الكل خاسر في معركة انفلات الغضب أدباء مصر هل يطفئون نيران فناني مصر؟! · ما عبر عنه الفنانون في انفعال من الممكن أن يلتئم ولكن ما سيترك ظلالاً سيئة علي الصورة هو تلك القرارات التي تصدرها كيانات جماعية · أتصور أننا سوف ننتظر سنوات حتي تضمد الجراح المصرية الجزائرية والعربية العربية ضرب اتحاد الكتاب المصريين مثلاً في كيفية مواجهة حالة انفلات الغضب التي صارت تسيطر علي الحياة الفنية والإعلامية في مصر والجزائر.. يعرف الاتحاد ورئيسه الكاتب الكبير "محمد سلماوي" أن فن إدارة الأزمة يتطلب رؤية استراتيجية ثابتة وليست عاطفية مرحلية، وهكذا جاء البيان مؤكداً أن الانسياق وراء أي مواقف انفعالية سوف يؤدي إلي زيادة الفرقة والانشقاق بين البلدين ولا يخدم سوي أعداء الأمة مؤكدين علي المصير المشترك.. هذه هي الرؤية الصحيحة مع ملاحظة أن الذي أصدر ذلك ليس اتحاد الكتاب العرب الذي يرأسه أيضاً "محمد سلماوي" ولكنه اتحاد الكتاب المصريين أي أنه يعبر عن وجهة نظر الكتاب المصريين الذين كان من الممكن أن ينساقوا وراء حالة الغضب والانفلات الجماهيري.. قارن ذلك ببيان اتحاد النقابات الفنية وغرفة صناعة السينما ودار الأوبرا المصرية بالمقاطعة التامة لكل الأنشطة الثقافية والفنية الجزائرية.. وعدد كبير من الفنانين انساقوا وراء تلك المشاعر الغاضبة وكأنهم في مزاد علني.. الفنان عندما يغلب عليه الانفعال مثل "محمد فؤاد" الذي أكد أنه لن يغني بعد الآن في الجزائر و"يسرا" و "أحمد السقا" و"شريف منير" طلبوا من "أشرف زكي" باعتباره نقيباً للممثلين أن يعيد الجوائز التي حصلوا عليها من الجزائر إلي السفارة ولا تدري كيف لم يحددوا الفارق بين مواطن جزائري أو حتي مائة أو بضعة آلاف أثاروا شغباً في الخرطوم وبين شعب ودولة تكرم فناناً مصرياً.. حتي الفنانة التشكيلية "أحلام فكري" أعلنت اعتذارها عن عدم السفر إلي "وهران" في شهر يناير القادم ورغم ذلك فأنا أفرق بين موقف فنان وموقف اتحاد أو كيان عام ، قد نجد عذراً لبعض الانفعالات اللحظية من الفنانين ولكن الكيان العام ينبغي أن يحركه المنطق الذي يتجاوز أحداث اللحظة.. كل ما أصدره الفنانون في حالة الهياج الانفعالي من الممكن أن يلتئم مع الزمن ولكن ما أري أنه سيترك ظلالاً سيئة علي الصورة هو تلك القرارات الجماعية التي تصدرها جماعات فنية.. والتي أكدها النقيب "أشرف زكي" بتلك الوقفة الاحتجاجية في الصوت والضوء بالهرم مساء أمس الثلاثاء.. "أشرف زكي" ليس فقط نقيباً للممثلين المصريين ولكنه أيضاً رئيس لاتحاد الفنانين العرب، لا أدري ما الذي سوف يصدره بيان اتحاد الفنانين العرب.. المنطق بالطبع يؤكد أنه ينبغي أن يتوجه إلي توحيد الجهود من أجل المصالحة بين الفنانين العرب ونبذ الفرقة فإذا لم يكن هذا هو دور الفن فما هو الدور الذي من الممكن أن يلعبه