انطلاق دورة «إعداد الداعية المعاصر» بمشاركة وفود 6 دول    محافظ أسيوط يستقبل رئيس القومي للطفولة والامومة خلال زياتها لافتتاح مقر للمجلس    «المصدر» تنشر لائحة النظام الأساسي للنقابة العامة للعاملين بالتعليم والبحث العلمى    مصر تفتتح المقر الرئيسي لأكاديمية «شباب بلد» بمركز شباب الجزيرة لتمكين 13 مليون شباب وفتاة    تحسين مستوى المعيشة فى الريف..حياة كريمة تغير شكل قرى الصف وأطفيح    البورصة المصرية تخسر 21.5 مليار جنيه بختام تعاملات الثلاثاء 16 ديسمبر 2025    الدفاع المدني في غزة: إدخال الكرفانات الحل البديل لإنقاذ النازحين من خطر الأمطار    2800 شركة صينية في مصر باستثمارات تتجاوز 8 مليارات دولار.. واهتمام مصري بتعزيز التعاون في الذكاء الاصطناعي والرقمنة    المتحدثة باسم خارجية الصين: علاقتنا مع مصر نموذج يحتذى به عربيا وإفريقيا    بريطانيا تتعهد بتقديم 805 ملايين دولار لدعم الدفاع الجوي الأوكراني    حماس: 95% من الشهداء بعد وقف إطلاق النار مدنيون.. ولا يحق لإسرائيل استهداف رجال المقاومة    حكم لصالح مبابي ضد باريس سان جيرمان بسبب مستحقاته المتأخرة الضخمة    جماهير زاخو تفوز بجائزة FIFA للمشجعين 2025 لمبادرتها الإنسانية    غزل المحلة: لدينا أكثر من 90 ألف دولار عند الأهلي.. وشكونا بلوزداد ل فيفا    وزارة الخارجية تتابع حادث غرق مركب بالقرب من ميناء جزيرة كريت اليونانية على متنها مواطنين مصريين    ونش عملاق يتدخل لرفع حاويات قطار بضائع سقطت فجأة بطوخ    قبيصى: أستعدادات مكثفة وتعليمات مشددة لأمتحانات الفصل الدراسي الأول بالفيوم 2026    هل تتزوج حورية فرغلي في السر دون علم الجمهور.. الفنانة تجيب؟    خلال الجلسة الختامية للندوة الدولية الثانية.. إطلاق ميثاق الفتوى والكرامة الإنسانية    السبت.. عائشة بن أحمد في حوار مباشر مع جمهور مهرجان القاهرة للفيلم القصير    زيادة 50% لمخصصات العلاج على نفقة الدولة في موازنة 2025-2026    جامعة قناة السويس تُنفذ قافلة تنموية شاملة بأبو صوير    وزير التعليم ومحافظ أسوان يتفقدان 6 مدارس بإدارة إدفو لمتابعة انتظام العملية التعليمية (صور)    تأجيل محاكمة المتهمين بإنهاء حياة تاجر الذهب أحمد المسلماني بالبحيرة ل 12 يناير للمرافعة    قرار جديد من النيابة فى واقعة تعرض 12 طفلا للاعتداء داخل مدرسة بالتجمع    «برومتيون» الصينية تؤسس مصنع للإطارات باستثمارات 300 مليون دولار    محمد مصطفى كمال يكتب: الترويج السياحي من قلب المتحف الكبير.. حين تتحول الرؤية إلى ممارسة    موقف ليفربول، ترتيب الدوري الإنجليزي بعد الجولة ال 16    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    ب 90 مليون جنيه، محافظ بني سويف يتفقد مشروع أول مدرسة دولية حكومية    هل تلتزم إدارة ترمب بنشر ملفات إبستين كاملة؟ ترقّب واسع لكشف الوثائق قبل الجمعة    محافظ أسوان: صرف علاج التأمين الصحي لأصحاب الأمراض المزمنة لمدة شهرين بدلا من شهر    من المنزل إلى المستشفى.. خريطة التعامل الصحي مع أعراض إنفلونزا h1n1    أستاذ طب أطفال بجامعة القاهرة: المرحلة الأولى لبرنامج رعاية داخل 8 جامعات    توروب يتمسك بمستقبل الأهلي: شوبير عنصر أساسي ولا نية للتفريط فيه    وزارة الأوقاف: التفكك الأسرى وحرمة المال العام موضوع خطبة الجمعة القادمة    وزير الرياضة يبحث مع السفير الإماراتي تعزيز التعاون المشترك    غدًا.. المصريون بالداخل يدلون بأصواتهم في جولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    