بدأت متابعتي لصحيفة الدستور منذ حوالي العامين تقريبا... وقتها كنت أبحث عن صحيفة مصرية أستطيع من خلالها متابعة ما يحصل في مصر كوني لست أعيش جسدياً هناك.. الحق أن شروطي لاختيار الصحيفة المناسبة كانت صعبة نوعا.. كنت أبحث عن صحيفة يتدنى فيها هامش الكذب الذي أصبح غالبا هو القاعدة هذه الأيام.. ليست المشكلة في الكذب المكشوف الذي يصرخ بإلحاح مفصحا عن مكنونه .. هناك نوع مميز من الكذب الأنيق الذي يحاول أن يأكل دماغك ويعطيك صورة مسبقة الصنع لما تريده جهات معينة على مختلف انتماءاتها ... ومن الطبيعي أنني صادفت صحفا كثيرا تقدم منتجات من هذا النوع.. لقد تغير عند البعض مفهوم الصحافة ليتحول إلى أداة تحريضية هدفها تجييش الناس عبر مفاهيم معينة خدمة لمصالح من يتحكم بها .. وابتعدت عن معدنها الحقيقي المتمثل بمحاربة الفساد على أنواعه والتعبير على رغبات وهموم الناس .. لم تعد الصحافة لدى الكثيرين تمثل محرضاً لتنمية الوعي عند الناس بل بالعكس أصبحت سجن لعقولهم ومدفناً كبيراً لأحلامهم. عندما تصفحت موقع صحيفة الدستور أدركت أنني أمام شيء مختلف.. كل شيء بشكل عام كان يشي بذلك بالإضافة إلى أنني لحظة قرأت اسم رئيس التحرير الأستاذ إبراهيم عيسى شعرت بأنه مألوف بشكل كبير وبدأت أتذكر.. منذ سنوات عديدة في نهاية التسعينات شاهدت برنامج للأستاذ بث على قناة فضائية عربية خاصة .. أنا لم أعد أذكر اسم البرنامج ولكن في تلك الحلقة كان الأستاذ يتحدث عن الملك فاروق وبالتحديد على أن عهده لم يكن سيئا بالدرجة التي صدعوا رؤوسنا بها .. وأن المرحلة التي أتت بعد أن رحل الملك فاروق لم تكن أفضل على أقل تقدير.. ولقد لفت نظري بشدة هذا الكلام لأن هذا الصحفي يتكلم بشكل شجاع وصريح مجابها بشكل حاد ما يعتبر من المسلمات عند الكثير من الناس... ما قاله إبراهيم عيسى وقتها جعلني أدرك أنه ليس ما كل ما يقال ويتكرر هو شيء حقيقي ... على الإنسان الذي يريد فعليا أن يعرف ما يحدث حقاً أن يكون حذراً حتى لا يغرف من زكائب الأوهام ... وقتها أدركت أنني وجدت ما أبحث عنه .. وأصبح تصفح موقع صحيفة الدستور بالنسبة لي نشاطاً يومياً... ما يميز صحيفة الدستور عدا عن رئيس تحريرها هم الكتاب والصحفيين التي تضمهم.. أن تأتي برئيس تحرير كإبراهيم عيسى فهذا يعني بشكل طبيعي أن باقي الصحفيين بشكل أو بآخر سيكون لديهم نفس الروح المتمردة الرافضة للقولبة وللاستهبال الذي يمارس بشكل كبير ضد الناس. ولكن في بداية هذا الشهر تغير المشهد كلياً .. طبعا لن أتكلم عن أحداث يعرفها الجميع والتي ترتب عليها أن الدستور لم تعد مطلقا الدستور التي أعرفها... لقد فقدت صحيفة الدستور قلبها النابض وحيويتها المعروفة.. لقد تعرضت لمؤامرة تمثلت بعملية نقل مخ أو للدقة إلغاء مخ ... والشيء الذي يدعوا إلى الدهشة والسخرية معاً أن يصرح البعض أن الدستور ليست شخصاً واحداً وأن وجودها ليس مرتبطا بوجود شخص معين !!!! وهذا الكلام العجيب يعني أن سي عبد الودود الشجاع صاحب النخوة سيظل عبد الودود حتى بعد أن نحلق شنبه ونجبره على ارتداء بذلة فاخرة ونوقفه أمام ملهى ليلي ليقوم بجذب الزبائن .. القضية تحولت إلى مجموعة من الأوراق التي لابد أن تطبع كل يوم مكتوب عليها أنها صحيفة الدستور.... أوراق صفراء بلا روح ... وما الذي سيجعلني أتابع الدستور ولم يعد رئيس تحريرها موجودا لا هو ولا مجموعة كبيرة من الصحفيين الذين أعلنوا تبرئهم من ذلك الكائن المشوه الذي يطلق عليه ظلما اسم الدستور... ومن بقي فيها مرغما تحت وطئت لقمة العيش وأنا أعذره وأتمنى له الفرج أصبح تحت رحمة من يريد أن يسيّرها بالجزمة على حد قوله .. رائحة المستوى الأخلاقي المتدني تفوح بشدة هنا وأعتقد أنها تزكم الأنوف أكثر بكثير مما يصدر عن الجزمة إياها ... بكل الأحوال ومهما حدث وسيحدث وقيل وسيقال أنا متأكد من كل قلبي ووجداني وكما قال الأستاذ بنفسه أنه سيصدر صحيفة أخرى ولن يتوقف أبداً كما عودنا دائما والى تلك اللحظة السعيدة سأتابع نبض موقع الدستور الذي والحمد لله لم يعد تابعاً لذلك الكائن المشوه . ولي كلمة صغيرة للأستاذ إبراهيم عيسى : - أنت كبير وعظيم جدا يا أستاذ لدرجة أنك جعلت من حاولوا إسكاتك أقزاما بائسين.