اتحاد يضم الفنانين العرب؟! من الممكن أن تقرأ الصورة بالطبع هكذا أن هناك غضبا عارما ضد ما حدث في مباراة الجزائر وأن الإعلام بمختلف قنواته لعب دوراً في ذيوع وانتشار حالة الغضب.. هذا علي المستوي الشعبي أما رسمياً فإن الدولة ممثلة في القيادة السياسية أعلنت تضامنها مع هذا الغضب وهكذا صار التوجه واضحاً للجميع وأي محاولة إيجاد مخرج لتلك الفرقة أو حتي الوقوف علي الحياد سوف يعد بمثابة خيانة وطنية هذا هو واقع الحال الآن بكل ضبابيته.. لا أدري ما هو موقف الاتحادات الجزائرية الفنية المماثلة من هذه القرارات وحتي كتابة هذه السطور لم يصدر أي قرار رسمي ولكني أتوقع أن هناك قرارات مماثلة مثلما نري التراشق الإعلامي المهين بين الفريقين المصري والجزائري ولا ينبغي أن نري الصورة من منظور ضيق علي اعتبار أن لدينا نحن الذخيرة الأكبر من المبدعين وبالتالي فإن المقاطعة الجزائرية لن تجدي لأننا الأقوي.. الحقيقة أن الحالة العربية المتردية هي التي ينبغي لنا أن نقرأها بتأمل وهدوء.. التناحر العربي العربي سوف يحتل مقدمة الصورة كل فنان عربي صار ينتظر منه تحديد موقفه هل هو مع مصر أم الجزائر ورغم أن الفنان ينبغي أن يتجاوز إبداعه كل الحدود فهو القادر علي أن يؤكد الوحدة مهما تباينت الخلافات السياسية لأنه يتوجه للوجدان إلا أننا أمام حالة الانفلات سوف نجد أنفسنا في كل يوم ننتظر قنبلة موقوتة يفجرها فنان أو إعلامي مصري أو جزائري.. أتصور أننا سوف ننتظر سنوات حتي تضمد الجراح المصرية الجزائرية والعربية العربية ولكن من المؤكد أن هناك من بدأ.. شكراً لأدباء مصر الكبار ورئيسهم "محمد سلماوي"!! ******* «فتحي عبد الوهاب» الجائزة لمن يستحقها! نجوم مصريون كبار حصلوا علي جائزة أفضل ممثل خلال 33 دورة من عمر مهرجان القاهرة أحمد زكي "معالي الوزير" ، أبو بكر عزت "المرأة والساطور" ، نور الشريف "ليلة ساخنة" ، محمود عبد العزيز "سوق المتعة".. وانضم مؤخراً إلي هذه الكوكبة الرائعة "فتحي عبد الوهاب" بدوره في فيلم "عصافير النيل"!! جاءت الجائزة بالفعل لمن يستحقها قدم "فتحي" دوره بدرجة عالية من النعومة والانسيابية وخفة الظل التي ترتكن إلي فهم عميق لمفردات تلك الشخصية التي تغوص في الزمن بمتغيراته وأيضاً بكل ما تحمله الشخصية من نوازع نفسية.. هو الشخصية المحورية النهمة جنسياً والتي تبحث في نفس الوقت عن شاطئ الأمان المادي والنفسي والعاطفي والتقي في مشواره بأكثر من امرأة "عبير صبري" ، "مها صبري" ، "مني حسين".. من أكثر المشاهد التي أداها بهذا القدر من العفوية وهو يأكل نصف تفاحة مع خطيبته ولم يدرك أن طعمها قد تغير بسبب السكين التي استخدمت من قبل وكان بها رائحة الجاز فلقد كان يعتقد أن هذا هو طعم التفاح.. "فتحي عبد الوهاب" يعرض له أيضاً هذه الأيام "عزبة آدم" فهو أحد الممثلين الذين