مازال المنصب الذي تولاه ذلك الرجل يسيطر علي تفكيره رغم تخليه عنه لعشرات السنوات، إنه شلومو جازيت - رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»- الأسبق أحد أكبر ثلاثة أجهزة أمنية في إسرائيل لجمع المعلومات وتنفيذ عمليات ضد ما تسميه إسرائيل «أعداء الدولة العبرية». «جازيت» الذي ظل لسنوات يشرف علي تقارير استخباراتية عن الدول الأخري جعلته مرتابا دائما ويشك في أي شخص أو أي إنسان يحذر الآن مما يسميه تغير نظام الحكم في مصر وظهور حكومة متطرفة إلي السلطة في القاهرة بسبب بناء جدار حدودي مصري مع قطاع غزة، ويري «جازيت» أن الاستمرار في بناء الجدار سيزيد من الاحتجاجات من جانب الفلسطينيين ضد النظام المصري التي قد تتسع إلي ما يتجاوز منطقة رفح ومحور صلاح الدين لتتحول إلي احتجاجات مناهضة لمصر في معظم العواصم العربية وربما داخل مصر نفسها. المسئول الاستخباراتي يؤكد أيضا أنه علي الرغم من شكوي تل أبيب الدائمة من «السلام البارد» مع القاهرة وعداء المثقفين والشعب المصري للتطبيع مع إسرائيل فإن تل أبيب تتمتع منذ نحو أربعين سنة ب«حدود هادئة» و«تعاون أمني محلي»، محذرا من أن كل هذا من شأنه أن ينهار بين ليلة وضحاها، لافتا إلي أن تل أبيب قد تفاجأ مرة واحدة بمصر مختلفة تماما يحكمها نظام متطرف بدلا من نظام معتدل وعلماني من شأنه أن يقف علي رأس الجبهة المناهضة لإسرائيل. ويكشف شلومو من خلال مقالاته المنتظمة في صحيفة «معاريف» العبرية عن الفرحة الإسرائيلية بالاشتباكات التي جرت بين قوات الشرطة المصرية وسكان القطاع وقتل فيها مجند مصري مؤخرا قائلا: إن كثيرين في إسرائيل فرحوا لمشاهدة الاشتباكات بين الجانبين، مضيفا أن الجدار الفولاذي الذي تقيمه القاهرة سيجعل من الصعب في المستقبل حفر الأنفاق الأرضية من سيناء إلي داخل القطاع وهو ما تراه تل أبيب تطورا «مباركا» يضمن السيطرة شبه المطلقة علي كل ما يدخل من الخارج إلي الداخل ووضع حد لتهريب صواريخ الجراد، المضادة للدبابات والطائرات لغزة. «جازيت» هاجر لتل أبيب عام 1932، وانضم لعصابات البالماح الصهيونية عام 1944 التي نفذت هجمات علي السكان العرب في فلسطين قبل حرب 1948، وشارك في تلك الحرب كقائد فصيلة تابعة للكتيبة السادسة التي يشرف عليها تسبي زامير - رئيس الموساد فيما بعد - وخلال خدمته بالجيش الإسرائيلي كان رئيسا لمكتب نائب رئيس هيئة الأركان في البداية مع موردخاي مكليف، وبعد ذلك مع موشي ديان الذي انتقل معه إلي مكتب رئيس هيئة الأركان في عام 1954، وفي عام 1955 ومع دورة تدريبية للغة الفرنسية، وفي بداية 1956 بدأ العمل كمعلم بمدرسة لإعداد القادة، وقبل حرب 1956 تم تعيينه ضابط اتصال للوفد العسكري بباريس الفرنسي، وفي عام 1957 عمل مساعداً للملحق العسكري في فرنسا، وفي عام 1959 عاد للتعليم في مدرسة القادة، وفي عام 1962 كان نائبا لقائد لواء الجولاني، وبعد ذلك كان من مؤسسي كلية الأمن القومي ومعلما بها. وبين أعوام 1964 و1967 كان رئيساً لقسم الأبحاث بشعبة الاستخبارات العسكرية، وفي السنوات التي سبقت حرب 1967 أجري هذا القسم بحثا مهماً جداً خلصت نتائجه إلي أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لن يتسبب في أزمة مع تل أبيب طالما جيشه مشاركا في حرب بشمال اليمن، كما توقع عدم قيام حرب حتي عام 1960، وظل جازيت مؤمنا بذلك حتي بعد دخول الجيش المصري شبه جزيرة سيناء.