نزلت مهرولة من مقر عملي بوسط البلد، فالطريق لا يزال طويلا وعليّ أنا أذهب للبيت لأتناول طعام الغذاء ثم أستعد للنزول حتى أستطيع اللحاق بالقداس. لا يوجد أقرب من ميدان عبد المنعم رياض حيث تقبع ميكروباصات فيصل العظيمة التي تنقلني مباشرة إلى أمام بيتي لكن المفاجأة كانت أن الموقف لا توجد به سيارات فالأمن من شدة حرصه قام بإخلاء الموقف والشوارع متوقفة بشكل غريب والسيارات لا تتحرك.. كيف السبيل للوصول للبيت والساعة تجاوزت السابعة مساء؟! لا يوجد غيره إذن، إنه المترو. اصطحبتني زميلتي صفية التي أصرت أن ترافقني حتى باب منزلي رغم أن محطتها قبلي بكثير لكنها مشاركة لي في الاحتفال بالعيد أصرت أن توصلني حتى المنزل. ركبنا معا ونزلنا في أقرب مكان لنستقل منه ميكروباص والحمد لله كان شارع فيصل رقيقا معنا فكان خاليا، ربما لأن السيارات كلها محتجزة بوسط البلد فلا توجد إلا قلة قليلة من السيارات تستطيع الوصول لفيصل. وصلت البيت واستعددت للنزول، حسنا إنها العاشرة وأنا بيني وبين الكنيسة 10 دقائق فقط وإذا بدأ القداس في التاسعة كعادته فيمكنني أن أحضر هكذا أكثر من ثلثي القداس. مشيت في اتجاه الكنيسة تنتابني مشاعر غريبة فثمة فرحة غير مبررة لا علاقة لها بأنه يوم العيد و"خلاص هنفطر" لكنه شعور داخلي بأني سأحضر القداس وأدخل الكنيسة وثمة شعور آخر بالخوف والرهبة.. هل كنت خائفة من حدوث تفجير؟ ربما فما سبب الفرحة إذن؟ وما سبب إصراري على حضور القداس في الكنيسة هذه المرة تحديدا رغم أني في بعض الأحيان كنت أكتفي بمشاهدته في التليفزيون؟ اقتربت من الشارع لتطالعني حوالي 3 أو 4 عربات أمن مركزي ثم يوجد كردون أمني على أول الشارع حيث طلب الضباط مشاهدة البطاقة الشخصية للتأكد من كوني مسيحية. دخلت الشارع ثم الكنيسة وإذا بعدد غير مسبوق من الحضور لكن المفاجأة كانت في أن القداس في نهايته فقد جاءت تعليمات أمنية بتبكير موعد القداس! أبونا نفسه كان سعيدا وهو يؤكد لنا إننا مش بنخاف ولا هنخاف وأنها المرة الأولى التي يرى فيها كل هذا العدد في القداس. نظرت حولي لأرى الملامح فإذا بنفس المشاعر.. إشراقة محببة مع بعض القلق لكنها ليست فرحة بالعيد، هل كانت هذه مشاعر الناس من حولي أم أنها كانت مشاعري أنا وكنت أحاول أن أراها فيهم؟ أخرج الأمن 20 منا ثم انتظر حتى خلا الطريق فأخرج 20 آخرين وظل هكذا حتى خرج الجميع بسلام. كان النظام رائعا وكانت الإجراءات الأمنية ممتازة بطريقة جعلتني أتساءل هل كان لابد أن يحدث انفجار حتى يتم التعامل بهذا الشكل؟ وهل سيكون العيد القادم بنفس النظام أم ستعود الأمور لفوضويتها حتى يحدث انفجار آخر؟ ذهبت للبيت وأمسكت بالهاتف أحاول أن أتحدث مع الأهل والأصحاب لأهنئهم بالعيد لكني لم أستطع، اجتاحتني موجة حزن وأنا أسترجع مشاهد ضحايا الإسكندرية فاكتفيت برسالة تهنئة ختمتها ب"ربنا يرحمنا". أعرف أن البعض نسى بالفعل ما حدث وأعرف أننا كلنا سننسى ونواصل حياتنا كما فعلنا في كارثة نجع حمادي فلم نعد نذكرهم إلا لأنه مرت سنة على الحادث فهل سيكون هذا هو الحال نفسه مع ضحايا الإسكندرية؟ وهل سيعود الإعلام لما يفعله ثم يأتي في العيد أو رمضان أو في حادث جديد ليؤكد على الوحدة الوطنية وأنه عاش الهلال مع الصليب؟ وهل ستعود الإجراءات الأمنية إلى فوضويتها؟ ربما ننسي وربما يحدث جديد يذكرنا، لكن أعرف جيدا أنه حتى من هاتفوني ليهنئوني بالعيد كان في صوتهم انكسار ولم تكن فيه فرحة العيد أو ربما لم يكن هناك عيد فهل كان يقصدنا المتنبي حين قال "عيد بأي حال عدت يا عيد.. بما مضى أم لأمر فيك تجديد.. أما الأحبة فالبيداء دونهم.. فليت دونك بيد دونها بيد"، أم أنه قاله متنبئا بحالنا يوم العيد؟!