الإسكان تعلن تخصيص قناة رسمية للتواصل مع المستثمرين والمطورين العقاريين    بيان – الزمالك يعلن التعاون مع النيابة العامة وثقته في الحلول لاستمرار النادي    فوز 24 طالبًا في أيام سينما حوض البحر المتوسط بمكتبة الإسكندرية    نقل جثمان طالب جامعى قتله شخصان بسبب مشادة كلامية فى المنوفية إلى المشرحة    تفاصيل افتتاح متحف قراء القرآن الكريم لتوثيق التلاوة المصرية    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: الاعتماد مسار شامل للتطوير وليس إجراءً إداريًا    مَن تلزمه نفقة تجهيز الميت؟.. دار الإفتاء تجيب    «لديه بعض المشاكل».. دغموم يكشف سبب عدم انتقاله للزمالك    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    عاجل- دار الإفتاء تحدد موعد استطلاع هلال شهر رجب لعام 1447 ه    ارتفاع تأخيرات القطارات على الوجه القبلي بسبب الإصلاحات    برلماني بالشيوخ: المشاركة في الانتخابات ركيزة لدعم الدولة ومؤسساتها    الجيش الأوكراني يعلن إسقاط 57 مسيرة روسية    «التضامن الاجتماعي» تعلن فتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب مدينة "كراتشي" الباكستانية    مديرية الطب البيطري بالقاهرة: لا مكان سيستوعب كل الكلاب الضالة.. وستكون متاحة للتبني بعد تطعيمها    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر في سوق العبور للجملة    محمد القس يشيد بزملائه ويكشف عن نجومه المفضلين: «السقا أجدع فنان.. وأتمنى التعاون مع منى زكي»    جلال برجس: الرواية أقوى من الخطاب المباشر وتصل حيث تعجز السياسة    حضور ثقافي وفني بارز في عزاء الناشر محمد هاشم بمسجد عمر مكرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد عبدالله يكتب: بيان رسمي مصري
نشر في الدستور الأصلي يوم 24 - 01 - 2011

أتذكر عندما كنت أحضر احدى الدورات التدريبية في المدينة الانجليزية برايتون في أوائل التسعينات وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي بعامين تقريبا كان يشارك في الدورة زملاء من اوروبا الشرقية وبالتحديد بولندا وألمانيا الشرقية (سابقا). كنت أمزح وأقول أحيانا نكتا سياسية وأسألهم عن رأيهم في نظامهم الجديد وسرعان ما لاحظت أن هؤلاء الزملاء ينسحبون من جلساتنا. شعرت بمدى القمع الذي أصابهم والخوف الذي لم يزل يسيطر عليهم، تماما مثل ما أصاب الكثيرين من الشعب العراقي بعد سقوط الراحل صدام حسين خوفا من أن سقوط الديكتاتور كان فقط حلما.
أتذكر صديقا تونسيا عندما كنا نجلس سويا أحيانا في مقهى فرنسي في لندن نتناول القهوة ونتبادل الحديث في كل شئ لكن لو تحدثنا عن السياسة في العالم العربي كان حريصا جدا أن يتجنب مناقشة أي موضوع له علاقة بتونس رغم أنه يعيش على بعد مئات الأميال لكن الخوف رافقه الى لندن وربما الى أبعد من هذا. كنت أتعجب من مدى الخوف رغم أنني مصري وليس غريبا علي ما يدور في كافة البدان العربية.
لكنني تفهمت ذعر وخوف صديقي عندما ذهبت الى تونس في مهمة صحفية. بداية من المطار وحتى مغادرتي تونس كانت هناك مراقبة لصيقة وواضحة لي ولفريق التصوير التونسي ومراقبة لهواتفنا المحمولة وغير المحمولة رغم لقائي بمسؤول اتصال (اعلام) وطمئنته بأن عملي من خلال قنوات رسمية واضحة ولا تهدف الى تشويه تونس وليس لي مصلحة في ذلك... كنت أمزح مع سائقي عندما لا نرى سيارة المراقبة وأقول له: اتصل بهم، إن عدم وجودهم يشعرني بأن هناك ثمة مشكلة: هل نواصل التصوير أم لا؟ هكذا تونس وهكذا تفهمت تماما مخاوف صديقي فالسمع شئ والخبرة الميدانية شئ آخر...
