حفلات إفطار جماعية فى فنادق وبواخر ومطاعم راقية تحرص عليها مؤسسات وعائلات احتفالاً بحلول الشهر المبارك، والأهداف تتنوع من الرغبة فى التواصل وتعميق الانتهاء واستغلال الأجواء المميزة إلى التسويق ورسم صورة زاهية بغرض الدعاية. تمتلئ القاعة الرئيسية بواحد من أكبر الفنادق بالزمالك عن آخرها. منذ الساعة الخامسة بدأت حركة رشيقة لرجال ونساء يرتدون الزى الأبيض، يسيرون بأناقة شديدة بينما تحدث أدواتهم جلجلة لها رنة خفيفة بداخل القاعة الفاخرة التى تسع أكثر من 1200 فرد. ساعة ويحل محلهم آخرون يرتدون البدلات السوداء ذات أربطة العنق الأنيقة وسيدات يرتدين ملابس ال«أبريه ميديه» المناسبة. المعازيم لم يأتوا لحضور حفل زفاف أحد المهمين هذه المرة. لقد جاءوا بصفتهم كبار موظفى وعملاء وشركاء إحدى الشركات العملاقة فى مجال الاتصالات. جاءوا لحضور حفل الإفطار السنوى الذى تحرص الشركة الدولية على إقامته سنويا منذ ثمانى سنوات هو عمر وجودها بالسوق المصرية. خلال السنوات الأخيرة أصبحت الشركات والمؤسسات المختلفة تنفق جزءا ليس بالقليل من ميزانيتها خلال شهر رمضان من أجل إقامة حفلات إفطار لشركائها والعملاء البارزين تأكيدا على وجودها الإعلامى خلال الشهر الكريم وتحقيقا لأهداف أخرى كثيرة. تقول دينا خيرى، مديرة العلاقات العامة بالفندق: «طوال رمضان تتنافس الشركات فى تقديم حفلات الإفطار التى تليق بحجم ومستوى نشاطها. يقوم قسم العلاقات العامة بالاتفاق معنا على حجم ومستوى القاعة، وتضمين فقرات غنائية أو استعراضية خلال الحفل، لأن كل تفصيلة تخبر الكثير عن الشركة، ومدى اهتمامها بالشركاء والموردين وكبار العملاء». وتضيف: «الأمر هو فى المقام الأول أداة من أدوات العلاقات العامة للشركة. وهو أمر لا يتاح كثيرا على مدى العام، بل إنه لا يتاح إلا خلال شهر رمضان الذى تتفرغ فيه وسائل الإعلام لتغطية كل ما يتعلق بالإفطار». بالنسبة لكبرى الشركات خاصة العابرة للقارات والبنوك وشركات الاستثمار أصبحت حفلات الإفطار السنوية مثلها مثل الإعلانات، تتنافس لكى تظهر من خلالها فى أبهى صورة وتستضيف فيها كبار الشخصيات العامة والنجوم. وكما تتنافس الشركات، تسعى الفنادق والبواخر الراقية لتقديم أفضل عروض الأسعار، ليس فقط للشركات ولكن أيضا للمجموعات العادية. لذلك يتحول رمضان من الشهر الأكثر ركودا فى سوق الفندقة والسياحة إلى الأكثر رواجا من حيث خدمات الإفطار والسحور والحفلات الاجتماعية كما تؤكد دينا خيرى: «حفلات الإفطار تعوضنا كثيرا عن الركود فى حجز الغرف، لذلك نحرص على تقديم أفضل الحفلات من حيث التنسيق والسعر، هذا العام ابتكرنا عرضا يغطى تكلفة فرد مجانا من كل 30 فردا». تضيف أن حفلات الإفطار والسحور لا تحقق مكاسب كبيرة للفندق ولكنها تغطى التكلفة الأساسية للمرتبات وتدوير الفندق فى هذا الشهر. ولكن على الجانب الآخر، يحقق الإفطار الجماعى مكاسب لا حصر لها بالنسبة لأصحاب الشركات. كما يقول حسين كارم الموظف بإدارة المبيعات بكبرى سلاسل السوبر ماركت الشهيرة بالسادس من أكتوبر، والتى تحرص على إقامة حفلين خلال شهر رمضان، حفل داخلى للعاملين بالسوبر ماركت ويصل عددهم إلى ثلاثة آلاف عامل، وإفطار آخر فاخر فى واحد من الفنادق أو البواخر الخمس نجوم يكون بمثابة الحفل السنوى للشركة لا يحضره سوى كبار الموظفين والموردين والوكلاء والشركات وممثلو المؤسسات الكبيرة التى تجمعهم بها علاقات عمل. يضيف حسين كارم: «قسم المبيعات هو الأكثر حرصا على حضور