يسعون إلي تقديم الأدوار السينمائية التي تستهويه بغض النظر عن مشروع النجومية وما تتطلبه من تبعات.. تخلص هو من كل تلك القيود. بداية "فتحي عبد الوهاب" في مطلع التسعينيات مع فرقة "محمد صبحي" والذي سبق له وأن دفع بأكثر من فنان للساحة "هاني رمزي" ، "أحمد آدم" ، صلاح عبد الله" وغيرهم ولكن كالعادة الانطلاقة والشهرة تأتي بعيداً عن مسرح "صبحي".. وقع اختيار أكثر من مخرج كبير ممن لديهم بالفعل مشروع ووجهة نظر علي "فتحي" وكانت البداية له مع "داود عبد السيد" في فيلم "سارق الفرح" قبل 14 عاماً بالفعل كان ملفتاً.. بعد ذلك خيري بشارة "إشارة مرور" ثم "سيد سعيد" في فيلمه الروائي الوحيد "القبطان" ثم "البطل" مجدي أحمد علي.. ومع "سعيد حامد" في "صعيدي في الجامعة الأمريكية" الذي أكد نجومية "محمد هنيدي" ويلتقطه "داود عبد السيد" مرة أخري في "أرض الخوف".. ولكن اللحظة الفارقة في مشواره جاءت في "فيلم ثقافي" تأليف وإخراج "محمد أمين" وكان أول بطولة ثلاثية جمعته مع "أحمد عيد" و "أحمد رزق" ثم البطولة الجماعية الثانية في فيلم هاني خليفة "سهر الليالي" ثم بطولة مطلقة في "فرحان ملازم آدم" آخر ما كتب الراحل "محسن زايد" إخراج "عمر عبد العزيز" لكن الفيلم لم يحقق الجماهيرية المطلوبة لتعميده كنجم.. ثم مع هالة خليل "قص ولزق" ثم بطولتين في "خلطة فوزية" و "عصافير النيل" لمجدي أحمد علي.. ما يمنح "فتحي عبد الوهاب" تميزاً عن نجوم الشباك من جيله أن من حقه الرهان علي الفيلم المختلف وعلي الدور ولا يخشي أن تتضاءل الإيرادات لأن الفيلم ليس تجاريا.. "فتحي" لم يصبح بعد نجماً للشباك وعلي هذا فإن المغامرة الفنية بالنسبة لاتزال من حقه.. بالتأكيد أجره أقل بنسبة كبيرة من نجوم الشباك وهو لا يمارس أي سطوة علي المخرجين وعلي هذا تنضبط بالنسبة له المعادلة السينمائية.. أتصور أنه يرنو إلي أن يصبح نجماً للشباك وهذا بالطبع طموح مشروع ولكن ما يعيشه الآن يمنحه فرصاً فنية أكبر في تقديم الأفكار السينمائية المغايرة للسائد ولن يتراجع بسبب الخوف من الشباك.. فهو الآن واحد من أكثر المرشحين في الأفلام التي تتطلب ممثلا وليس مجرد نجم.. يستطيع "فتحي" بكل هذه الأسلحة أن يسبح سينمائياً في مناطق أخري وهكذا دخل السباق في "عصافير النيل" فاستحق الجائزة وعن جدارة!! ******* همس المشاعر يواجه طوفان التطرف · الفن لايعترف بجواز السفر.. هل المخرج جزائري أم سوداني أم تونسي.. الأهم هو القيمة التي يقدمها علي الشريط السينمائي · يقدم بوشارب فيلماً يصب لصالح الشخصية الإسلامية أينما كانت مؤكداً أن الإرهاب والتطرف والعنف لا صلة لهم بالإسلام لا أوافق علي تلك القرارات التي أصدرتها النقابات الفنية بمقاطعة أي عمل فني جزائري.. الإبداع له مساحة أكبر بكثير من تلك اللحظات المنفلتة التي لا نملك فيها سوي إعلان