديما. إنها شاهد حى متفرد يسجل "يوميات الوطن" فى دفتر أحوال المحروسة ويحمل شفرتها الجينية وصفاتها الوطنية، عبر ثلاثة قرون، من القرن التاسع عشر إلى الحادى والعشرين، حتى قال عنها الدكتور طه حسين: "الأهرام ديوان الحياة المعاصرة".
نجم ساطع
لكن هل كان عميد الأدب العربى مبالغا فيما قال؟..بالطبع لا؛ لأن الأهرام غوص جاد فى هموم الناس وأشواقهم، هوايتها التنزه بالعين والعقل والقلب، بالصورة والخبر والرأى والتحليل، بين ساحات السياسة والفكر والاقتصاد والثقافة والفن والرياضة، ومختلف الأحداث والمعارف، عربيا وأجنبيا، تخاطب الشباب وأحلامهم وطموحاتهم، النساء والرجال، الكبار والصغار حتى الموتى يجدون لهم فيها مكانا- مرسخة لفكرة "الممارسة الديمقراطية"، وتفتح سطورها برحابة لكل الثقافات والعلوم من كل الدنيا، مطبقة مقولة "غاندى" الذائعة: "إننى أفتح نوافذ بيتى على كل ثقافات العالم، شريطة ألا تقتلعنى من جذورى"، وهى تقدم هذا باعتدال ورصانة ومصداقية، فى زمن يشتهر بالحمل الكاذب، وبجرأة مهما تكن مرارة الجرأة، وبمنأى عن المزايدات الرخيصة، وسط براكين السياسة الحارقة وهبات الشعوب التحررية ومعمعات الحروب الإعلامية، لتمد الجسور وتجبر الصدع بين مكونات المجتمعات العربية، قاطعة الطريق على دعاة العداوة والبغضاء والتخريب، برقى واقتدار قلما نجد له نظيرا، وهى إذ تفعل ذلك، تتحرر من اعتبارات كثيرة تحرك غيرها من وسائل الإعلام أو تقيدها، دون قفز أو حنجلة أو تطبيل أو ضجيج زاعق، إن الأهرام نجم من طراز فريد، يولى وجهه صوب مصلحة القارئ والمجتمع، ينطلق معبرا عن امتزاج الكلمة بالرؤية، الحكمة بالجرأة، الرأى بالخبرة، والبصر بالبصيرة، لذلك يزداد بريقا عاما بعد عام.. ألم يقل مجدد الإسلام العظيم الإمام محمد عبده عن الأهرام، قبل أكثر من مائة عام:" يالها من جريدة أرست قواعدها فى القلوب وامتدت لتكشف الغيوب.. والفارق كبير بين أهرام خوفو وأهرام الصحافة.. تلك أهرام وأشباح وهذه غذاء للأرواح.. تلك مساكن وأموات وهذه لسان السماوات"..!
علامة أمان من يوم مولدها حتى يومنا هذا، عاصرت الأهرام التاريخ السياسى الحديث للمنطقة العربية وشهدت كل تحولاتها وتقلباتها العنيفة المربكة، وأسهمت فى تحييد آثارها السلبية بقسط وافر، فى كل منعطف أو لحظة مفصلية فارقة، تجدها "علامة" أمان وتحذير، على طريق محفوف بالمخاطر غير المتوقعة، فى دراما مأساوية مازلنا نعاين فصولها، يوما بعد يوم، على مسرح الشرق الأوسط، وقد أعطاها هذه الفرصة أنها اختطت طريقا خاصا، مكنها من السير وسط معوقات تشبه المستحيلات، وتبدو كأضلاع صندوق مغلق..فى هذه الصحيفة العريقة، ثمة افتتان بالصدارة، بالحيوية بقوة التجدد، يدرك أبناؤها لزوميات الدور وخطورة المهمة، فى أهم وأكبر مركز تفكير استراتيجى فى مصر والعالم العربى، وأحد أهم مراكز الوعى والتفكير فى العالم.