الحفل لبناء علاقات جيدة مع الشركاء وأحيانا ننجز ما يشبه اتفاقات وعقود عرفية». بهذه الطريقة تكون الشركة كمن يلقى بيانها السنوى، أو رسالة ما إلى السوق وتحالفاتها، وبمثابة تمهيد لتعاقدات السنة. إفطار كليب وإذا كان الأمر على مستوى الشركات يحقق أهدافا تجارية، فإنه يحقق أهدافا من نوع آخر لعائلات الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، الذين أصبحت أعدادا متزايدة منهم حريصة على حجز القاعات لحفلات إفطار جماعى فى كبرى الفنادق كنوع من الوجاهة الاجتماعية. تقول علياء منصور، مهندسة 36 عاما، أم لطفلين وتنوى تكرار تجربة الإفطار الجماعى لأفراد عائلتها للعام الرابع :«الأمر ليس تباهيا وتفاخرا كما يظن الكثير من الناس. ولكنه وقت مناسب للاجتماعيات ولقاء من لا تتاح الفرصة للقائهم طوال السنة من العائلة والأصدقاء. فى رمضان تقل ساعات العمل وينتهى الكل من العمل فى وقت مبكر قبل الإفطار ويكون متاحا أن نجتمع عليه. واختيار قاعات الفنادق يكون أسهل وأكثر راحة من البيوت التى لا تتحمل الأعداد الكبيرة». تكلفة إفطار الفرد فى فنادق الخمس نجوم تتراوح من 150 و 300 جنيه للفرد، وهو ما يعنى أن الأسرة المكونة من خمسة أفراد تتكبد ما يتراوح بين 750 و 1500 جنيه فى ليلة واحدة فقط. تعود علياء لتقول: «هو صحيح مبلغ كبير، لكنها ليلة واحدة نحظى بإفطار فى مكان محترم ومستوى عال نستمتع فيه مع المقربين» وتضيف: «وأحيانا بنتصور وبنعمل كليب نحتفظ به طوال العمر». أما العائلات من الطبقات الأكثر ثراء فيقيمون حفلات الإفطار الراقية فى بيوتهم التى تحتمل ذلك. يقول عمرو جاد، صاحب شركة متخصصة فى خدمات «الكاترينج» أى توريد وتجهيز الوجبات الغذائية للحفلات: «أكثر زبائنى من رجال الأعمال وأبناء الطبقة الثرية، طوال شهر رمضان ننظم حفلات الإفطار بقصورهم وفيلاتهم، والتى يجب أن تكون على مستوى عال جدا لأنهم يدعون فيها عائلاتهم وشركاءهم وأصدقاءهم من رجال الأعمال والشخصيات العامة». ظاهرة حديثة الإفطار الجماعى بالنسبة للشركات وللأفراد تراه سلوى محمد السيد الموظفة السابقة بالبنك الأهلى المصرى والآن على المعاش ظاهرة حديثة تماما. طوال ثلاثين عاما هى سنوات عملها فى البنك لم تر شيئا مثل هذا: «كانت الإدارة تنظم إفطارا جماعيا للموظفين بالبنك سواء مسيحيين أو مسلمين كنوع من التواصل الاجتماعى وكمناسبة سنوية من الممكن أن تبعث على البهجة وتقوى العلاقات بين الزملاء، وكان الحفل يقام داخل نادى البنك بالعجوزة، ولم تكن هناك حفلات ضخمة بفنادق فاخرة يدعى إليها رجال الأعمال مثل الآن، لأنه لم تكن هناك حاجة إلى ذلك، البنك سمعته معروفة والمعاملات محدودة ومعروفة على مستوى الجمهورية». الظاهرة التى تراها سلوى حديثة نسبيا، فرضتها ظروف التعددية والمنافسة فى السوق المصرية قبل سنوات، فى رأى م. ج. مدير المطاعم بإحدى سلاسل الفنادق العالمية بالتحرير، والذى يعمل فى مجال الفندقة منذ عام 1987: «الإفطار الجماعى ممارسة موجودة قبل أكثر من عشرين عاما لكنها لم تكن بهذا الوضوح، كان أمرا وديا يزيد من علاقات الشركات والمؤسسات ويعمق صلتها بالشركاء. لكنه لم يكن أداة سنوية أساسية لزيادة المبيعات وتوسيع حجم السوق ووسيلة أساسية للدعاية كما هو الآن». ويكشف ج. عن أبعاد أخرى لحفلات الإفطار السنوى: «بالإضافة إلى الشركات والعائلات، هناك أعضاء مجلس الشعب والطامحون فى دخوله، يدعون كبراء ووجهاء المنطقة فى حفل راق وفاخر لكسب أصواتهم فى الانتخابات». إفطار