الغضب والتي انتقلت بدورها كالعدوي في مهرجان القاهرة ولكن كان قد سبق كل ذلك التكريم الذي حصل عليه المخرج الجزائري "أحمد راشدي" وأيضاً الاحتفال بالسينما الجزائرية وبين عدد كبير من الأفلام الجزائرية اختار "نهر لندن" وهو واحد من أمتع الأفلام هل نتجاهله لأن مخرجه جزائري "رشيد بو شارب" وإنتاجه أيضاً تشارك فيه الجزائر؟! أنا أكتب هذا المقال عن فيلم جزائري حتي أؤكد عملياً أنني أقف ضد كل قرارات المقاطعة التي أصدرتها النقابات الفنية وغيرها من الكيانات الفنية! المخرج "رشيد بو شارب" أحد علامات السينما الجزائرية والعربية الآن وسبق أن شارك فيلمه "أيام المجد" في مهرجان "كان" قبل ثلاثة أعوام وحصل أبطال الفيلم الأربعة علي جائزة التمثيل وهي جائزة ولا شك تحسب أيضاً للمخرج.. وهو من الجيل الثالث لمخرجي الجزائر علي اعتبار أن "محمد الأخضر حامينا" الحاصل علي "سعفة" مهرجان "كان" عام 1975 هو عنوان الجيل الأول ثم "أحمد راشدي" صاحب الفيلم الشهير "الأفيون والعصا" يمثل الجيل الثاني ثم "رشيد بو شارب" ممثلاً للجيل الثالث والذي أذكر منهم عدداً من المخرجين المتألقين مثل "مرزاق علواش" ، "بلقاسم بلحاج" وغيرهما. أحداث لندن الإرهابية التي مر عليها أربع سنوات وكانت قد اندلعت بعد أربع سنوات من مأساة البرجين في نيويورك.. اختار المخرج لحظة محورية فارقة جداً حيث شاهدنا ما يجري في الأندرجراوند - مترو الأنفاق - كم التدمير الذي حدث وذلك عبر شاشات تبث تلك الجرائم التي تعددت أماكنها ولكن لم يتغير مدلولوها فهي ضد الإنسانية بعيداً عن أي دوافع يحاول أن يلصقها البعض عنوة بالدين الإسلامي والدين بالطبع بريء من كل هذه الادعاءات. الفيلم جزائري بريطاني فرنسي مشترك كإنتاج.. بذكاء وبرهافة وإحساس اختار المخرج هذا الموقف ليطرح قضيته بلا صخب أو ضجيج، فتاة وفتي في مطلع العشرينيات يلتقيان في أحد الأحياء الفقيرة المسلمة بلندن، حيث يكثر في هذا الحي أعداد السود والعرب والمسلمين كما نقرأ دائماً علي المجلات وباللغة العربية بعض العبارات العربية مثل حلال أو طبقاً للشريعة الإسلامية كما أن اللغة العربية تظل لها حضورها في هذا الحي تستمع إلي بعضها بين الحين والآخر، مما يضيف قدراً من الواقعية علي الأحداث.. بعد جريمة تفجير "الأندرجراوند" اختفت ابنة ولهذا تأتي أم إنجليزية من ريف إنجلترا باحثة عن ابنتها في نفس الوقت يأتي رجل أسمر جذوره من السنغال لكنه غادر بلده بسبب الفقر والاحتياج إلي فرنسا حيث يعمل هناك بالزراعة أيضاً.. المكان الذي يجمعهما هو شقة الابنة في أول لقاء نري ملامح شاب مسلم لم يقل إنه مسلم ولكن من الممكن أن تتوقع ذلك من ملامحه وذقنه يساعد الأم علي وضع شريحة في جهاز المحمول لمحة سريعة ولكنها لا شك تحمل مدلولا مثلما نشاهد مع بداية الأحداث كيف أن الأم تتردد عندما