منذ سنوات قليلة قرأنا بالصحف ذات صباح عن دعوة وجهها الرئيس مبارك لمجموعة محدودة من السادة أعضاء مجلس الشعب للإفطار معه و تبادل الرأي في شتي الأمور. حضر هذا الإفطار بالقصر الرئاسي خليط من مختلف الأحزاب و التيارات الممثلة في مجلس الشعب. بعد الإفطار خرج أحد النواب المعارضين و كان للغرابة أحد أعضاء الهيئة البرلمانية للإخوان المسلمين إلي الصحافة و أدلي بتصريح كوميدي هزلي إلي أبعد الحدود..فماذا قال سيادته؟. قال: لقد كان لقاء رائعاً و قد تناولنا علي مائدة الرئيس أصنافاً جميلة للغاية و من بينها حاجات محشية حاجات، غير حاجات أخري غير محشية، و في الحقيقة أنا متفائل بمستقبل البلد تحت قيادة السيد الرئيس و أثق أن سيادته وحده يملك الحل لكل مشاكل مصر!!. يومها أشفقت علي الناخبين الذين منحوا أصواتهم لهذا الرجل و هم يتصورونه معارضاً للرئيس و سياساته، و لا يخفي عليكم أن المقاعد التي انتزعها الإخوان في انتخابات 2005 قد سالت دماء كثيرة للناخبين من أجل الفوز بها!. و أتذكر أنني كتبت مقالاً للتعليق علي هذه الواقعة أسميته "حاجات محشية حاجات" أوضحت فيه للقراء الأسباب المحتملة لهكذا سلوك من جانب نائب معارض و قلت إن الناس من طول تعرضها للظلم و القهر و المعاملة المهينة من السلطة لا يصدقون أنفسهم حين يجدون مسؤولاً حكومياً يعاملهم بأدب فتنهار حينئذ مناعتهم و ينسون مساوئه و يغفرون له كل خطاياه لمجرد أنه ترفق بهم في القول و كان معهم ودوداً ليناً، و ما بالنا إذا كان هذا المسؤول هو رئيس الجمهورية ذات نفسه..هنا في الغالب ستتداعي إرادة الشخص و تتهاوي مقاومته و تمسكه بعقيدته السياسية و تذوب مواقفه المعارضة و ينسي كل العذاب و الظلم لمجرد أن الرئيس تطلف إليه في القول و مازحه و أجري معه حديثاً ودياً وسط جمع من الحضور الذين كانوا يتناولون في سعادة و مرح علي مائدة الرئيس حاجات محشية حاجات!. في مقالي الذي كتبته وقتها لم أذكر للقراء اسم النائب و لا ذكرت الفصيل السياسي الذي ينتمي إليه و هو جماعة الإخوان المسلمين و اكتفيت بالقول أنه نائب معارض، لأنني لم أرد أن أساهم في الهجوم علي الإخوان الذي كان علي أشده أو أن أمنح سقط المتاع من كتاب الحكومة ذخيرة إضافية يطلقونها علي خصومهم الذين أسموهم الجماعة المحظورة. و علي الرغم من أنني بعيد كل البعد عن فكر الإخوان إلا أنني أحمل تقديراً لكل من يناضل في سبيل مبادئه و يدفع الثمن، و أكره أن يكون لي موقفاً مماثلاً لذئاب و ضباع السلطة!. لكنني وقتها أدركت نقطة ضعف خطيرة لدي الإخوان هي تعطشهم الحارق لنيل الإعتراف، و رغبتهم الجارفة في ألا يقال عنهم جماعة محظورة، و استعدادهم لتقديم تنازلات إذا ما حصلوا علي لقاء أو وعد بلقاء مع مسؤول أياً كان الرأي في هذا المسؤول..يكفي أنه حكومي ليسيل للقائه اللعاب و تتفتح مسام القلوب. لكل ما سبق فإنني شعرت بالخوف علي ثورة شباب مصر التي رووها بدمائهم منذ يوم 25يناير حتي الآن و خشيت علي الشباب الأطهار الصامدين في ميدان التحرير و باقي المدن المصرية عندما أعلن السيد عمر سليمان أن الإخوان قد دُعوا للحوار مع الحكومة لكنهم مترددون!. خشيت لأنني أعلم أن الإخوان قد يتلهفون علي اللقاء و يفرحون بالإعتراف و قد يتراجعون عن موقفهم الحالي المؤيد و المشارك في الثورة فيسهمون في إجهاضها بعد أن ساهموا في منحها زخماً و قوة. في البداية رفض الإخوان الحوار إلا بعد رحيل الرئيس و إن كانوا قد أبدوا سعادة لأن السيد نائب الرئيس قد اعترف بهم!. بعد يومين وافقوا علي حضور اللقاء. و هنا عادت إلي ذاكرتي واقعة الإفطار الذي حوي حاجات محشية حاجات بالقصر الرئاسي، و قلت في نفسي ماذا يحدث لو أن السيد عمر سليمان قد دعاهم لتناول لقمة علي ما قُسم و قدم لهم ساليزون و باتون ساليه ثم أتبعه بطبق من البونبون و الشوكولاتة!..إذن لهلك الشبان المرابطون علي ثغور مصر بميدان التحرير!. حمدت الله علي أنهم خرجوا من اللقاء و أعلنوا أنه لم يكن به ما يفيد و أنهم ما زالوا متمسكين بمطالب شعب مصر و أولها رحيل الرئيس. و أنا هنا أهيب بهم ألا يضحوا بدماء الشهداء من أجل الحصول علي الاعتراف من سلطة أسقطها شعب مصر، و أستحلفهم بالكتب السماوية أن ينسوا تراثهم في الموائمات و الحسابات الخاطئة و اللهفة علي الاعتراف و يدركوا أن السلطة لن تنسي لهم دورهم في الثورة و أنهم الذين حموا الثوار يوم أربعاء موقعة الجحش عندما ظلت طلائعهم تتدفق علي الميدان طوال الليل حتي لا تترك العدد القليل من الشباب الذين بقوا يتم افتراسهم.. فهل يسمعون و يعون؟.