اشتعل حماسنا كشباب - أيامها - اشتعالاً، ورحنا نبحث عن وسيلة ما، نقدم بها جهدنا للوطن... تطوعنا في الدفاع المدني، ولكن هذا لم يكفنا، ثم علمنا أن قطرة الدم تساوي الكثير في الحروب، فهرعنا- أصدقائي وأنا - لنقدم دمنا للوطن... وكانت المفاجأة، إذ وجدنا طوابير طويلة للغاية، أمام كل مراكز التبرع بالدم، وكان علينا أن نقف لساعة أو يزيد، حتي يحين دورنا لدفع دمائنا، من أجل مصر.... أيامها كان النظام يمنح كل متبرع بالدم علبة من المربي؛ كوسيلة لتعويض الدماء التي منحها، وما أن مد أول واحد يده نحو العلبة، حتي اصطدم بنظرات الازدراء والاستنكار من الآخرين، الذين رأوا أنه لا يجوز أن يحصل المرء علي ثمن الدم، يقدمه من أجل الوطن، ودون اتفاق كلامي، اتفقت إرادتنا جميعاً، علي أن نتبرع بعلبة المربي لجنودنا علي الجبهة، ولا أحد يدري ما إذا كانوا قد حصلوا عليها بالفعل، أم حصلت عليها ممرضات مراكز الدم، ولكنه كان موقفاً جماعياً علي أية حال... وفي المدرسة والنادي، جاءت وحدات التبرع بالدم، فهرعنا إليها أيضاً، وكذبنا عندما سألونا عما إذا كنا تبرعنا بدمائنا من قبل أم لا، ومنحنا دمنا مرة أخري للوطن... كانت أياماً عظيمة... الجيش بكل أسلحته يقاتل في الجبهة، والشعب يلتهب حماسة، ويتفجر عطاؤه في الداخل... وعلي عكس ما كان يحدث في نكسة يونيو، فتح والدي الراديو بصوت مسموع، وراح يقلب كل محطاته، ليسمع الأخبار العالمية والمحلية، حتي أذاعت إذاعة لندن، أن الجيش الإسرائيلي قد شطر الجيش المصري إلي شطرين... أيامها لم نصدق الخبر؛ فقد كنا نثق في قواتنا ثقة مذهلة، ثم علمنا فيما بعد أن الجيش الإسرائيلي قد عبر منطقة مهجورة، وتسلل منها إلي الضفة الغربية من قناة السويس، وإلي الدفرسوار، لتحاصره قواتنا هناك، ويتحول إلي ثغرة، يمكن أن تشكل خطورة علي الجيش الثاني... ووسط كل هذا، خرج (أنور السادات) إلي مجلس الشعب، ليتم استقباله استقبال الفاتحين، بتصفيق من القلب، اشترك فيه أعضاء المجلس مع مشاهدي الجلسة تليفزيونياً، في كل مكان، وبدأ يعلن بيان النصر، وينعم بالأوسمة والنياشين علي القادة المنتصرين... ومازال لنا بقية.