تتلقي اتصالاً هاتفياً من الأب السنغالي الأسمر يخبرها أن لديه معلومات عن ابنتها تلك المعلومات هي فقط صورة لابنه الأسمر تجمعه مع ابنتها.. هو لم ير ابنه منذ 15 عاماً غادر السنغال للعمل في فرنسا وابنه في السادسة ولم يتابعه منذ ذلك الحين إلا أنه أمام رغبة زوجته السنغالية التي افتقدت ابنها قرر أن يغادر فرنسا متجهاً إلي لندن وتحديداً إلي هذا الحي الفقير للبحث عنه ويستطيع عربي مقيم في هذا الحي أن يتعرف علي ابنه من خلال صورة تجمعه مع هذه الفتاة صورت لهما بالجامع ويقرر أن يبدأ البحث من خلال هذا الخيط.. لمحة أخري يقدمها المخرج بذكاء وذلك عندما يمد الأب السنغالي يده للسلام علي الأم لكنها تتجاهل اليد الممدودة وتكتفي بالإيماءة ولو أنك ذهبت سريعاً ووصلت إلي المشهد قبل الأخير في الفيلم ورأيت كيف أنها قد حضنته بعد أن تأكدت من رحيل ابنه وابنتها وهي تواسيه لاكتشفت أهمية هذا المشهد في بداية الفيلم حيث أننا كمشاهدين نتابع لحظات تصاعد وتغير في بناء الشخصية درامياً من الرفض إلي التردد ثم التسامح حتي تصل للتعاطف وهو الذروة بعد أن أضافت الأحداث الكثير الذي ينعكس علي ملامح كلتا الشخصيتين وعبر المخرج عن التشكك المبدئي لدي الأم ، فهي بمجرد أن تري صورة ابنتها تذهب إلي الشرطة تتهمه بخطفها وتكتشف أثناء التحقيقات أن الضابط الإنجليزي الذي يحقق معه مسلم أيضاً!! الأحداث قائمة بخط متواز بين الأب والأم كل منهما لديه هدف واحد ولكنهما يلتقيان دائماً في مستشفي أو في السوبر ماركت أو في المشرحة.. هناك فقط تواز في العلاقة ولكن لا مجال للتلاقي، دائماً لدي الأم قدر من التوجس هي تضع إطاراً من "السوليفان" علي مشاعرها وعندما نكتشف أن ابنتها كانت تذهب للجامع وتتعلم العربية وتتأكد من العديد من التفاصيل في شقتها بأن الشاب الأسود المسلم كان يقيم معها كان من الصعب عليها أن تتقبل كل ذلك بسهولة إلا أن مشاعرها تدفعها إلي أن تتصل بابنتها تؤكد لها أنها ليست غاضبة منها وترجوها أن تعود إليها إلا أنها كالعادة لا تتلقي رداً تترك لها فقط رسالة علي جهاز الرد الآلي في التليفون المحمول.. اللحظة الفارقة أنهما يحصلان علي أمل بالنجاة لأن الاسمان ليسا في كشوف الموتي ولا المصابين وأيضاً يسألون مسئولا في شركة سياحية يؤكد لهما أنهما قد ذهبا في رحلة أخري إلي الهند، كلها بالطبع إرهاصات تعيد إليهما وإلي الجمهور الأمل في إمكانية النجاة.. هذا الخبر يتيح لهما قدراً من الهدوء لالتقاط الأنفاس لأول مرة يأكلان تفاحة معاً بل تسمح له بالمبيت معها علي الأرض في غرفة النوم الوحيدة بالمنزل وليأتي الخبر قبل النهاية بأن هذا الأمل كاذب وأن تحليل ال D.N.A أثبت أن جثتي الفتي والفتاة قد تحللت ولم يتبق أي بقايا وهكذا تقبل الأب رحيل ابنه وقال لأمه في مكالمة مؤثرة من لندن حيث أنها في السنغال لم