أتذكر أيضا عندما كنت في رحلة عمل الى سوريا وفي أحد مقاهي فندق خمس نجوم تبادلت الحديث مع شخص بدا كما لو أنه رجل أعمال أو ثري سوري. كان يرتدي ملابس أنيقة يدخن سيجارا ويتناول شرابه بمتعة. بدا لي رجلا واثقا من نفسه معتدا بها، شواربه تحكي بعضا من تاريخ سوريا وعندما أخذني الحديث عن بعض جوانب السياسية البريطانية وما حدث لمارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة عندما انقلب عليها البرلمان وأطاح بها أثناء رحلة خارج البلاد سرعان ما أخبرني أنه يريد أن يذهب الى مكان آخر واختفى بسرعة خوفا من الحديث عن السياسة... لم أصدق أن الرجل الأنيق صاحب الشوارب الرجولية أصابته موجة مفاجئة من الذعر والخوف. لقد علمتني الحياة في لندن أشياء جنونية: الحديث بحرية والشعور بالأمان لكن تذكرت أنني في مصر أيضا استطيع التحدث بكل الحرية بل والسخرية وانتقاد الحكومة والنظام: ما أكثرني حظا؟
اكتشفت ذكاء المؤسسات المصرية الأمنية وغير الأمنية في التلاعب ببراعة بمشاعر الشعب المصري وكيف يسمحون له بالنكات السياسية وكيف يستخدمون الاعلام ببراعة أيضا في صنع شخصية مصرية تتمتع بالفصام في الشخصية: ما بين الحديث بكل حرية عن نظام الحكم والسخرية من قادته وحكامه وأحواله وانتقاده لذاته وللأخرين وفي الوقت نفسه مصر هي (أمي نيلها هو دمي)، شخصية تنتقد نظامها الحاكم لكن تتوحد ضد من ينتقده في الخارج سواء على حق أم على باطل. شخصية تعتقد أن مصر هي بداية العالم ونهايته وفي الوقت نفسه يحاول المصري الهحرة منها الى أي دولة فقيرة أو غنية بحثا عن حياة أفضل... شخصية جدلية متكبرة تظن أنها تملك التاريخ وتوزعه على الآخرين بينما تتمنى أن تكون مثل الآخرين وتنظر بانبهار الى الدول الغربية المتقدمة والأسيوية الصاعدة، شخصية خنوعة ضعيفة وفي الوقت نفسه لا تخاف أحد مهما كان، شخصية فهلوية دائما تعرف كل شئ وتجيد كل شئ وتتحايل على كل شئ وفي الوقت نفسه شخصية أمينة وصادقة ومؤمنة، كل هذا لأن هذه المؤسسات الأمنية والحكومية طمست الطبيعة الحقيقية للشخصية المصرية التي تتمع بذكاء طبيعي ومهارة ومرونة تتمناها أي ادارة دولة في العالم في شعبها لتصنع منه المعجزات بدلا من تحويله الى شخصية مريضة نفسيا باتت لا تريد الا الطعام والشراب والنوم وسد الأبواب أمام كل الرياح حتى لو كانت الرياح في صالحه...
الشعب المصري أصيب بالاكتئاب وعلى الأطباء النفسيين أن يكذبوا كلامي! قتل الشعب المصري في وضح النهار لأن قاتله يعرف تماما نقاط ضعفه فهو منه وليس غريبا عليه... مات رحمه الله الشعب المصري على أيد أذكى مؤسسات العالم وأكثرها فهلوة. أجهزة تفوقت على أجهزة الأمن السوفيتية وفروعها في اوروبا الشرقية رغم أنها تعلمت منها كما تعلمت أجهزة تونس الأمنية من المصريين لكن التلميذ المصري تفوق على أستاذه السوفيتي والتلميذ التونسي لم يتوفق على أستاذه المصري. سقط النظامان وظلت الحكومة المصرية لأنها تجيد الفهلوة وهي كلمة لم تدخل معاجم كثير من الأنظمة السياسية ويتمتع بها النظام بشكل حصري... لكن المصريين القدماء كانوا يؤمنون بالبعث فهل يبعث الشعب التاريخي الرائع من جديد؟
الآن وعلى غير المتوقع تماما وبعد سنوات من التوقعات والتكهنات والحديث عن المستحيل والممكن وصلت عدوى تلك الثورات الى العالم العربي والأكثر غرابة هو أن يكون الشعب التونسي قائد تلك الثورة في عالم عربي يرضخ لحكم أنظمة ديكتاتورية إن صح التعبير عن الكثير منها، والأعجب أن زعماء الدول العربية التي تدعي جمهورية نظامها يحيطون أنفسهم بمستشارين غاية في الغباء والفساد والدليل البسيط على غبائهم أنهم يلعبون بمشاعر الشعب ويظنون أنهم في لعبة القط والفأر هذه يمكن أن يواصلوا حكم البلاد والحصول على منافعهم من القوة والثروة وليحترق الشعب ومن يدافع عنه.