سياسى بالإضافة إلى ذلك تستغل بعض الشركات مناسبة رمضان فى إبراز دورها الاجتماعى، فطوال شهر رمضان تعج وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة بتقارير وإعلانات عن أنشطة خيرية متمثلة فى حفلات إفطار جماعى تقوم بها شركات أو رجال أعمال فى دور رعاية الأيتام وهو أمر يراه د. نبيل عبدالفتاح الخبير السياسى والباحث الاجتماعى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية توظيفا استغلاليا واقل ذكاء للدين: «هو شكل من أشكال التسويق والدعاية لرجال الأعمال والساسة، وتوظيف غير ذكى للأموال الطائلة مع الطقوس الدينية فى محاولة لتحقيق بعض المكاسب التجارية أو الدعائية البحتة، فى حين يمكن انفاق نفس الأموال وبنفس الدعاية والتغطية الاعلامية ولكن فى انشاء مؤسسات حقيقية تفيد الناس وتقدم فرص عمل حقيقية للشباب كالمستشفيات والمدارس، وهى أمور أهم بكثير من دعوة بعض الشخصيات على الافطار، أو منح الفقراء بعض الوجبات لمدة شهر أو أقل» وفيما يدعو د.نبيل إلى تغيير قيمى فى ثقافة رجال الاعمال بحيث يكونون ذوى مسئولية اجتماعية حقيقية، لا يرى حسين كارم أن الأمر بهذا السوء «الفكرة ليست تجارية بحتة، فهناك الجزء الأكبر يتعلق فعلا بالمناسبة الدينية والتزام المؤسسة الدينى، أما بالنسبة للمسئولية الاجتماعية فنحن ملتزمون بها طوال العام من خلال أنشطة خيرية ورمضان ليس إلا موسما للزكاة ومناسبة إسلامية مهمة». الدين لله والإفطار للجميع وإذا كان البعض يرى هذه الممارسة إبرازا لطابع إسلامى تحرص الشركات على بيانه، فإن رفيق، صاحب شركة الملابس الجاهزة العريقة مسيحى الديانة، ينفى ذلك مؤكدا أن شركته تحرص على إقامة حفل إفطار جماعى كل عام: «الموضوع اجتماعى تماما. رمضان فرصة ممتازة ومثالية لهذا النوع من التواصل. وفرصة لزيادة التواصل والحميمية، والإفطار الجماعى يزيد من التواصل بين أبناء الشركة الواحدة ويزيد انتماءهم إليها، ويقوى العلاقة بين الشركة وبعض عملائها. يضيف أن إقامة حفل الإفطار بالنسبة لشركة معروف من اسمها أنها شركة مسيحية يكون بمثابة صك محبة وكسر للحواجز بينها وبين البعض: «عندما يدعو شخص مسيحى جاره المسلم إلى الإفطار اعترافا وتأكيدا منه على المناسبة الإسلامية فإنه أمر يقدره المسلم كثيرا، لذلك فإن إقامة شركتنا لحفل إفطار خلال شهر الصيام يساعد على كسر الحاجز النفسى الذى قد يجده زبون مسلم. ويساعد على إذابة إحساس البعض بالاختلاف». رفيق ليس الوحيد، فهناك الكثير من رجال الأعمال المسيحيين الحريصين على اقامة حفلات الافطار والأنشطة الخيرية التى تقدم لها الصحف ووسائل الاعلام تغطية اخبارية واسعة طوال الشهر. كما تحرص المؤسسات والمراكز الدينية المسيحية على اقامة حفلات افطار تدعو فيها الشخصيات العامة والصحفيين ورجال الفكر، بما فى ذلك الكنيسة القبطية نفسها التى تقيم سنويا ما يعرف ب«مائدة الوحدة الوطنية» ويحضرها شيخ الأزهر ورئيس الوزراء، وكبار رجال الحزب الوطنى والبرلمان ورؤساء الأحزاب. الفكرة أيضا خرجت من مستوى الشركات والمؤسسات إلى مستوى الدول. فحفل الافطار الذى أقامه أوباما فى البيت الأبيض العام الماضى وحضره عدد كبير من أعضاء السلك الدبلوماسى وأعضاء الحكومة الأمريكية والكونجرس، قوبل بمزيد من الترحيب والسعادة فى العالم العربى، بينما رفع الكثيرون قبعاتهم لرئيس الوزراء التركى رجب أردوغان بعدما استبعد قبل أيام السفير الإسرائيلى عن حضور حفل إفطار دعا إليه سفراء الدول الأجنبية.