يعد هناك "علي" - اسم ابنه - ولا يوجد له جثمان من الممكن أن يضمه قبر.. وكان المخرج الذي اشترك أيضاً في كتابة السيناريو يمتلك رؤية أكثر عمقاً لأن الفيلم لا يحتاج إلي نهاية سعيدة ولكن إلي تأمل العلاقة بين الأب والأم والنظرة للآخر المختلف لونياً وعرقياً ودينياً كان هناك تسامح حتي بعد إعلان الموت، النهاية السعيدة بالتأكيد كانت تتناقض تماماً مع هدف الفيلم الرئيسي وهكذا شاهدنا في بيت الفتاة مع لقطات النهاية المصحف وآلة موسيقية أفريقية بشقة الابنة كان والد الشاب الأفريقي قد أهداها له وهو طفل وأراد الفيلم بتلك اللقطة أن يؤكد علي أن الشاب الأفريقي ظل معتزاً بجذوره وبهدية أبيه له.. ثم يلتقط الأب صورة لابنه مع ابنتها يضعها في معطفه لتصحبه وهو يعود إلي فرنسا بعد أن يحاول مواساة الأم بأغنية فولكلورية لا نفهم كمشاهدين معناها لكنا نستشعر مغزاها الذي يحمل فيضا من المشاعر، واللمحة الأخيرة للفيلم نراها عندما يذهب كل منهما إلي أرض يزرعها.. يواصلان الحياة وفلاحة الأرض لأن من المؤكد من يزرعها بتسامح تنبت خيراً!! قد تبدو الأحداث للوهلة الأولي قاتمة ولكن المخرج كان حريصاً من خلال السيناريو الذي كتبه مع "أوليفر لورني" علي أن يضع دائماً بارقة أمل وأن يصبح الإطار الخارجي التشويقي هو مجرد غلاف أما الإحساس العميق للعلاقة بين الأب والأم وكيف يتطور من مرحلة إلي أخري، كان هذا هو الهدف الحقيقي للفيلم عندما تتعرف أكثر علي الإسلام وتبدأ في تفهم طبيعة هذا الإنسان الأسمر الذي يلتقيها بينما هي كانت في البداية تبتعد عنها. أجاد الممثلين الرئيسيان "بيراندا بليثين" و "سوتيجي كويات" بتقديم الدور بدرجة عالية جداً من الإمساك بمفردات الشخصية بكل تفاصيلها.. أتذكر كيف عبرت الأم في البداية عن الغضب والاستنكار بعد أن علمت أن ابنتها تعرفت علي هذا الشاب الأسمر المسلم ثم بدأت تعبيراتها تتغير بعد أن اقتربت أكثر من الشخصية المسلمة.. كذلك من أروع مشاهدها لحظة تلقيها نبأ مصرع ابنتها.. كان أيضاً المخرج "بو شارب" حريصاً علي أن تستخدم كل شخصية للغتها الأم الإنجليزية والأب الفرنسية ومنح الأم أيضاً فرصة لغة ثانية فرنسية ليصبح هناك منطق فني ودرامي لكي يتحدثا معاً بدون تدخل وسيط.. شذرات الكلمات العربية والإسلام والقرآن حتي المصحف الذي نراه بين كتب الابنة في نهاية الفيلم كل هذه المفردات علي بساطتها تملك قدراً كبيراً من الإيحاء الفني الجميل لتواجد الإسلام كدين وسلوك.. ليقدم "بوشارب" فيلماً عزيزاً علينا يصب لصالح الشخصية الإسلامية أينما كانت مؤكداً أن الإرهاب والتطرف والعنف لا صلة لهما بالإسلام وأجمل ما يقدمه الفيلم أنه لا يتبني أي من هذه الأفكار بصوت صاخب ولكن المخرج كان دائماً يهمس بتلك الأفكار ولهذا صدقناه وصفقنا له ولم نفتش أبداً في جواز سفره لنكتشف أنه جزائري!!