مُحدثي هو أستاذ في إحدي كليات الطب، وابنه طالب في نفس الكلية في السنة النهائية. قال لي: (إن ابني قرر أن يأخذ درسًا مع أحد الأساتذة المشهورين بصرامتهم الشديدة مع الطلبة). أوقفته عن الاسترسال متسائلة: كيف يأخذ ابنك درسًا خصوصيًا وأنت موافق بهذه البساطة؟). قال ضاحكًا: (يا خبر إنتي مش من هنا ولا إيه؟!.. كل طلبة الكلية الآن لا يستطيعون الاستغناء عن الدروس الخصوصية. ابني وكل جيله اعتادوا علي أن يقوم الأساتذة بتحويل العلم إلي كبسولة وإعطائها لهم وخلفها كوب ماء. هذا الأسلوب بدأ في المدرسة واستمر). يكمل الأستاذ الدكتور: (أنا وجيلي كنا نحتاج إلي درس في مادة أو اثنتين في الثانوية العامة لا قبلها ولا بعدها، نجلس مع المدرس لحل تدريبات أو لسماع شرح جزء غامض. لذلك كان المتفوق منا يبذل جهدًا خاصًا به، حتي ولو كان مبنيًا علي الحفظ. كنا نعتمد علي أنفسنا في الحفظ). سألته إن كان جيله في كلية الطب عرف طريقه إلي الدروس الخصوصية؟ فقال: (القلة القليلة كانوا يلجأون إلي الدروس. أما أغلب الطلبة فكانوا لا يلجأون إلي الدروس إلا في الإكلينيكي. أستاذ أو اثنان يُكوّنان مجموعات ويستعينان بالمرضي المزمنين ويعلماننا كيف نفحصهم. كان وقتها عدد الطلبة لا يسمح بأن يتعامل كل الطلاب في المحاضرة مع المرضي عن قرب). استطرد: (الآن نظري وإكلينيكي.. كل المواد وكل سنوات الدراسة. أنا شخصيًا كنت أرفض مبدأ الدروس الخصوصية ومبدأ التوصية في الامتحانات. نجحت في فرض قناعاتي بشأن التوصية، وفشلت في الدروس). يكمل: (بالمناسبة أمه لا تتوقف عن لومي لأنني لا أبذل جهدًا كافيًا لمساعدة الولد في دراسته. ويوافقها كل من يسمع القصة من الأهل والأصدقاء. ويتأثر ابني فيشعر في أعماقه بأنني لا أسانده.. هذا الشعور ليس سهلاً علي الأب، رغمًا عني - يقول - أجد نفسي أشعر بالذنب. فيزداد الموقف تعقيدًا). يستطرد: (الأكثر تعقيدًا علي الإطلاق هو الموقف الأخير، قال لي ابني إنه يريد أن ينضم إلي مجموعة درس الأستاذ فلان لكنه يخاف أن يطرده أمام زملائه كما يفعل مع الكثير من الطلبة عندما يسألهم في الدرس ولا يتمكنون من الإجابة. والمطلوب مني الآن أن اتصل بالدكتور وهو صديقي وأطلب منه ألا يطرد ابني إذا لم يتمكن من الإجابة!، ولو فعلت ذلك فلن أضمن التزام ابني بالمتابعة، ولو لم أفعل سيُعتبر موقفي تخليًا عنه مرة أخري). قلت له: (أصدق أننا اعتبرنا الدرس الخصوصي أمرًا واقعًا، ثم اعتبرنا الطرد من الدرس أمرًا طبيعيًا، والآن نستفتي في التوصية عند المدرس الخاص)!. كأنه لم يسمعني قال: (لو طلبت منه ألا يطرده فهذا معناه ضمنًا ألا يسأله من الأصل، لأنه لن يستطيع استثناءه أمام الطلبة، وإذا عرف الطالب أن المدرس لن يسأله سيهمل في المتابعة.. إيه رأيك أطلب منه يسأله علي انفراد؟!!).