ليس هذا وليد المصادفة أو اللحظة الآنية، إنما هو نتاج جهد ممتد، ومسيرة متواصلة، عبر السنين، تعمق نفسها بنفسها، كما يفعل النهر الذى يعمق مجراه ويوسعه، بدورات الفيضان بعد الانحسار، ضوء الحقيقة والأفكار يُولد من داخلها، وينضج ، وينطلق إلى عقل القارئ وقلبه، بما ضمته الصحيفة على مدى تاريخها من كتابات وإسهامات كبارالمفكرين والمبدعين والصحفيين وأهل الرأى البارزين هم ذخيرتها وأسلحتها الثقيلة فى كل مجال من مجالات الحياة، هل نذكر هنا أسماء من عينة: الإمام محمد عبده والبارودى رب السيف والقلم، وأمير الشعراء أحمد شوقى وحافظ إبراهيم والمنفلوطى وأستاذ الجيل أحمد لطفى السيد، ومطران خليل مطران والدكتور طه حسين والأستاذ العقاد وسلامة موسى وفكرى أباظة، والأستاذ محمد حسنين هيكل الذى شهدت الأهرام عصرها الذهبى فى أثناء رئاسة تحريره، وكتابات العمالقة توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وعبدالرحمن الشرقاوى والدكتور لويس عوض والدكتور زكى نجيب محمود وإحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين، والدكتور مصطفى محمود، ويوسف إدريس والدكتورة بنت الشاطئ والدكتورة نعمات أحمد فؤاد، والدكتور يونان لبيب رزق..والأساتذة: سلامة أحمد سلامة ونجيب المستكاوى وأحمد بهجت وصلاح الدين حافظ وعبدالوهاب مطاوع وأنيس منصور وفهمى هويدى و صلاح منتصر وفاروق جويدة ومكرم محمد أحمد وسناء البيسى وأمينة شفيق، وغيرهم من أساطين الفكر والثقافة والمعارف فى كل ميدان، يرصعون صفحات الأهرام كل صباح بكتاباتهم التى تنير الدروب وتهدى الحائرين، تيار فكرى متواصل يكون دائرة مغلقة بينه وبين القارئ فى علاقة عشق أبدية تركت بصمتها العميقة فى قلب كل قارئ للعربية، حتى قالوا، يوما، قراءة الأهرام هى قراءة فى كف الدولة المصرية والمنطقة.
قطعة حلوة
الأهرام قطعة حلوة من مصر، تنزف أحيانا وتتوجع، كحال الدولة المصرية، لمعان اسم الأهرام يجر عليها مشكلات وحروبا، كأن يتصيد البعض لها صورة أو سطرا أو سطرين ويخلقون منهما معركة لا تريدها ولم تفكر فيها، وسرعان ما تنكشف الحقيقة نورا ساطعا، تزيد الأهرام بريقا واحتراما، وعندما يسقط فى أيديهم يرددون نغمة مملة مكرورة لا تجد سامعا أن الصحيفة تنفرد بالسلطة والسلطان فى الصحافة والسياسة، وأنها متغيرة الولاءات حسب الجالس على الكرسى، وهى دعاوى ومزايدات تبتغى الإثارة ولا ينهض عليها دليل، وهى تشتد كلما نأت الأهرام بنفسها الحسابات النفعية ودهاليز المنطقة اللينة بين المال والسلطة والمحاسيب، وجماعات الضغط والمصالح الضيقة التى تحاول جذب سفينة الوطن إلى شاطئها، دون أى اعتبار لمصالح عموم الناس فى بر مصر، الذين تحمل الأهرام همومهم –قبل الآخرين- إنها صحيفة قومية، صحيفة الشعب، والشعب فقط، لا رجل أعمال أو جماعة مصلحة أو...إلخ،.