أراهن أن كل حاكم ومسؤول عربي جمهوري تابع أحداث تونس يقول لنفسه: أنا غير وحكومتي غير وشعبي غير. إن لدينا مشاكل صحيح لكن ليس مثل تونس ولا اوكرانيا ولا تيشكوسلوفاكيا ولا رومانيا وبولندا ويوغسلافيا ولا سيرلانكا وحتى الدول الافريقية التي تغير أنظمتها. لا وألف لا إننا أفضل بكثير ويظل يقنع نفسه ويقنعه مستشاروه بأن الوضع تحت السيطرة وبلادنا في خير. والبعض الذي يظن أنه أكثر ذكاء يقول دعنا نتحدث عن اصلاحات سياسية واقتصادية ووظائف للشباب وتغييرات حكومية ليعرف الشعب أننا نعمل من أجله وحتى نستبق أي احتمال لأي هاجس ثوري كمثل الذي حدث في تونس الخضراء. فالى أي مدى يستمر حلم هؤلاء؟
أتذكر كثيرا في يوم الثورة التونسية:
أوقفت تاكسيا في القاهرة وأنا في طريقي الى سيتي سنتر فخر الصناعة المصرية! التاكسي لم يخضع للتغيير الجديد الذي اكتشفته وزارة النقل والمواصلات بعد عقود من الحكم فهو قديم قدم القاهرة نفسها يسير بسرعة ثلاثين كيلو مترا في الساعة وكعادتي بدأت حوارا مع سائق التاكسي الشاب خريج كلية التجارة الذي لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره وفجأت به يقول: أنا أريد أن أموت... لم يقل هذا لأجل التعاطف معه والحصول على مبلغ أكثر كما قد يقول البعض...لا شعرت بكل الصدق قي كلامه وحكى لي قصته: باختصار لا يستطيع تحمل أعباء السكن والمعيشة والانفاق على أسرته وطفله الوحيد وعليه أن يعمل في وظيفتين وتمتد ساعات عمله الى أكثر من ستة عشر ساعة يوميا لتوفير ما يمكن توفيره م أجل البقاء حيا بشكل مؤقت! وعلينا أن نتخيل: لا حب ولا عاطفة ولا استقرار جنسي ولا عاطفي: كيف يكون هذا الانسان؟ ولزم التنويه رضي بما أعطيته اياه من مال دون أن ينظر اليه حتى...!
هل تنشر الحكومة المصرية عدد المنتحرين بسبب عجزهم عن مواجهة أعباء الحياة والأسعار في ظل فوضى يسودها قانون الغاب؟
أما الاعلام في مصر فباستثناء قلة قليلة جدا جدا جدا أرقام احادية بالكاد فإنه مصدر ضحك وسخرية وتنطبق عليه معايير الشخصية الفصامية... الضحية في النهاية شعب يصدق ما يسمعه لكنه لا يبحث في حقيقة ما يقدم اليه من معلومات، شعب تشوش له الحقائق وتقدم له معلومات تزيده خلطا وارتباكا وارباكا... وهذا هو الملطوب!
بينما كانت الاحتجاجات والتظاهرات في تونس تتواصل وتشتد قوة الثورة التونسية كان التلفزيون المصري يبث أي برامج أخرى كما لو أن ما يحدث بجوارها ليس له علاقة بها واذ أخيرا يأتينا البيان التالي:
القاهرة تتابع أحداث تونس عن كثب وتحترم اختيارات الشعب التونسي!
