أعترف أن توقعاتي قد خابت..فقد انتظرت سماع تعليق رئيس الحكومة د.عصام شرف علي ماقاله جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي حول تجميد أرصدة مبارك داخل الولاياتالمتحدة وقيمتها 31.5مليار..لكن حكومتنا لم تعلق. دعك هنا من نفي متحدث باسم كيري بأن كلام الأخير كان زلة لسان..وأنه كان يقصد ثروة القذافي وليس مبارك!!..فالسيد كيري ليس ساذجا بل يعرف معني وخطورة مايقوله..ثم أن الرئيس السابق مبارك لم تكن مدة حكمه قليلة حتي ينسي كيري اسمه أو يخلط بينه وبين القذافي..والمؤكد أن كيري يعرفهما جيدا ويحفظ اسميهما عن ظهر قلب ولايمكن أن يكون ماقاله زلة لسان. دعك أيضا- ثانية- مما صدر عن المستشار القانوني للرئيس السابق من نفي لما ورد علي لسان كيري وحديثه عن مقاضاة الأخير وقناة الجزيرة التي أوردت الخبر..كل هذا طبيعي ومتوقع أن يصدر عن مبارك ومحاميه..كما لايمكننا توجيه اتهام للرئيس السابق دون أدلة..لكن في المقابل لاينبغي إغفال ماقاله مسئول أمريكي رفيع المستوي في وزن كيري. نحن أمام تأكيد من كيري ونفي من مبارك وأحدهما صادق بلا شك لكن لانعرفه كما لانثق فيهما بل نثق في رئيس الوزراء والنائب العام والمجلس الأعلي..لذا فقد انتظرت صدور بيان عن جهة واحدة من الجهات الثلاث السابقة يؤكد اهتمامها بما قاله كيري..وأنه قد جري إرسال وفد من المحققين الي العاصمة الأمريكية للوقوف علي حقيقة ماقاله كيري من عدمه..هذا هو الفعل الذي كنا نتوقعه ردا علي حديث المسئول الخطير الأمريكي. المفاجأة أن شيئا مما سبق لم يحدث..فلم يصدر بيان يشفي القلب ويريحه ..ومازلنا نطالب احدي الجهات الثلاث ببدء التحقيق في ثروة الرئيس السابق. ملف ثروة الرئيس مبارك وأركان النظام السابق يحتاج حسم وسرعة في اصدار الأحكام مع توفير ضمانات الدفاع للمتهمين وقبل ذلك فإنه يحتاج مرونة في التفكير والتعاطي مع المستجدات التي تطرأ أثناء التحقيق..فما زلت أشفق علي جهات التحقيق لأنها لاتزال تعمل وفق الاجراءات الروتينية المعتادة دون أن تضع في اعتبارها أنه لولا ثورة الشعب المصري ماكان لهؤلاء المتهمين أن يمثلوا أمام قاضي التحقيق..مما ينبغي معه الدعوة الي التعامل مع قضايا الفساد بشكل ثوري إذا جاز التعبير..سوف تسألني كيف؟. في الأسبوع الماضي عرض بعض المتهمين في قضايا فساد تتعلق بشراء أراض الدولة بأقل من السعر الحقيقي أن يدفعوا فروقات الأسعار فورا ونقدا..وقدم خمسة متهمين عرضا بسداد ملياري ونصف المليار جنيه والتصالح أمام النائب العام دون احالة التهمة الي القضاء. لا نود هنا الدخول في نقاش حول مدي قانونية ماقدمه المتهمون..لكن السؤال:هل يمكن فتح باب التصالح بتلك الطريقة..بمعني أن يقوم كل متهم حصل بطريقة مشروعة (قانونا بالفساد) أو غير مشروعة علي أرض أو منفعة او خدمة ما من الدولة في عهد الرئيس السابق بأقل من سعرها الحقيقي أو دون مقابل أن يسدد فرق الأسعار ويتصالح مع مكتب النائب العام. ظني أننا إذا قدمنا عرضا بذلك للجميع مقابل عفو مشروط عن هؤلاء المتهمين..فإننا سنكون قد حققنا أكثر من هدف: 1- الحصول علي حقوق الدولة كاملة وانعاش الخزانة العامة. 2-سيبدأ الرأي العام في الشعور بالراحة عندما يري ماله المنهوب وقد جري رده اليه وبسرعة بعيدا عن حبال المحاكم الطويلة. 3-سوف ينعكس ذلك ايجابيا علي المناخ الإقتصادي 4-سياسة التصالح ستطمئن المستثمرين الجادين والشرفاء حيث يعيشون حالة قلق من المستقبل دفعت بعضهم الي تجميد استثماراته..كما تراجعت انتاجية المصانع بدرجة كبيرة أدت الي تراجع صادراتنا وانخفاض موارد الدولة من ضرائب وكهرباء وتأمينات. 5-انهاء حالة التشفي العامة واطلاق الاتهامات علي عواهنها والحد من الرغبة في الإنتقام والتي تنتشر داخل قطاعات كثيرة بالمجتمع..روح الانتقام مدمرة بينما التصالح المشروط يبني المستقبل ونحن بحاجة الي البناء لا الهدم. ينبغي هنا الحديث عن عروض عربية وأوروبية وأمريكية جري تقديمها الي عدد من المستثمرين المصريين لنقل استثماراتهم الي تلك الدول مثل الأردن والإمارات اللتين قدمتا حوافز ضريبية واعفاءات جمركية وتسهيلات أخري. ظني أن عرضا بالتصالح المشروط سيكون أفضل من سجن المتهم عدة سنوات بعد محاكمة تستغرق سنوات وقد نكون متنا وشبعنا موتا..بل ربما فقدنا كل هذه المليارات. الدعوة أيضا الي الرئيس السابق وعائلته برد أموالهم بالخارج طواعية مقابل نسبة تبقي لهم لاتزيد عن 10% مقابل عفو عن فسادهم المالي (فقط) وألا يمارسوا عملا اقتصاديا أو سياسيا داخل البلاد مع الغاء قرار رفع الحظر عن أموالهم وسفرهم. دعوتنا الي العفو المشروط والتصالح مع الفاسدين أو من هم قيد اتهام..مقصورة ومحددة علي جرائم الفساد المالي فقط أما جرائم القتل والبلطجة فلا تسامح فيها..فالأولي قصة فلوس..جرت سرقتها ولابد من استعادتها ولأن المتهمين بالآلاف فلن يفيدنا سجنهم دون عودة المال العام..ظني أننا لن نجد سجونا تكفي كل هؤلاء وسيصبح لدينا وقتها فائضا في تصدير الفاسدين.