ومن هنا يمكن فهم سر الهجوم عليها، وإذا كان أحد فى وضع يمكنه من أن يعطينا الحقائق المجردة عن أحداث المحروسة وشعبها، فقطعا هى الأهرام، قبل غيرها ودون منافس.. صحيح أن اعتبارات المساحة والسياسة التحريرية والظروف المحيطة بالأحداث تلقى الضوء على أخبار معينة بالصفحات الخبرية وكأنه انحياز ما، فإن صفحات الرأى والفكر والثقافة وغيرها تفتح صفحاتها لكل الآراء بالكلمة وبالصورة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، على أرضية المصلحة الوطنية وعدم الإخلال بها، فى السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع والرياضة والفنون والآداب وسائر المعارف، فكل الآراء ممثلة وتلك منهجية أرستها الأهرام وأكسبتها ثقة وحضورا جارفا بين جمهور القراء ومختلف التيارات واحتراما "مستحقا" لدى أهل الحكم والنفوذ، لأنها تقدم للجميع رؤية فيما يجرى وكأنها "زرقاء اليمامة"، تحتفظ بتوازنها، حتى صارت بحق إطلالة مصر على القرن الحادى والعشرين وإحدى ركائز قوتها الناعمة الضاربة التى تنشر ظلها فى العالمين، من أقصى الأرض إلى أقصاها، بجوار الأزهر الشريف والكنيسة المصرية وجامعة القاهرة،..
وتكون الأهرام بذلك اختارت السير فى حقل ألغام، لأن كلا يريد أن يجعلها فى ركابه تسبح بحمده وتقدس، ويجعل الحرب عليها شعواء من جانب الأدعياء، الذين يرسمون مساحات واسعة وخطيرة، تلتبس بالحقائق وتتداخل بالهواجس، ويغفلون عن أن الرسالة الإعلامية قد تتحول "لغما" فى حرف، أو "قنبلة" فى رسم، نراهم على الساحة لا فرق بين تجار الأعراض وتجار الأديان، فالكل سواء ثقوب سوداء فى مجاهل الفضاء المصرى والعربى.
ولأن وطأة السلطة كانت ثقيلة خاصة فى العهد المباركى الممتد بفساده الجارف والإخوانى بتمكينه العارم، صنعت الأهرام معادلتها التى كانت "شفرة سرية"- سمّه مكرا صحفيا - بينها وبين القراء، أن تمنح النظام صفحة وبقية الصفحات لعموم الناس وهمومهم، تفتح صدرها لأوجاعهم وآلامهم وبوحهم وأفراحهم ولكل صاحب مظلمة، بالخبر والتحليل والتقرير والتحقيق والمقال و...كم أدخلت البهجة على مريض أومكلوم أومحتاج وضمدت أحزانهم من خلال "بريد الاهرام"، لأجل ذلك تجد فيها أقوى نقد (موضوعى) للنظام، يحقق المعادلة الصعبة فى العلاقة مع السلطة، دون عداء مفتعل أو انبطاح مرذول، فلا هى شرقية ولا هى غربية، كما أنها المؤسسة القومية الوحيدة التى لا تأخذ دعما من الدولة، إنما تدفع لها ضرائب. ولا تتحمل الأهرام بطبيعة الحال مسئولية التصريحات غير الدقيقة لبعض المسئولين أو التقارير غير المؤكدة عن بعض الأمور، وما شابه..لا نقول إنها بلا أخطاء، لكن ربما تكون كذلك قياسا إلى أخطاء غيرها من الصحف والفضائيات، حيث تسارع لتدارك أى خطأ وتصويب أى اتجاه يتسرب إليها بعيدا عن طموح الشعب، وفق معايير الدقة والمهنية والجودة، مما جعل لها هذه المكانة الأثيرة عالية القدر والقيمة واحدة من أهم الصحف محليا وإقليميا ودوليا.