ماذا عن احترام اختيارات الشعب المصري؟ فصام في الشخصية!!!
الجزء الثاني:
هل الحاكم العربي انسان أم اله؟
اذا كان انسانا فما هو الضرر الذي قد يصيبه لو ترك الحكم بشكل ديمقراطي؟
أليس لكل انسان بداية ونهاية؟
فاذا كانت له نهاية: ألا يرغب في قضاء سنوات عمره الأخيرة في التنسك والعبادة وإن لم يكن متدينا ألا يرغب في قضائها في الاستمتاع بأوقات فراغه في الكتابة والقراءة والاستمتاع بأهله وأحفاده وأصدقائه والسفر وربما العمل لبلده كسفير مثل جيمي كارتر مثلا؟ وإن كان صغيرا في العمر؟ فماذا يضيره أيضا لو ترك عجلة الحياة السياسية تأخذ مجراها فإن أرادوه رئيسا لهم حكم وإن لم يريده شعبه ترك وانشغل بحياته ويكفيه فخرا أنه تولى رئاسة بلد في يوم من الأيام وهي أهم وظيفة سياسية في أي دولة في العالم.
نحن نتحدث عن الرئيس الأمريكي رقم ثلاثة وأربعين وأربعة وأربعين لكن لم يزد أرقام حكامنا عن الثاني والثالث ولظروف خارجة عن ارادة شعوبهم: اما الموت أم القتل! نحن نتحدث عن حكومة الليكود والعمال وتغيير رؤساء وزراء اسرائيل والانتخابات الاسرائلية قد تأتي بهذا أم بذاك لكن لا يهمنا هذا الحراك السياسي وهذه الديمقراطية فكلا البلدين يتآمران على العالم العربي ومن هنا هي دول فاسدة ديكتاتورية تهتم بمصالحها أم نحن ففي موقف دفاع دائم لكن ماذا نفعل لشعوبنا؟
أنا واثق أيضا من أن هناك رجال في أجهزة الدولة من الأمن والقضاء والسياسة وغيرهم يريدون التغيير ويريدون ما لا يمكن أن يتحدثوا عنه... فلماذا يرضى المظلوم بالظلم؟
أتذكر أحد رجال القضاء يقول لي مرة: لو عرض علي ملايين الجنيهات مقابل أن أترك منصبي في مصر لن أفعل ذلك وعندما سألته لماذا؟ قال ببساطة في مصر أنا بمنصبي الآن أحصل على ما أريد يخافني الناس لدي كثيرون ممن يقدمون لي الخدمات وأحصل على مبلغ يكفيني وأسرتي لنعيش نوعا من الرفاهية لكن الأهم من ذلك كله هو السلطة وأعطاني مثلا: لو استوقفتني لجنة (مرورية) ليلا في أحد شوارع القاهرة وعرف الضابط من أنا فيرفع يده تحية لي وأواصل مشواري مهما كانت مخالفاتي بينما لو كنت متقاعدا قد يطلب مني أنتظر جانبا فأيهما أقبل مئات الملايين من الجنيهات أم منصبي المهم؟ وهكذا الحال لمئات الآلاف من المسؤولين وكبار رجال السلطة.
هذا الرجل قال أيضا:
لو يعلم الناس مدى قوتهم لو اتحدوا لصرنا في علم الغيب، سألت كيف: قال كنا مثلا عندما نذهب لمعاينة مكان ما أو التحقيق في حادثة في أحد الأحياء بصحبة قوة من الشرطة لا تتعدى عدد أفرادها خمسة أو ستة: كنا نتظاهر بالقوة والسطوة، نأمر وننهي ونطلب ونشتم ولا أحد يرد: الكل يخاف لكن لو علم هؤلاء ما يدور بداخلنا ونحن نفعل ذلك: كنت أسأل نفسي لو ثار هؤلاء ضدنا وأوسعونا ضربا لما استطعنا أن نفعل شيئا بل ولما استطاعت وزارتا الداخلية ولا العدل أن ترد اعتبارنا لأسباب كثيرة. النقطة المهمة هنا هو أن يتحد الناس فاتحاد الشعب يخيف أكثر الطغاة قوة وأكثر ضابط أمن دولة نفوذا وبطشا... أما الجيش فهو صديق الشعب كما يعرف الكثيرون لكنه ثار مرة واحدة ضد الاستعمار ولا يعتقد أنه سيثور يوما ما ضد نظامه الحاكم: ومن ثم فيمكن وصف الحالة المصرية بالحالة الميؤس منها لكن وبعد حدوث المستحيل في أحد أكثر دول العالم العربي قمعا حسب منظمة العفو الدولية ومنظمات دولية أخرى فإن المصريين القدماء قد يبعثون من جديد.
