نشرت جريدة المساء الأسبوع الماضي مقالا في غاية السوء، لم أكن أتوقع قراءة مثله في صحيفة ما ولا حتى على مواقع الانترنت، تخيلوا صاحب المقال يشبه الزعيم مصطفى النحاس بالرئيس حسنى مبارك، ويتهم عصر الزعيم النحاس بالرشوة والفساد والمحسوبية، المقال جاء في مقدمة من سطرين عن علاقة النحاس باشا بمكرم عبيد واختلافها، ثم فقرة كبيرة من العريضة التي رفعها مكرم عبيد إلى الملك فاروق يتهم فيها زعيم مصر بالفساد، وعرفت بالكتاب الأسود، في نهاية المقال علق كاتبه بالتالي: أعتقد أن ما جاء في هذا الكتاب(الكتاب الأسود) ينطبق تماما على النظام السابق، ولو أن أحدا قرأ هذا الكتاب حاليا لأعتقد أنه وصف لحالة البلاد في ظل النظام السابق(نظام حسنى مبارك)، فقد كانت الرشوة منتشرة والمحسوبية هي أساس المعاملات، والفساد هو السمة الغالبة، أما النزاهة فقد كانت مفقودة"، هذا التعليق يؤكد للقراء فساد الزعيم مصطفى النحاس، بل ويشبه الفساد(المزعوم) الذي استشرى في عهده بالفساد الذي عانينا منه في عصر مبارك وأسرته وبطانته، وهذا الكلام يعنى أن كاتب المقال(للأسف) مؤمن بأن مصطفى النحاس كان فاسدا، وأن فساده لا يقل عن فساد حسنى مبارك، من أين جاء بإيمانه هذا؟، كيف كون عقيدته بأن النحاس كان فاسدا؟، ما هي مصادره التاريخية التي توصل من خلالها لهذه القناعات؟، كاتب المقال اعتمد في رأيه هذا على الكتاب الأسود، أو على العريضة السوداء التي رفعها مكرم عبيد إلى الملك فاروق ضد النحاس باشا، فصاحب المقال قرأ الكتاب أو مقدمته وربما فقرة من المقدمة واقتنع بأن النحاس باشا كان فاسدا، والكاتب لم يكتف بهذا بل كتب قناعته هذا فى مساحة بالجريدة، وتجرأ وقارن بن فساد النحاس المزعوم وفساد حسنى مبارك المعزول، ومقارنته هذه جاءت فى سطرين، بالله عليكم هل هذا يعقل؟، أن يقرأ احد صفحتين أو مقدمة كتاب أو فقرة من مقدمة أو الكتاب كاملا ويتبنى الرأي المطروح فيه، ثم يقوم بكتابته على أنه واقع وحقيقة؟، هل الكتابة في التاريخ هي نقل فقرة من مقدمة كتاب؟. ما أعرفه أننا قبل أن نتجرأ على الكتابة يجب أن نتعلم القراءة أولا، والذي يريد أن يكون رأيا عن واقعة أو شخصية ما تاريخية، عليه أن يقرأ هذه الواقعة من خلال مصادرها التى عاصروها أو الأقرب زمنيا للواقعة، فقراءة الوقائع التاريخية لها أصولها ومصادرها، وبدون العودة لهذه المصادر لا تفلح هذه القراء، والمصادر قد تكون مذكرات، وثائق(محررات حكومية، محاضر شرطة، احكام قضائية، فتاوى شرعية، مضابط المجالس النيابية..)، أخبار وتقارير ومقالات صحفية، كتابات لمؤرخين معاصرين، شهادات شفوية، ومصادر عصر الزعيم النحاس كثيرة ومتنوعة ومتوفرة، وفى واقعة الكتاب الأسود أو الاتهامات التي وجهها مكرم عبيد بإيعاز من الملك فاروق ضد النحاس باشا، يتوفر عنها العديد من المصادر التي يمكن الرجوع إليها، منها مضبطة مجلس النواب، ومذكرات حسن يوسف باشا رجل القصر، وكتابي جلال الدين الحمامصى (معركة نزاهة الحكم وحوار وراء الأسرار)، وأسرار الساسة والسياسة لمحمد التابعي، ومذكرات إبراهيم باشا فرج المعنونة ب " مذكراتي السياسية" إعداد حسنين كروم، وإذا كانت هذه المصادر ثقيلة الظل لك أن تعود للعشرات من الدراسات التي تناولت هذه الفترة، بعضها رسائل ماجستير ودكتوراه، المهم ألا تتبنى رأيا من قراءة ثلاثة أسطر في مقدمة كتاب. هذه واحدة، الثانية: هل مكرم عبيد باشا كان صادقا في اتهاماته؟، هل النحاس باشا كان فاسدا؟، لماذا حاول مكرم تشويه صورة النحاس باشا؟، ومن الذي تبقى زعامة النحاس أم اتهامات مكرم عبيد؟، هذا ما نتناوله غدا. علاء عريبى [email protected]