العيش فى المستقبل
هل دار بخلد الأخوين المؤسسين سليم وبشارة أن نحتفل بذكرى خطوتهما العظيمة، بعد 139 عاما، ربما، لكن ماذا عن المستقبل، وماذا أعدت له الأهرام.. هناك قول شائع: "إن التاريخ له آذان، ولكن ليس له عيون"، بمعنى أننا نسمع روايات عما جرى من وقائعه منقولة لنا بالسماع والتواتر، أما فى تجربة الأهرام فالتاريخ عندها له آذان وله أيضا عيون.. ومع ذلك هى ليست أسيرة التاريخ، إنما مسكونة برغبة التطور الدائم والعيش فى المستقبل باستشرافه، نذره وملامحه والاستعداد لتحدياته ومطالبه، فإذا كان الماضى حيا فى ردهات الأهرام وصفحاتها، فإن المستقبل هو مناط العناية والرعاية والاهتمام، هذه هى طبيعتها وديدنها بدفق دماء الحياة المتجددة فى العروق، كانت أول صحيفة عربية اهتمت بالبرقيات التى تصدرها وكالات الأنباء العالمية، وأول من صاغ لغة صحفية سلسة قريبة من القراء دون ابتذال، وأول من أقام المطابع العملاقة وأول من أدخل الكمبيوتروتقنيات المعلومات والأساليب الصحفية الحديثة..إلخ. وأحسب أن الأهرام بإصداراتها ومواقعها الإلكترونية ومطابعها وغيرها - اليوم – قيد التطوير مع قدر ضخم من الدأب والمثابرة ، ولطالما فعلت، إدراكا منها أن التغير سنة الحياة وأن من لا يتغير مصيره الزوال، فالتطوير المستمر لم يعد ترفا بل ضرورة تفرضها تحديات التقدم المذهل فى وسائل الاتصال والإعلام الحديثة ، بمختلف صورها والشبكات العنكبوتية والتواصل الاجتماعى أو ما يعرف بالإعلام الجديد، وهو ما يجعل مهمة «الأهرام» ثقيلة مكلفة، فى سوق إعلامية وإعلانية تعج بالمنافسين والمتربصين، من الداخل والخارج، وأحيانا بروح المؤامرة التى تسير فى ركاب "لعبة الأمم"، ولاشك أن التصنيف والتقدير العالمى الذى تحوزه، يدفعها للمضى بعزم لاستيعاب التقنيات الجديدة والتكيف معها، والسعى بحزم على درب التقدم والتطور، فما زال أمامها الكثير لتقدمه، شكلا ومضمونا، للقارئ والوطن والعالم.
كائن من لحم ودم
إن «الأهرام» قبل أن تكون ظاهرة فذة عابرة للقرون، هى كائن من لحم ودم وورق وحروف وأفكار، هى أناس يختبئون وراء ظلال السطور، صحفيون وعمال وإداريون وتوزيع وإعلانات ومطابع، يجتهدون فى السراء والضراء لتؤدى الأهرام رسالتها وتصل إلى قارئها فى أفضل صورة، نتذكرهم جميعا هنا، لأنه عندما يتسلم القادة أوسمة النصر، ينبغى أن نفكر فى الجنود على الجبهة، وكل هؤلاء يتنافسون فى خدمة الوطن والقارئ، فهو سر وجودها واستمرارها.. إذ لولاك أنت سيدى القارئ ما كتبت هذه الكلمات على صفحات مخضرمة قوية يمتد عمرها 139 عاما، بالتمام والكمال.
ودون تزيد أو افتئات تظل الأهرام "سردية كبرى" وقصة نجاح باهر يقهر الزمن بإصرار، نجدها فى الصف الأول فى اللحظات الفارقة والأيام الحاسمة من حياة هذا الوطن وتلك الأمة. لايمكن اختزال الأهرام فى هذه السطور المعدودة، وأقر وأعترف بأننى لست متجردا من العاطفة والميل والهوى فى الكتابة عنها، فما من مرة سرت فى طرقاتها إلا وتذكرت قصيدة للشاعر الإنجليزى "شيللر"، تقول بعض أبياتها: " انهض بجسارة بجناحين"" و"حلق فوق عصرك"..تحلق الأهرام بجسارة فوق العصور، مثل غيث لا يتوقف عن الهطول ولا يتحول إلى سيل، تُعشب الدنيا من حوله ولا توحل، وهى تطوى أياما وراء أيام، تضيف بها رصيدا إلى أرصدتها فى عقول القراء وقلوبهم، فى معركتها المستمرة من أجل البقاء على القمة، فهى مصباح عقل الأمة، ينتظرون شروقه كل صباح، ليكشف المستور وينير الطريق للسالكين فى مسارب الحياة ومنعرجاتها الوعرة، يشع وهجه الخاص وإبهاره المتميز وفكره الغزير، وأن يعرف سيدنا القارئ شيئا عن كل شىء..
فهل كان أبى رحمه الله على حق..؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.