ما تعودنا عيه هو ما تعوّد عليه الرئيس السابق مبارك، فنحن –المصريين-لم نعش لنر رئيسا مصريا يخلع، وهو لم يعش ليتوقع أن يحدث فيه ذلك..وظللنا سنوات طويلة وبداخل كل منا-الرئيس ونحن على التوازي-قناعة بأبدية الأمر.ثم شاهدنا بروفة لثورة التونسيين، فجربنا أن نفعل ما فعلوا، الفارق أن رئيسهم أكمل هو السيناريو ففارقهم قبل أن يتمادوا في لخلخته، لكنا لخلخنا مبارك حتى فارق الناب اللحم. شاهدنا بروفتهم لكنا استعنّا بقدراتنا نحن في صياغة مشهد مختلف يناسب طبيعة مصر،مشهد يشبه فارق المذاق بين الطعام التونسي والمصري،مع جمال مذاقهما . نحن الشباب، جربنا بكارة تجربة الثورة، فنجحنا دون أن نتعلم من ثورات أخرى لدينا-ربما للأمر علاقة بجينات مختفية فينا - لكنا لأول مرة نثور ضد حاكم مصري حتى نخلعه ويرحل في تاريخنا الحديث، ثورة 1919لم تكن –في رأيي-ضد حاكم مصري، بل ضد المحتل أولا، وثورة 52 كانت ثورة جيش، الفارق بين ثورة52 وثورة 2011أن الأولى تحولت من ثورة عسكرية لمدنية بمباركة الشعب، والثانية ثورة مدنية يحميها الجيش.المهم أننا نجحنا في إتمامها،لم يكن المهم في ثورة25يناير2011 أن نحرك ساكناً، بل أن نغيره.كي ننفي صفات المراوغة في نزع صفة الثورية عما قمنا به، وأظن أن الكبار يغارون من أن نكون نحن الشباب الذين فعلناها، لكنا فعلناها فعلا، وسأجد ما أخبر به طفلاً لي في المستقبل إن شاء الله عما فعلناه له، نحن الذين ولدنا في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بصراحة لا أصدق، فأنا منذ شهر كنت أسترجع في بالي حوار وحيد حامد في التليفزيون حين سأله المذيع.. تفتكر ممكن يحصل ثورة في مصر؟ فقال له إن الشعب المصري "ريّح". حقيقة أيدت ما يقول ولم ادر من أين أتتني هذه الطاقة لأخرج هاتفاً ضد مبارك، رغم أني أبعد ما يكون عن طبيعة الثائر، فأنا ككثير من المصريين يحب السلامة وأن تمر الأمور حوله بما لا يهدد هدوء أحواله وأمانها، لكنها الصرخة المحبوسة التي كنا نخرجها يوميا ضد أنفسنا في أسافين الشغل وطوابير العيش وزنقة المواصلات، خزّنا هذه الزفرة وأطلقناها معا في مرة واحدة حتى استطاعت أن تهز شراع مبارك الراسي في أبدية الحكم. أحاول هنا تنحية العبارات الرنانة لكني واثق أن الآن مكانها، فأن تتحدث عن منجزك كثائر هو أمر رائع فعلا، إحساسي يعلو كلما تخيلت أن مصر بإمكانها فعلا أن تصير أفضل، إن الناس بإمكانهم أن يبحثوا عن مستقبل أفضل حقا، الأمر لن يكون ورديا إلا بهم وبالشباب، وأنا سأكون أول من يخرج لإصلاح ميدان التحرير، وإعادة تشجيره وترميم أوجاعه، و أحلم بأن أصير إنسانا أفضل في بلد يقدر ناسه ويحترم مواهب مبدعيه ويستثمر طاقة شبابه ويصون آدمية أهله.. الفترة القادمة ليست أصعب مما سبق لأن غسل الأرض بعد كنسها يجعل فرصة نظافتها أكبر. حسن الحلوجي هو صحفي وقاص