تذكرت محمد السيد سعيد.. خبر: «لقاء الرئيس مع المثقفين» أعاد تفاصيل حكاية الدكتور محمد السيد سعيد عندما حضر لقاء الرئيس والمثقفين في معرض الكتاب سنة 2005.. ماذا يفعل المثقف في حضرة الرئيس؟ ماذا يقول له؟ هل مازالت هناك عقلية «الطلب» من الرئيس؟ هل يستمع إليهم الرئيس فعلا؟هل يستمع لأحد غير حاشيته؟ ماذا يمكن أن يتغير إذا التقي المثقفون بالرئيس؟وإلي أي حد يمكن أن يتكلم المثقف بجرأة أمام شخص تعود علي أسلوب التحدث من أعلي والسمع والطاعة؟.. أسئلة ذكرتني بحكاية الدكتور محمد السيد سعيد عندما طلب الكلمة والأمان أمام الرئيس.. وقتها كان الدكتور محمد معروفا في أوساط المثقفين والسياسيين، كان كاتبًا لامعًا في «الأهرام». مجال حركته أبعد من المؤسسة. يعمل في مراكز حقوق الإنسان، وفعال في حركات التغيير والديمقراطية النشيطة، وانتهي من شوط جرب فيه فكرة الإصلاح من الداخل، أو تعديل عقل النظام، وبعد اكتشاف صعوبة واستحالة هذا التغيير، ولأنه لم يكن يفعل ذلك طلبا لمصلحة أو غنيمة فإنه عاد ببساطة إلي موقعه علي يسار كل سلطة.. الدكتور محمد طلب الكلمة والأمان، وكما حكي لي يومها.. (طلبت أن آخذ فرصة للتعبير عن وجهة نظر مختلفة وبقدر المكان، متكاملة في حدود الوقت المتاح. كان كلام الرئيس شخصيا يدور حول السكان وارتفاع معدلات الزيادة بشكل خطير. أنا قلت للرئيس إن موضوع السكان محسوم من الناحية العلمية. في بوخارست اجتمع العلماء تحت مظلة الأممالمتحدة وقالوا إن التنمية تحل مشكلة السكان. والتقدم يحل مشكلة السكان.لا طريقة غير التقدم والتنمية لحل مشكلة السكان؛ لأن السكان ومعدلات الزيادة ليست مشكلة في حد ذاتها. مع معدلات تنمية مرتفعة يمكن إعادة التوازن بين الموارد والسكان. هذه النظرية اسمها العلمي «الانتقال السكاني»).. الدكتور لم يقل كل هذه التفاصيل للرئيس لكنه تحدث عن نظرية علمية نوقشت في بوخارست، وهنا في القاهرة في مؤتمر السكان 1994، أكدت أن التنمية والتقدم هما اللذان يخفضان من معدل النمو السكاني وليس العكس. المشكلة جاءت من أين؟! قلت للرئيس..: «حضرتك تكلمت وكأننا حققنا إنجازاً اقتصادياً وهذا غير صحيح بالمطلق. نحن من أقل دول العالم في الأداء الاقتصادي. وخلال 15 سنة لم نتخط أبدا نسبة 3 ونصف %، بينما تحقق ماليزيا 8 %، والصين 11 %، وكوريا من 7 إلي 9 %، وعشرات من دول أخري تحقق أرقاماً فلكية. نحن لا نستطيع الانطلاق ولا كسر سقف ال 3 ونصف %. لماذا؟! سألته مرة أخري. واجتهدت في إجابة.. قلت: «.. هذه قصة طويلة جداً ومعقدة. لكنني سأشير إلي عامل وحيد وهو سحق كرامة المصريين. المصري في بلده مهان. ومن شهرين ألقي القبض علي أعداد تراوحت بين 2000 و5000 مصري من أبناء العريش بعد تفجيرات طابا. هؤلاء تعرضوا للصعق بالكهرباء وأطفئت السجائر في أجسادهم. هذا يجعل المصري مقهوراً في بلاده، وليس فخوراً بها. وحضرتك شخصيا مسئول عن كرامة المصريين وفقا للدستور. المسئولية الأولي لرئيس الدولة هي كرامة المصري. وعندما نقول للمصري إنه فخور ببلاده لابد أن يكون هناك ما يجعله يصدق الفكرة. المصري عنصر كريم. والمصريون من أكثر شعوب العالم دماثة، والتفزيع منهم والتخويف منهم عمل خطر. والمفتاح لهم بسيط جداً وهو أن يُعامل المصري بكرامة في مؤسسات الإدارة العامة ومن جهة جهاز الدولة وخاصة جهاز الأمن.. لماذا لا يحدث هذا يا ريس؟ سألت من جديد.. وقدمت إجابة.. قلت: «..لأن الدستور(دستور1971) لا يحمي الحريات العامة وحقوق الإنسان حماية كافية. نحن لا نريد تعديل الدستور. نريد دستوراً جديدًا، أولا يحمي كرامة المصريين وحقوقهم الإنسانية وحرياتهم العامة حماية صارمة.. حماية قوية. هذا ما يمكنه أن ينعش إحساس المصري بالكرامة وبالفخر ببلده.. ولماذا لا يحدث هذا يا ريس..؟ سألت.. وأكمل إجابتي وقلت: «.. لأن دستور 1971 مبنيٌّ علي فكرة الحكم المطلق. وتمت صياغته علي كيان دستوري واحد هو حضرتك شخصياً. طيب.. نحن مطمئنون لك ونقول ربما يكون هذا مناسبا لمرحلة معينة. لكن حضرتك شخصياً ألستَ قلقًا علي مستقبل مصر عندما يأتي شخص ما يملك كل السلطات المطلقة بيده ويكون مثلاً أقل رصانة أو أقل حكمة أو حتي بنصف عقل. أليس هذا سببا للقلق؟.. من أجل هذا يا ريس نحن نريد دستوراً يوزع السلطات ويحقق التوازن بين السلطات وينشر السلطة ويقربها للشعب..». حكاية المثقف والرئيس لها بقية، نكملها غدًا.