ارتبط الزعيم مصطفي النحاس باشا بصداقة متينة مع مكرم عبيد باشا وهو الذي اختاره سكرتيرا عاما لحزب الوفد واختاره وزيرا أكثر من مرة في الوزارات الوفدية. وفي الأربعينات حدثت وقيعة بين قطبي الوفد. الأمر الذي جعل مكرم عبيد يصدر كتابا أسود رفعه إلي الملك فاروق كتب فيه فضائح عن حكم مصطفي النحاس.. فقد جاء فيه: "لقد بذلنا الجهد علي تخليص المصري من الاستعمار الأجنبي.. ولكننا علينا الآن أن نُخلِّص المصري من الاستعمار المصري لقد أصبحنا نبحث عن النزاهة والاستقامة والعدالة والحرية والمسئولية في الحكم وأصبحنا كأفراد يعني كل واحد بقوت يومه.. هل يجده فيشتريه.. أو.. لا يجده فيستجديه.. وحتي تعليم الأولاد وتوظيفهم.. هل له من حظوة أو رشوة تيسر له العسير وبقضاء مصالحه هل له وساطة إلي هذا أو ذاك الوزير أو الكبير. والناس تبحث عن الحرية الشخصية له ولأهله وهل هو في مأمن من اعتقال أو تفتيش في جنح الليل ولا يدري عنه أحد. نحن في عهد "الإباحية" بأكمل معانيها.. فقد سرت جرثومة الفساد أو كادت تسري في جسم الأمة السياسي وأصبح المجتمع سوقا تباع فيه النعم وتشتري.. وقد نشر هذا العهد المشئوم "عهد مصطفي النحاس" نظام الاحتساب والوساطة بين الناس.. وأصبح العهد كله محسوبية".. كانت هذه مقدمة الكتاب الأسود.. أما المضمون فقد احتوي علي اتهامات صريحة ووقائع فساد كثيرة لمصطفي النحاس وزوجته وحكومته.. الأمر الذي جعل النحاس باشا يرد علي الاستجوابات التي قدمت في مجلس النواب وشرح كل ما جاء فيه مدعيا أن كله أكاذيب..وطبعا انتهي الأمر باعتقال مكرم عبيد واستبعاده من حزب الوفد في يوليو .1942 أعتقد أن ما جاء في هذا الكتاب ينطبق تماما علي النظام السابق. ولو أن أحدا قرأ هذا الكتاب حاليا لاعتقد أنه وصف لحالة البلاد في ظل النظام السابق. فقد كانت الرشوة منتشرة والمحسوبية هي أساس المعاملات.. والفساد هو السمة الغالبة أما النزاهة فقد كانت مفقودة.