ليس أصل الحكاية هو ترشح محمد المنسي قنديل في القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية. وليس أصل الحكاية أن الكاتب الذي لم يكن يوماً منسياً أصبح معتمداً لدي القارئ العادي، لا القارئ النخبوي الذي يتجه نحو الانقراض بخطي ثابتة ودأب وإصرار بالغين. الجميع الآن يسأل عن المنسي قنديل.. يطارد روايته «يوم غائم في البر الغربي».. والرواية تختفي تحت ضغط الشبق الشعبي للقراءة وتنفد لدي باعة الكتب ربما لأول مرة في حياة الأدب المعاصر باستثناءات قليلة جداً. وليس أصل الحكاية مجدداً أنه صاحب أحد أنصع الأساليب العربية علي الإطلاق، فالمنسي قنديل - سيد الجمل القصيرة الموحية - دون منازع، قامة فنية باذخة من قديم، ولن تضيف إليه «البوكر» سوي المزيد من عشاقه والمفتونين بفنه الرفيع وبساطته الآسرة. أصل الحكاية يعود إلي سنوات الدهشة الأولي وعتبات البداية. كنا صغاراً.. وكان المنسي قنديل جزءاً من صبانا الأول وغرامنا الشفيق بعالم الأدب وبواكير المغامرة الإبداعية، كانت كتابات الرجل تنفذ مباشرة إلي أرواحنا الصغيرة، فترتجف من هجوم السحر وجرأة المسير في المتاهات الغامضة. أتحدث هنا بالأساس عن كتابه الرائع «شخصيات حية من الأغاني».. ولا أعلم حتي الآن هل امتلك روائي واحد غير المنسي قنديل جرأة الخوض بهذه البراعة في متاهات الصحراء العربية المترعة بقصص الجنون والحب والرحيل الذي لا ينتهي أبداً، أتذكر: أحزان الملك الضليل - امرؤ القيس، نائلة.. إنهم يقتلون الإمام، الشراك منصوبة للشعراء.. ديك الجن، من يملك الكون الرحب، عودة ابن الورد، نصيب الشعراء من العالم.. كثير عزة.. إنها بعض فصول الملحمة الرائعة عن عذابات الأسلاف وجنونهم وحكايات العشق والقتل والغياب والموت، كان المنسي قنديل السليل الأوفي لكل هؤلاء الكبار، كان يتحدث بلسانهم ويلبس تجاربهم كاملة ثم يسير بها في أفق العالم، كان المنسي قنديل يقول: إليكم سيرتي، فأنا أحمل كل هؤلاء الموتي في داخلي، وكلهم سافروا في دمائي منذ أزمان بعيدة، هؤلاء جزء من كيانكم أيضا، وبعضهم يرقد بعيداً جداً في متاهات روحكم، هل آن لكم أن تلتفوا إليهم، نظرة واحدة بعمق إلي داخلكم ستجدونهم، لا تبتعدوا عن ذواتكم الحقيقية، وانظروا خلفكم بدهشة.. إنه الماضي كاملاً، فلا تفقدوه، وأسلافكم.. كما كانوا رائعين فلا تتركوهم يرحلون في متاهات التاريخ.