مصر كانت مصدر الثورات والتغييرات كما مصدر الهام في العالم العربي والآن هي مصدر القلق والأمراض النفسية رغم أنها تعج بالمهارات والعقول الذكية بل والعبقرية بدون مبالغة في كل المجالات. فهل تبعث من جديد؟
كل العقلاء والمحترمون والأذكياء والمخلصون والمحبون لبلدهم اما يتركونها ليس بحثا عن حياة أفضل وحسب بل بحثا عن علاج من أمراض نفسية أصيب بها مجتمع كان يوما عظيما عظيما، كان قائدا ورائدا ثم أصبح هذيلا ضعيفا. البعض منهم الذي لم يتمكن من مغادرة البلاد اما يشكلون مجتماعتهم الخاصة اما ينعزلون عن المجتمع...
عندما قال الحكماء والعلماء: السلطة تفسد والسلطة المطلقة تفسد بشكل مطلق لم يقولوا هذا مزحا ولا هراء...فمن يتحدى المنطق وطبيعة البشر وعقارب الساعة سيسقط مهما طال الزمن والأدلة كثيرة أقواها: الاتحاد السوفيتي وأحدثها العراق فلم يتعظ أحد مما حدث للراحل صدام حسين والآن زين العابدين بن علي...
الغريب في ثورة تونس أن رئيسها بعد اندلاع الاحتجاجات والاضطرابات أقال وزراء ثم مستشارين ثم حكومة: لماذا لم يسأل نفسه كأي انسان عاقل: لما لا أكون أنا السبب أولا؟ لأن الحكام الديكتاتورين يعتقدون أنهم فوق القانون بل فوق البشر...
إن ثورة تونس الخضراء الحمراء حيث اختلط اللونان كما اختلطت عقول الشعب التونسي لعقود من الزمن شكلت نقطة تحول تاريخية في العالم العربي. بعد الثورة المخملية في تشيكوسلافكيا والدموية في رومانيا والانقلابية في يوغسلافيا والاحتجاجية في بولندا والبرتقالية في اوكرانيا أخيرا امتدت الثورة الخضراء الحمراء على الظلم والفساد الى العالم العربي من بلد لا يعرف الكثيرون أنها كانت من أكثر الدول القمعية والأمنية والديكتاتورية في الشرق الأوسط... تونس!
"لقد استيقظت على تونس الحرة" كلمات المواطن التونسي رضوان ناغبو صاحب الخمسة وستين عاما... بعد كل هذه السنوات تونس حرة...!
إن الاضطرابات والخوف والفوضى وأعمال العنف نتيجة طبيبعة لكسر دائرة الفساد والنفوذ في مجتمع قمعي فمن ناحية سيحاول المستفيدون من النظام السابق بعد أن أفاقوا من صدمتهم اما الانتقام أو البقاء بينما استغلت عصابات من المدنين الوقت المثالي لارتكاب ما أرادوا من جرائم... لا الشعب مهيأ لمثل هذه الثورات ولا الجيش صديق الشعب مدرب لها أيضا... سيناريو يماثل كثير من السيناريوهات في دول الشرق الأوسط
سيتذكر الجميع يوم الرابع عشر من يناير عام ألفين وأحد عشر. سيتذكر الناس أيضا أن بداية العام الساخنة تشكل حقبة جديدة في العالم العربي فالعالم كله شرقا وغربا شهد نوعا من التغيير لكن منطقتنا ظلت راكدة دون حراك سياسي، في ظل أنظمة كثيرة انتشر الفساد في عهدها كما انتشر الغباء وقتل فيها الابداع والشعور بالانتماء، أنظمة حكم تخدم مصالح الآخرين ولا تبالي بمصلحة شعوبها كثيرا بل تشعر وكما أن الشعب تحول الى عبأ ويا حبذا لو اختفى...حتى ثورة التونسيين فتذكر الجميع أن لديهم شعب...!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.