بصرف النظر عن تضارب الأرقام حول أعداد القتلى والجرحى المصريين في الإسكندرية. لكن الغريب في الأمر أن وقوع أعمال إرهابية على أراضي مصر يهز وجدان كل الناس على وجه الأرض. لا توجد هنا أي مبالغة، لأن هذا ما نلمسه في واقع الأمر وبدون أي تحيز. إن مقتل أي إنسان يهز وجدان البشر الطبيعيين. ولكن حكاية مصر هذه وتأثير ما يجري فيها أمر محير للغاية، ربما لأن مصر لا تستحق ذلك، وأن الإنسان المصري الطيب (الذي أفسدته الظروف) لا يستحق أيضا ذلك. وربما لأن مصر كانت على مر السنين ملجأ وملاذ كل من فر من الظطهاد الديني والعرقي. التصريحات والتحقيقات تشير إلى متهم واحد فقط، ألا وهو الإرهاب. قبل أيام قليلة من استشهاد المصريين أمام إحدى دور العبادة، غرقت روسيا في مستنقع الاحتكاكات العرقية والقومية. واعتبر عمدة موسكو سيرجي سوبيانين أن الهجرة هي سبب كل مصائب روسيا، وكوارث موسكو على وجه الخصوص. ووافقه رئيس الوزراء فلاديمير بوتين الذي كان منذ أشهر قليلة يتحدث عن ضرورة الهجرة إلى روسيا التي تعاني من كارثة ديموجرافية حقيقية. وبصرف النظر عن تصريحات سوبيانين وموافقة بوتين، فالهجرة إلى روسيا جارية على قدم وساق، لأن هذا الموضوع يمثل باب رزق واسع للكثير من الموظفين والعاطلين والسماسرة. في ظل هذه اللوحة المثيرة للقلق أعلن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أن الحكومة الروسية تنتهج نهجا غير صحيح في التعامل مع مشكلة الهجرة عموما. ورأى أن هناك تقصيرا شديدا من جانب الحكومة بشأن برامجها لمواجهة المشاكل الطائفية والعرقية. لقد خرج رئيس روسيا ليؤكد للجميع أن روسيا متعددة الطوائف والقوميات، وأن العنصرية قد تصبح سببا في هلاكها. مصر ليست روسيا. وليست العراق. وليست سوريا أو السودان. مصر نسيج واحد متجانس. فهل يمكن أن ننظر إلى الغول ونقول له أنه غول وأن عينيه حمراوان؟ لقد آن الأوان وإلا سيكون الوقت متأخرا بعد ذلك. هل هناك مشكلة طائفية في مصر؟ هل هناك مشكلة عرقية في مصر؟ هل نجح البعض في خلق مشكلة قومية على أساس طائفي؟ من من مصلحته خلط الأوراق بهذه الطريقة الغريبة على النسيج الواحد للأمة الواحدة؟ ما حدث في الإسكندرية يذكرنا بما حدث في الزواية الحمراء في نهاية سبعينات القرن الماضي والذي كان شرارة لم تنطفئ نيرانها إلى الآن. لا يمكن إلقاء اللوم على الكنيسة أو الأزهر أو الإرهاب. هناك تقصير حقيقي يعادل جريمة الإبادة العرقية. ومن سيحاول غسل يده باتهام الإرهاب إنما يكرس للكارثة ويوسع من رقعتها. لم نتمكن من صياغة فكرة قومية مصرية لا على أساس الدين أو العرق أو الثقافة الواحدة. ولا حتى تمكنا من جعل قناة السويس أو النيل أو الأهرامات أو الكنائس والمساجد تمثل بوصلة لفكرة قومية محتملة. إن ما حدث في الإسكندرية يتجاوز الطائفي والإرهابي. الأيام المقبلة ستؤكد ذلك وأخشى أن أكون محقا! هناك إجابات جاهزة وسريعة تتهم الإرهاب وإسرائيل والقاعدة. لكن علينا أن ننظر إلى أبعد من ذلك قليلا. هناك مشكلة حقيقية تضرب الوجدان المصري والنسيج المصري الواحد. وهي ليست مرتبطة لا بإسرائيل ولا بالإرهاب أو القاعدة. لنمتلك الجرأة قليلا ونوجه سؤالا واحدا فقط: من من مصلحته خلق مشكلة قومية في مصر على أساس طائفي؟ ومتى ظهرت موضة "الوحدة الوطنية"؟ لنفكر قليلا في هذه العبارة المرعبة والغريبة على النسيج المصري فترديدها يكرس إن عاجلا أو آجلا لوجود فكرة أخرى أكثر خطورة. لا شيء في مصر اسمه وحدة وطنية. هناك نسيج واحد وأمة واحدة. العارفون بالتاريخ والقانون، والحريصون على مستقبل الأمة المصرية يدركون جيدا مغزى ألعبارات الخطيرة التي يرددها الجهلة والأميون. ويدركون أيضا أهمية صياغة فكرة قومية مصرية قائمة على نسيج الأمة الواحد حتى وإن مست الدستور وأصحاب المصالح الكبرى وطواغيت المال. السودان سيقسم بعد أيام، والعراق انقسم وسيقسم لاحقا. والمشاكل العرقية والطائفية تملأ كل الدول المجاورة. مصر بعيدة تماما عن كل ذلك، لكن هناك، ومن داخلها، من يجرها إلى تقسيمات طائفية ويدفع بها إلى كارثة عرقية وهمية قد تصبح حقيقة في ظل التقاعس والفساد وفقدان البوصلة والصراع على المصالح.